27 أكتوبر 2024
صفعة ترامب وصمت القبور
وقعت شخصيات إسرائيلية، بينهم ناجون من الهولوكوست وسفراء سابقون، رسالة نشرتها يومية الفيغارو الفرنسية تحت عنوان "خطة ترامب خريطة طريق نحو الكارثة". ندّدوا فيها بصفعة الإدارة الأميركية القوانين الدولية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، تحت مسمى صفقة العصر. وركّز أصحاب الرسالة على إبداء استغرابهم ضعف الموقف الأوروبي ومحاباته "اليانكي" المتهور القابع في واشنطن، خصوصاً بعد أن اعتبر الاتحاد الأوروبي الخطة "فرصة" لإعادة إطلاق مفاوضات السلام. وفي المقابل، افترض الموقعون على الرسالة أن على أوروبا أن ترفض "ضم أجزاء مهمة من الأراضي الفلسطينية إلى الدولة العبرية". واعتبرت الرسالة أن تطبيق مثل هذه الخطة سيؤدّي إلى حالةٍ "لم يشهدها العالم منذ نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا". وبعد أن توسعت الرسالة بنقد الخطة، شبّه محرّروها صاحبها دونالد ترامب، وصاحبه بنيامين نتنياهو، كأنهما "ذئبان يتفاوضان على أفضل طريقة لافتراس الخروف". وخرج أحد الموقعين على هذه الرسالة، السفير السابق في باريس إيلي بارنافي، في حديث إذاعي، عن أية لباقة دبلوماسية، مندّداً بالراعي الأميركي الكاذب لعملية السلام، كما بلعب أوروبا لدور الشاهد الصامت والشريك على ارتكاب جريمة العصر وليس صفقته. وأخيرا، لم ينس أن يُشير إلى صمت قادة عرب مخجل مما يحصل في فلسطين.
ما سبق ورد على لسان شخصيات لعبت يوما دورا مهما، فكريا أو سياسياً، في صياغة سياسة هذه الدولة الاستعمارية والاستيطانية والتوسعية. وليس من الممكن التصفيق لهم على موقفهم هذا، وإن كان مثيراً للانتباه. لكن قراءة الرسالة، والتوقف عند وضوح إداناتها وقوة صرختها، يدفعان
القارئ إلى استعراض مقارن لمواقف بعض القادة العرب، إثر الإعلان عن صفعة ترامب. وعلى الرغم من أن هذا الإعلان يدخل في إطار التطور المنطقي لمسار "أوسلو" لمن يريد أن يقرأ ويحلل عن كثب، إلا أن الصفاقة التي تميّزت بها الصفقة، في طريقة عرضها وفرضها، كما الاستهانة البنيوية بالموقف العربي خصوصاً، وبالقانون الدولي والقرارات الأممية عموماً، جعلت من هلامية موقف بعض القادة العرب مادة للاستفاضة في تحليلها، وفي تدريسها مستقبلاً لدارسي النظم السياسية الفاشلة، فبعد عقود من استنزاف ثروات الشعوب، كما في انتهاك الحقوق الأساسية لهذه الشعوب، بدعوى المعركة ضد العدو الصهيوني، كشفت الوقائع الأخيرة، بشكل فاضح، الزيف المركّب للنظام السياسي العربي بتلاوينه كافة، وبمختلف امتداداته الإقليمية والمحلية. ومع أنه لم يكن يخفى على الناس عقم الخطاب التبريري والتجميلي والتمويهي لكثيرين من قادتهم، إلا أن صفعة ترامب جاءت لتعرية هؤلاء القادة وخطاباتهم بشكل كامل، حتى من ورقة التوت اليابس التي كانوا يحاولون أن يتستروا بها. وصار من الممكن، وهذه سخريةٌ من هذا القدر وبهذا القدر، استحضار ما يكتبه إسرائيليون، ليسوا من معسكر السلام التقليدي لمواجهة هؤلاء القادة القابعين استبداداً وفساداً على صدور الشعوب التي لا يمكن اعتبار أنها تشعر، ولو وهماً، بأنها في وضعية شعوب غير محتلة الأرض ومغتصبة الإرادة، بشكلٍ يميزها عمن هم فعلياً تحت احتلال قوى أجنبية مستعمرة وغاصبة.
وعلى هامش هذا الغبار السياسي الملوّث، يبرع بعض "قادة" الرأي من العرب، ومن في حكمهم، في السعي لإيجاد التبريرات والدفاعات والملحقات الموهومة لهذه الصفعة. وحيث أن بعضا منهم يعملون لأجرهم اليومي، بعيداً عن أية مناقبية مهنية أو وطنية، أو أن لدى الآخرين قناعة أيديولوجية تجعلهم مكتسبين لأعداء الحق، فستشهد الأزمان القريبة "تحرّر" الألسنة بشكل انفجاري، وهي التي كانت تحكي في السر أو تخجل من الإفصاح عن مواقفها "المتطرفة" حباً وإعجاباً بالواقعية السياسية الغربية. وعلماً أن لهذه الواقعية السياسية مبادئها وقواعدها، إلا أن المتسلقين من العرب يأخذون منها مجرّد المعنى التبريري لفعل خيانة القضية الأخلاقية، أو حال الانهزام أمام من هم الأقوى.
وعلى هامش الهامش، يجرؤ بعض جهابذة نظرية المؤامرة والفكر البافلوفي على اعتبار أن ما
حصل في المنطقة العربية من ثورات واحتجاجات شعبية كان سبباً في حرف النظر عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المستلبة. وبالتالي، هم سرعان ما يستخلصون بأنه ما كان ل "صفقة القرن" أن تصفع وجداننا بهذه الوقاحة، لو لم نكن منشغلين عنها بترّهات مطالبنا الحياتية وحقوقنا الإنسانية. وخلاصة القول، على ألسنة هؤلاء، إن ثورة من يحتلهم الاستبداد قد أثرّت سلباً على ثورة من يحتلهم الاستعمار. متناسين أو متغافلين عن بديهية الاستنتاج العقلاني، والتي تعتبر أن الاستبداد هو الأب الروحي غير الشرعي للاستعمار، وأنه إن حلّت الديمقراطية في الدول العربية، وخصوصاً منها التي تحيط بالمستفيد الوحيد من صفقة ترامب ـ نتنياهو، أي إسرائيل، فستتعرّض هذه الأخيرة لصفعة القرن، من خلال انعكاس إرادات الشعوب العربية الحرّة على الخيارات السياسية للحكومات التي تنبثق عن انتخابات حرّة.
كتبت صحيفة ليبراسيون الفرنسية إن ردة الفعل العربية على صفقة نتنياهو ـ ترامب يمكن تشبيهها بصمت الموتى.
وعلى هامش هذا الغبار السياسي الملوّث، يبرع بعض "قادة" الرأي من العرب، ومن في حكمهم، في السعي لإيجاد التبريرات والدفاعات والملحقات الموهومة لهذه الصفعة. وحيث أن بعضا منهم يعملون لأجرهم اليومي، بعيداً عن أية مناقبية مهنية أو وطنية، أو أن لدى الآخرين قناعة أيديولوجية تجعلهم مكتسبين لأعداء الحق، فستشهد الأزمان القريبة "تحرّر" الألسنة بشكل انفجاري، وهي التي كانت تحكي في السر أو تخجل من الإفصاح عن مواقفها "المتطرفة" حباً وإعجاباً بالواقعية السياسية الغربية. وعلماً أن لهذه الواقعية السياسية مبادئها وقواعدها، إلا أن المتسلقين من العرب يأخذون منها مجرّد المعنى التبريري لفعل خيانة القضية الأخلاقية، أو حال الانهزام أمام من هم الأقوى.
وعلى هامش الهامش، يجرؤ بعض جهابذة نظرية المؤامرة والفكر البافلوفي على اعتبار أن ما
كتبت صحيفة ليبراسيون الفرنسية إن ردة الفعل العربية على صفقة نتنياهو ـ ترامب يمكن تشبيهها بصمت الموتى.