19 نوفمبر 2024
صعود "ما بعد الإسلام السياسي"
يتزايد تداول مصطلح "ما بعد الإسلام السياسي" في مؤسسات الإعلام، ولدى الباحثين والمهتمين، وهو يعود إلى بداية التسعينيات، وأطروحات الفرنسي، أوليفيه روا، ثم الأميركي من أصل إيراني، آصف بيات، وآخرين، مثل الفرنسي جيل كيبيل، وعربياً كان هنالك اهتمام بحثي به من الصديق الراحل، حسام تمام. وعلى صعيد فكري، كان جمال البنا من أوائل من كتبوا "ما بعد الإخوان المسلمين".
تراوح تعريف "ما بعد الإسلام السياسي"، لدى أغلب الباحثين والمتخصصين السابقين، بين مقولات رئيسة: القول بفشل حركات الإسلام السياسي، ولا واقعية مقولاتها الأيديولوجية التي ارتبطت بإعادة تدشين الخلافة وإقامة "دولة الشريعة"، أو تطوّر هذه الحركات جرّاء الممارسة العملية، ومع اندماجها أكثر في العملية السياسية، ما أدى إلى انفجار خلافاتها وتحوّلها إلى مشروع آخر، يتجاوز المقولات التقليدية، مثل الدولة الإسلامية ودولة الشريعة، والاعتماد أكثر على العامل السلمي في التغيير.
لم تجد تلك المقولات اهتماماً سياسياً، ولا إعلاميا كبيراً في تلك الفترة، لأسباب رئيسة، منها أنّ الحركات الإسلامية كانت متنوعة ومتعدّدة في مشاربها الأيديولوجية ورؤيتها السياسية، وفي تبنّيها استراتيجيات التغيير، وما تزال فاعلة شعبياً ومجتمعياً، فكان صعبا هضم تلك القراءات والتوقعات، أو تعميمها في الحدّ الأدنى.
بدأت التطورات بعد ذلك تأخذ الحركات الإسلامية في صيرورة "ما بعد الإسلاموية"، بالاندماج في اللعبة الديمقراطية، وتبنّي الديمقراطية والتعدّدية السياسية، والخروج من مربع التردّد (خصوصا مع الأوراق التي أصدرها الإخوان المسلمون في 2004-2005، في سورية ومصر والأردن، وتؤكد قبول الديمقراطية)، ثم ببروز تجربة حزب العدالة والتنمية التركي التي أخذ الإسلاميون في المشرق العربي وقتاً حتى استوعبوها، وبدأوا بتقبّلها، وكانت حركات كثيرة قد أخذت موقفاً سلبياً، في البداية، من طروحات أردوغان تجاه العلمانية والبراغماتية السياسية، ثم بدأت الأحوال تتغير، حتى أصبح اليوم هذا الحزب النموذج لأحزاب إسلامية عديدة.
كان آصف بيات قد رأى في الحالة الإيرانية نموذجاً لمرحلة ما بعد الإسلام السياسي، في التسعينيات، خصوصا جيل الشباب والنساء الذين أرادوا التحرّر من ولاية الفقيه، مع إعادة تكييف المقولات الأيديولوجية لها، لكن الترجمة الحقيقية على صعيد العالم العربي والإسلامي لهذه المرحلة هي بالفعل تجربة "العدالة والتنمية" التركي الذي أعاد هيكلة الشعارات والأطروحات والأفكار بصورة كبيرة.
مع أنّ الحركات الإسلامية سارت في طريق التحول نحو العمل السياسي والديمقراطي وتطوير أفكارها، وإعلان القبول بالديمقراطية، إلاّ أنّها بقيت تفتقد الجرأة والشجاعة، أو ربما الجسارة الفقهية والفكرية لقطع الطريق بوضوح نحو النتائج الحقيقية المترتبة على الإيمان بالديمقراطية، وذلك كان يعني التخلّي عن "المخيال السياسي" للإسلاميين، بإقامة دولة الشريعة واستبداله بالدولة الديمقراطية والمدنية بصورة واضحة.
شكل الربيع العربي زلزالاً فكرياً وسياسياً، في العالم العربي، لكنّ نتائجه على أفكار الإسلاميين وأطروحاتهم بدأت تنعكس جديا بعد الانقلاب في مصر، ثم المقارنة بين التجربتين، المغاربية والمشرقية، في التعاطي مع الشأن السياسي، وبرزت أطروحة على درجة كبيرة من الأهمية، تقدّم بها حزب التنمية والعدالة المغربي، أولاً، ثم لحقهم "النهضة" التونسي، وهي فصل الدعوي عن السياسي، واقتصار العمل الدعوي على المجتمع المدني والجمعيات. وكان هذا الفصل كلمة السرّ لتنقل تيارات أخرى في الإسلام السياسي إلى مرحلة "ما بعد الإسلام السياسي"، بالتحول إلى أحزاب محترفة، وقدّم أطروحة مهمة لذلك رئيس وزراء المغرب الحالي، سعد الدين العثماني (أحد قادة الإسلاميين المغاربة)، وأصبحت دراسته المنشورة ملهماً جديداً للإسلاميين المشارقة، وبدأت الحالة تأخذ مدىً واسعاً في المشرق العربي، ويصبح ما كان محرّماً قبل أعوام الخطاب الصاعد في أوساط الإسلاميين.
دخول تيارات واسعة من الإسلاميين إلى مرحلة ما بعد الإسلام السياسي يعني التخلي عن الإطار الأيديولوجي السابق، والتحول نحو أحزاب ديمقراطية وسياسية، التخلي عن برنامج الإسلام هو الحل، وقبول اللعبة السياسية والتعدّدية، وفصل الدعوي عن السياسي، وهي خطوات جديدة للاقتراب من نموذج الأحزاب المسيحية الديمقراطية، كما نظّر سابقاً الأميركيان ناثان براون ونادر الهاشمي.
تراوح تعريف "ما بعد الإسلام السياسي"، لدى أغلب الباحثين والمتخصصين السابقين، بين مقولات رئيسة: القول بفشل حركات الإسلام السياسي، ولا واقعية مقولاتها الأيديولوجية التي ارتبطت بإعادة تدشين الخلافة وإقامة "دولة الشريعة"، أو تطوّر هذه الحركات جرّاء الممارسة العملية، ومع اندماجها أكثر في العملية السياسية، ما أدى إلى انفجار خلافاتها وتحوّلها إلى مشروع آخر، يتجاوز المقولات التقليدية، مثل الدولة الإسلامية ودولة الشريعة، والاعتماد أكثر على العامل السلمي في التغيير.
لم تجد تلك المقولات اهتماماً سياسياً، ولا إعلاميا كبيراً في تلك الفترة، لأسباب رئيسة، منها أنّ الحركات الإسلامية كانت متنوعة ومتعدّدة في مشاربها الأيديولوجية ورؤيتها السياسية، وفي تبنّيها استراتيجيات التغيير، وما تزال فاعلة شعبياً ومجتمعياً، فكان صعبا هضم تلك القراءات والتوقعات، أو تعميمها في الحدّ الأدنى.
بدأت التطورات بعد ذلك تأخذ الحركات الإسلامية في صيرورة "ما بعد الإسلاموية"، بالاندماج في اللعبة الديمقراطية، وتبنّي الديمقراطية والتعدّدية السياسية، والخروج من مربع التردّد (خصوصا مع الأوراق التي أصدرها الإخوان المسلمون في 2004-2005، في سورية ومصر والأردن، وتؤكد قبول الديمقراطية)، ثم ببروز تجربة حزب العدالة والتنمية التركي التي أخذ الإسلاميون في المشرق العربي وقتاً حتى استوعبوها، وبدأوا بتقبّلها، وكانت حركات كثيرة قد أخذت موقفاً سلبياً، في البداية، من طروحات أردوغان تجاه العلمانية والبراغماتية السياسية، ثم بدأت الأحوال تتغير، حتى أصبح اليوم هذا الحزب النموذج لأحزاب إسلامية عديدة.
كان آصف بيات قد رأى في الحالة الإيرانية نموذجاً لمرحلة ما بعد الإسلام السياسي، في التسعينيات، خصوصا جيل الشباب والنساء الذين أرادوا التحرّر من ولاية الفقيه، مع إعادة تكييف المقولات الأيديولوجية لها، لكن الترجمة الحقيقية على صعيد العالم العربي والإسلامي لهذه المرحلة هي بالفعل تجربة "العدالة والتنمية" التركي الذي أعاد هيكلة الشعارات والأطروحات والأفكار بصورة كبيرة.
مع أنّ الحركات الإسلامية سارت في طريق التحول نحو العمل السياسي والديمقراطي وتطوير أفكارها، وإعلان القبول بالديمقراطية، إلاّ أنّها بقيت تفتقد الجرأة والشجاعة، أو ربما الجسارة الفقهية والفكرية لقطع الطريق بوضوح نحو النتائج الحقيقية المترتبة على الإيمان بالديمقراطية، وذلك كان يعني التخلّي عن "المخيال السياسي" للإسلاميين، بإقامة دولة الشريعة واستبداله بالدولة الديمقراطية والمدنية بصورة واضحة.
شكل الربيع العربي زلزالاً فكرياً وسياسياً، في العالم العربي، لكنّ نتائجه على أفكار الإسلاميين وأطروحاتهم بدأت تنعكس جديا بعد الانقلاب في مصر، ثم المقارنة بين التجربتين، المغاربية والمشرقية، في التعاطي مع الشأن السياسي، وبرزت أطروحة على درجة كبيرة من الأهمية، تقدّم بها حزب التنمية والعدالة المغربي، أولاً، ثم لحقهم "النهضة" التونسي، وهي فصل الدعوي عن السياسي، واقتصار العمل الدعوي على المجتمع المدني والجمعيات. وكان هذا الفصل كلمة السرّ لتنقل تيارات أخرى في الإسلام السياسي إلى مرحلة "ما بعد الإسلام السياسي"، بالتحول إلى أحزاب محترفة، وقدّم أطروحة مهمة لذلك رئيس وزراء المغرب الحالي، سعد الدين العثماني (أحد قادة الإسلاميين المغاربة)، وأصبحت دراسته المنشورة ملهماً جديداً للإسلاميين المشارقة، وبدأت الحالة تأخذ مدىً واسعاً في المشرق العربي، ويصبح ما كان محرّماً قبل أعوام الخطاب الصاعد في أوساط الإسلاميين.
دخول تيارات واسعة من الإسلاميين إلى مرحلة ما بعد الإسلام السياسي يعني التخلي عن الإطار الأيديولوجي السابق، والتحول نحو أحزاب ديمقراطية وسياسية، التخلي عن برنامج الإسلام هو الحل، وقبول اللعبة السياسية والتعدّدية، وفصل الدعوي عن السياسي، وهي خطوات جديدة للاقتراب من نموذج الأحزاب المسيحية الديمقراطية، كما نظّر سابقاً الأميركيان ناثان براون ونادر الهاشمي.