تشير الصور القديمة إلى ازدهار صناعة "البلاليص" الفخارية في صعيد مصر، ورواج تجارتها حتى منتصف القرن العشرين، والبلاص إناء فخاري بدائي، كبير الحجم نسبياً، يسع لحوالي 20 لتراً من الماء، يمتلك يدين لحمله، ورقبة صغيرة، مساحة فتحتها، تسمح بمرور اليد بداخلها. كانت السفن تنطلق بصورة منتظمة من النيل، من قنا، باتجاه الشمال للقاهرة والإسكندرية، أو باتجاه الجنوب نحو السودان لنقل المنتج وبيعه. حيث كان البلاص شيئاً رئيسياً في كلّ بيتٍ مصري، يوضع فيه الجبن القديم و"المِش"، وأحياناً يوضع فيه العسل الأسود.
كما كان يستخدم البلاص في نقل المياه إلى البيوت من الأنهار والترع، قبل إنشاء شبكة المياه الواصلة للبيوت، حيث كان مشهد حمل النساء لتلك الأواني الفخارية مشهداً مألوفاً، وقد اعتادت المرأة المصرية أن تضع البلاص على رأسها وتسير باتزان رغم حمله الثقيل المتحرك. حيث تستطيع المرأة المصرية أن تحقق لحظة التوازن أثناء حمل البلاص. والريس متقال، المغني التراثي، له أغنية شهيرة يتغزل فيها بالفتاة الفلاحة عنوانها: "يا حلوة يا شايلة البلاص". ويوجد طابع بريد مصري، يعود لسنة 1930 يصور مركباً نيلياً وهو يحمل بلاليص.
وتشتهرُ بعض بلدان محافظة قنا بصعيد مصر بهذه الصناعة، مثل قرية الطويرات، وقرية المحروسة، التي كان يطلق عليها اسم "كفر البلاص"، نسبة لهذه الصناعة. وتنتج القرية الواحدة هذه الأيام حوالي 30 ألف بلاص سنوياً. وكان الإنتاج سابقاً أضعاف ذلك، ولكن، مع تقدم التكنولوجيا وظهور بدائل كثيرة، قلّت صناعة البلاليص، وأصبحت هذه المهنة مهدّدة بالاندثار. تركزت هذه الصناعة بقنا بسبب وفرة الخامات من طمي النيل، أو من "الطَّفْلة" التي يؤتى بها من جبال البر الغربي. وهي مهنة صيفية، حيث تترك "الطَّفْلة" في الشمس لمدة أربعة شهور، بدءاً من شهر ديسمبر/ كانون الأوّل، حتى تتخلص "الطفلة" من الجير العالق بها. حيث يبدأ التصنيع بتلك الخامات المجلوبة، مع منتصف شهر مارس/ آذار، ويستمر حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأوّل. مع بداية العمل، تتمُّ صناعة العجينة وتخميرها، بإضافة الماء إليها، وتركها لمدَّةِ يومين، ثم إعادة عجنها وتقليبها يدويّاً أو بواسطة الماشية، بعدها، يُصنَع منها عمودٌ طيني داخل تابوت، كي يسهِل تقطيعه أثناء العمل.
اقــرأ أيضاً
رقبة البلاص و"الآذان"، كما يتمّ تسميتها، هي أول ما يتم تصنيعه، وتضاف إلى جسد البلاص بعد ثلاثة أيام من تصنيعها. أهم أدوات الحرفة تتمثّل في حجر التصنيع، الذي يقوم الصانع بلفه بين يديه، لتشكيل مخلوط الطين كما يشاء. يترك البلاص للتهوية والشمس لمدة 15 يوماً، قبل أن يتم إدخاله إلى المسلقة، أي الفرن، حيث توضع البلاليص بشكل مقلوب حتى تدخل النار في جوفها، وتبقى في الفرن لمدة 5 ساعات، والنار المستخدمة تكون من ناتج إشعال البوص. ثم بعد ذلك، يتم رصها وتجهيزها للتسويق. حيث تبقِي بعض العادات التجارية والغذائية المتوطنة في الصعيد، مثل تجارة عسل القصب، واهتمام الأهالي بصناعة الجبن القديم، هذه الحرفة على قيد الحياة حتى الآن.
كما كان يستخدم البلاص في نقل المياه إلى البيوت من الأنهار والترع، قبل إنشاء شبكة المياه الواصلة للبيوت، حيث كان مشهد حمل النساء لتلك الأواني الفخارية مشهداً مألوفاً، وقد اعتادت المرأة المصرية أن تضع البلاص على رأسها وتسير باتزان رغم حمله الثقيل المتحرك. حيث تستطيع المرأة المصرية أن تحقق لحظة التوازن أثناء حمل البلاص. والريس متقال، المغني التراثي، له أغنية شهيرة يتغزل فيها بالفتاة الفلاحة عنوانها: "يا حلوة يا شايلة البلاص". ويوجد طابع بريد مصري، يعود لسنة 1930 يصور مركباً نيلياً وهو يحمل بلاليص.
وتشتهرُ بعض بلدان محافظة قنا بصعيد مصر بهذه الصناعة، مثل قرية الطويرات، وقرية المحروسة، التي كان يطلق عليها اسم "كفر البلاص"، نسبة لهذه الصناعة. وتنتج القرية الواحدة هذه الأيام حوالي 30 ألف بلاص سنوياً. وكان الإنتاج سابقاً أضعاف ذلك، ولكن، مع تقدم التكنولوجيا وظهور بدائل كثيرة، قلّت صناعة البلاليص، وأصبحت هذه المهنة مهدّدة بالاندثار. تركزت هذه الصناعة بقنا بسبب وفرة الخامات من طمي النيل، أو من "الطَّفْلة" التي يؤتى بها من جبال البر الغربي. وهي مهنة صيفية، حيث تترك "الطَّفْلة" في الشمس لمدة أربعة شهور، بدءاً من شهر ديسمبر/ كانون الأوّل، حتى تتخلص "الطفلة" من الجير العالق بها. حيث يبدأ التصنيع بتلك الخامات المجلوبة، مع منتصف شهر مارس/ آذار، ويستمر حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأوّل. مع بداية العمل، تتمُّ صناعة العجينة وتخميرها، بإضافة الماء إليها، وتركها لمدَّةِ يومين، ثم إعادة عجنها وتقليبها يدويّاً أو بواسطة الماشية، بعدها، يُصنَع منها عمودٌ طيني داخل تابوت، كي يسهِل تقطيعه أثناء العمل.
رقبة البلاص و"الآذان"، كما يتمّ تسميتها، هي أول ما يتم تصنيعه، وتضاف إلى جسد البلاص بعد ثلاثة أيام من تصنيعها. أهم أدوات الحرفة تتمثّل في حجر التصنيع، الذي يقوم الصانع بلفه بين يديه، لتشكيل مخلوط الطين كما يشاء. يترك البلاص للتهوية والشمس لمدة 15 يوماً، قبل أن يتم إدخاله إلى المسلقة، أي الفرن، حيث توضع البلاليص بشكل مقلوب حتى تدخل النار في جوفها، وتبقى في الفرن لمدة 5 ساعات، والنار المستخدمة تكون من ناتج إشعال البوص. ثم بعد ذلك، يتم رصها وتجهيزها للتسويق. حيث تبقِي بعض العادات التجارية والغذائية المتوطنة في الصعيد، مثل تجارة عسل القصب، واهتمام الأهالي بصناعة الجبن القديم، هذه الحرفة على قيد الحياة حتى الآن.