02 يونيو 2019
صفحات من دفتر قديم
يجلسُ وحيداً كعادته، يطالعُ كتاباً أو مجلةً، ويشاهدُ عبر التلفاز كيفَ تداعت أحلامُ الناسِ في المدنِ العربيّةِ، هكذا يقضي يومه ولا شيء آخر..
ليلاً يقلبُ بصفحاتِ دفترٍ قديمٍ، علّه يعثرُ على مسرةٍ في زمنِ المآسي الكبرى، وإذ به يجدُ: عرفتُ الروائيّة العراقيّة لطفية الدليميّ صغيراً، كنتُ أطالعُ ما تنشرُ في المجلاتِ والصحف، أقرأُ لها بشغفٍ، ثم كبرتُ وكبرَ فيّ همُّ القراءةِ، مغادراً مكتبة المنزلِ نحو مكتباتٍ أخرى، وبينَ ما كنتُ أطالعُ نتاجَ الساردة الأمهر لطفية الدليمي، أزدادُ غبطةً واعتزازاً بزمنٍ ثقافي راح ينأى، ثم تعرفتُ عليها عن قربٍ عبرَ طرقِ التواصلِ الحديثةِ، وبدأتُ باكتشافِ عوالمها الشاسعة، فلم تكن روائية حسب، وإنما مترجمة قديرة، ومفكرة بالغة العمقِ، وإلى جوارِ هذا كلّه تتمتعُ بروحٍ شفيفة، وحضورٍ إنسانيّ متفردٍ..
توطدت علاقتي بها، أحاورُها وأفيدُ من رؤاها، حتى انبثقت فكرةُ مجلةِ الثقافة العراقيّة، فكانت من أوائل من فاتحتهم واستشرتهم، وإذا بها ترحبُ بالفكرةِ، وتشجعُ على إنجازها، وهي تكتبُ لي تجربتها الطويلة في الصحافةِ، مع خطاطة فنيّة ومهنيّة تقوّمُ نهج المجلة، وفي الهامشِ مقترحات تتصلُ بالعملِ الثقافيّ، ولم تقف عند هذا الحدّ من التعاون الكبير، بل امتدت محبتها لتسهم في المجلةِ كتابةً واستشارةً..
صدرت المجلةُ، ومضت في أعدادها بانتظامٍ، وخلف هذا كلّه تقفُ الروائية لطفية الدليمي، وهي تنظرُ من سماء (عمان) إلى الفرحِ في عيونِ أبناء سومر، الذين تشربوا الحزنَ بسببِ ألاعيب السياسة الحمقاء و(دكاكين) القهر الدينيّ، وسجنوا في جغرافيا الظلامِ، حتى باتت الكلمةُ الحرةُ تهمةً يعاقبُ عليها قانون الغابةِ الحجريّ..
توقفت المجلةُ، أو كادت أن تتوقفَ، وجاءَ النبأ كغيمةِ حزنٍ في سماء أرواحنا المتعبة، وكعادتها -لطفية الدليمي- تمدُ يدّ العون، وتقفُ مع استمرار المجلةِ.. بيدَ أن المرض الذي جاءَ بغتةً، استبدَ هو الآخر، ليمنعَ الفرحَ من أن يُكملَ ما بدأه، آخذاً بيدي نحو عزلةٍ قاسيةٍ!!، لم أكن قادراً على فعلِ شيءٍ سوى القراءةِ، أسكنُ بها ألم الروح والجسد، وأكتبُ أحياناً لأطمئنَ الأصدقاءَ، أن ثمةَ نبضا أكابدُ به شَراسةَ الأسى..
يشعلُ سيجارة ويعاودُ مشاهدة التلفاز، كانت تغطي إحدى القنوات قتل شابٍ عراقيّ محتجٍ برصاصةٍ طائشةٍ، بعدها يخرجُ مثقف أنيق متحدثاً عن طريقةِ موت الشعبِ في ضوءٍ من النظريّة البنيويّة!
رجعَ إلى دفتره القديمِ، فوجدَ في أعلى الصفحة شطراً من قصيدهٍ لسعدي يوسف: لكم البلاد ولي البلادة!