صمت أوباما تجاه التوسّع الإيراني لتشجيع اتفاق نووي؟

03 يناير 2015
نصائح لأوباما بتقويض النفوذ الإيراني (Getty)
+ الخط -

حذّر سياسيون ومحللون أميركيون من أن صمت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إزاء توسع النفوذ الإيراني في العالم العربي بوتيرة متسارعة أخيراً، لن يساعد على إقناع طهران بتوقيع الاتفاق النووي المأمول مع الغرب، بل سيعيق هذا الاتفاق.

ونصح معارضون لسياسة التقارب مع إيران، إدارة أوباما بالعمل على تقويض النفوذ الإيراني في العالم العربي ابتداء من سورية عن طريق إطاحة حليفها الرئيس بشار الأسد، قائلين إن إيران لن تُقدّم تنازلات حقيقية في الملف النووي إلا إذا كانت في موقع ضعف حقيقي وليس في وضع توسّع ونفوذ. ويعتبر عدد من هؤلاء، أن إيران باتت بمثابة "قوة احتلال" في المناطق التي تهيمن عليها قوات الأسد، وأنها أصبحت اللاعب الأقوى في الساحة اليمنية من خلال جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، ونجحت في التغلغل عسكرياً وسياسياً داخل العراق، وزادت من تفعيل دورها في لبنان، علاوة على تأثيرها المتصاعد على استقرار البحرين.

يأتي ذلك في وقت أصبحت فيه المفاوضات بخصوص المشروع النووي الإيراني المتوقع استئنافها منتصف الشهر الحالي، مثار خلاف أيديولوجي بين إدارة أوباما ومؤيدي إسرائيل في مجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ) اللذين يهيمن عليهما الجمهوريون.

ففي الوقت الذي بدأ فيه أوباما يجاهر بما يصفه بواقعية إيران وبإمكانية إعادة فتح السفارة الأميركية في طهران إذا ما نجح الاتفاق النووي، فإن مُشرّعين مؤيدين لإسرائيل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يخططون لتوجيه ضربات استباقية للاتفاق عن طريق سنّ تشريعات تقضي بفرض عقوبات جديدة على إيران.

وقال زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل، في تصريحات تلفزيونية، إن هناك أغلبية كافية في مجلسي النواب والشيوخ لتجاوز حق النقض الذي يملكه الرئيس لمنع المصادقة على مشاريع العقوبات الجديدة المطروحة في الكونغرس.

في هذه الأثناء، توقّع المحلل السياسي والخبير في الشأن الإيراني جيفري غولدبيرغ، أن يُحجم المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي عن تقديم تنازلات تتعلق بمشروع بلاده النووي، جراء شعوره بالقوة بسبب تعاظم النفوذ الإيراني في كل من العراق وسورية واليمن والبحرين والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وكان غولدبيرغ قد رصد التغيرات التي طرأت على موقف أوباما من إيران منذ العام 2006 عندما كان يعتبرها أثناء حملته الانتخابية الأولى دولة تيوقراطية مارقة تقف أيديولوجيتها الدينية حائلاً أمام التعامل معها بأساليب سياسية عادية.

وعندما سأل غولدبيرغ الرئيس الأميركي خلال آخر مقابلة صحفية أجراها معه العام الماضي في مجلة "ذي أتلانتك" عن أيهما أكثر خطورة من وجهة نظره، التطرف السنّي أم التطرف الشيعي، عكست إجابة أوباما تغيراً ملحوظاً تجاه إيران كدولة شيعية بما قد يفسر التقارب الأميركي الإيراني الذي قد يغير معالم خارطة الشرق الأوسط. فقد قال أوباما "إن الإيرانيين لديهم استراتيجية ورؤية واضحة للعالم قائمة على المصالح، وحسابات المكسب والخسارة، وليسوا متهورين ولا انتحاريين، بل لديهم دولة كبيرة وقوية تنظر إلى نفسها كلاعب مهم على الساحة العالمية".

واستدرك الرئيس الأميركي بالقول "إن هذا لا يعني أن إيران ليست دولة تيوقراطية تحتضن أنماطاً عديدة من الأفكار التي نعتبرها بغيضة، ولكنها في نهاية المطاف ليست كوريا الشمالية، ويمكن أن تستجيب للحوافز والمغريات التي تُقدّم لها".

لكن غولدبيرغ أشار إلى أن الصورة التي يحملها أوباما في ذهنه لإيران تختلف عن الصورة لدى خامنئي، وعن تلك التي يحملها في أذهانهم المؤيدون لإسرائيل في واشنطن، أي تلك الدولة العقائدية التي لن تتردد في استخدام السلاح النووي لإبادة إسرائيل في حال حصولها عليه.

ومن المفارقات أن المؤيدين لإسرائيل في واشنطن، يتفقون في مخاوفهم مع مخاوف السياسيين العرب، الأمر الذي يجعل البعض يعتقد بأن التقارب الإيراني الأميركي قد يخلق نوعاً من التحالف العربي الإسرائيلي لمواجهة أخطار مشتركة قد تترتب على توقيع اتفاق بين الغرب وإيران بشأن المشروع النووي الإيراني.

وكان سياسيون ودبلوماسيون عرب قد حذروا في مناسبات عدة من مخططات إيرانية لتقسيم السعودية وإعلان إمارات شيعية مستقلة جنوب وشرق المملكة. وكتب السياسي اليمني عباس الضالعي في هذا السياق عن وجود معسكرات تدريب لعناصر سعودية في مناطق يمنية تسيطر عليها جماعة الحوثي، بإشراف قيادات من الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" اللبناني.

من المفارقات أيضاً أنه عندما تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) فجأة واجتاح محافظات عراقية شاسعة في منتصف العام الماضي، أُصيب أوباما بالرعب واستنفر كل طاقاته لمنع التنظيم من الاقتراب من العاصمة بغداد ومن مدينة أربيل الشمالية.

وبعدها بأسابيع بدأت أنباء مماثلة تتوارد من اليمن عن أن تنظيم "أنصار الله" ينافس "داعش" بقوة في سرعة تمدده، إلى أن قضم عدة محافظات في شمال اليمن كان آخرها العاصمة صنعاء، ولم يحرك أوباما ساكناً حيال هذا الخطر. واستمر الحوثي في تقدمه إلى أن استولى على مفاصل السلطة التي يديرها حليف أوباما الوثيق في اليمن الرئيس عبدربه منصور هادي، ومع ذلك اكتفت الإدارة الأميركية بإصدار البيانات المنددة المستنكرة لهذا التمدد على استحياء.

ومن القناعات التي يردّدها المعلّقون في المحطات التلفزيونية الأميركية، زاعمين أن أوباما يتبناها، هي أن "الإرهاب الحقيقي" من وجهة نظره سنّي وليس شيعياً، وهي قناعة سائدة بين كثير من المثقفين الأميركيين. ولا يُستبعد أن يكون أوباما مقتنعاً بها من خلال ما يُقدّم له من تحليلات.

لكن هناك من ينصح أوباما على الدوام بالعمل على عزل إيران عن جوارها والحد من عملائها. ومن بين هؤلاء دينيس روس الذي شغل منصب المساعد الخاص لأوباما بين عامي 2009 و2011، والذي يرى أن عزل إيران يتطلب من الولايات المتحدة التدخل في الأزمات العديدة التي تشهدها المنطقة. ويعتبر أنه من الضروري أن يظهر أوباما لإيران أن ثمن دعم الأسد سيرتفع.

ومثل جميع المؤيدين لإسرائيل في واشنطن، يشدد روس على أن الشراكة الأميركية الوثيقة مع إسرائيل يجب أن تظل هي جوهر نظام التحالف الأميركي في الشرق الأوسط، ويجب ألا تُظهر الولايات المتحدة حاجتها إلى صفقة مع إيران أكثر من حاجة طهران إليها.

المساهمون