مع زيادة حدة الأزمة الاقتصادية في العراق، وتسبب وباء كورونا في توقف أعمال كثيرة وبالتالي تراجع فرص العمل، وتعثر الحكومة في دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين في موعدها، لجأت عشائر عدة إلى مساعدة أفرادها المتضررين من خلال تقديم معونات مالية.
وتعتمد هذه العشائر على ما يعرف بـ "صندوق العشيرة" الذي يدخر فيه المال من خلال جباية مبالغ تدفع بشكل شهري من قبل الأفراد التابعين لها، وتتراوح ما بين ألف و5 آلاف دينار (دولار إلى 4 دولارات)، وتذهب لأفراد العشيرة الأكثر حاجة. فإذا كان عدد أفراد العشيرة من الرجال فقط ألف شخص، فإن العائدات الشهرية في الصندوق تصل إلى 5 ملايين دينار، ويتم شهرياً اختيار الحالات الحرجة أو من الذين يعانون أوضاعاً صعبة من بين أبناء العشيرة لدفعها لهم، وتشمل المرضى واليتامى والفقراء أو الذين يواجهون مشاكل معينة تتطلب أموالا لسدادها، ويعتبرها زعماء عشائريون بأنها نظام تكافل مهم في الوقت الحالي. ويزيد هذا التكافل في مدن جنوب العراق وغربه على وجه التحديد فضلاً عن ضواحي العاصمة بغداد.
اختار سهيل نجم اللجوء إلى صندوق عشيرته لمساعدته في اجتياز ما يسميها المحنة التي يمر بها. نجم، وهو في العقد الثالث من العمر، سبق وأن دعمه أبناء عشيرته مادياً بعد تعرضه لإصابة بليغة نتيجة تفجير إرهابي وقع في بغداد عام 2008، ليتمكن من العودة إلى عمله كسائق حافلة بعد علاج استمر أكثر من ثمانية أشهر. يقول لـ "العربي الجديد" إن عمله يوفر له احتياجات أسرته، مضيفاً أن "صاحب الدار التي أسكن فيها لم يتقاض مني بدل الإيجار بسبب توقف عملي حالياً وعدم تمكني من سداد المبلغ إلى أن تنتهي أزمة كورونا وأعود إلى عملي. لكنني في حاجة إلى أن أنفق على أسرتي".
كان هذا سبب لجوء نجم إلى صندوق العشيرة الذي يديره شيخ قبيلته في بغداد، والذي تكفل بمساعدته حتى يعود إلى عمله.
واعتمد العراق إجراءات عدة للحد من تفشي فيروس كورونا تمثلت بفرض حظر تجول جزئي وشامل، وإغلاق المطارات والحدود، وإيقاف عمليات التبادل التجاري في المعابر، وإغلاق العديد من المصانع والمعامل والشركات، وتعطيل الدوام في المؤسسات الحكومية، وإغلاق الأسواق. كنتيجة، تضررت نسبة كبيرة من العراقيين شملت الموظفين الذين يحصلون على رواتبهم الشهرية حتى في حال توقف العمل في المؤسسات الحكومية لفترة طويلة.
من جهتها، تعتمد جمانة عبد اللطيف على راتب زوجها المتوفى وراتب ابنتها التي تعمل في مركز تجاري لتأمين معيشة أسرتها المكونة من سبعة أفراد. تقول لـ "العربي الجديد" إن راتب زوجها المتوفى يبلغ 500 ألف دينار (نحو 420 دولارا) وراتب ابنتها يبلغ 350 ألف دينار (نحو 293 دولارا)، ومن خلالهما تتمكن أسرتها من "العيش الكفاف". لكن تأخر الدفع كالمعتاد، وتوقف عمل المركز التجاري حيث ابنتها، جعلاها تلجأ إلى صندوق العشيرة الذي أعانها على الرغم من عدم اشتراك أسرتها بدفع الاشتراك المالي للصندوق.
وبحسب التقليد المتبع، فإن كل عشيرة في العراق تتفرع إلى فروع أصغر، و لكل فرع شيخ يدير شؤونه. وتتوزع الفروع في المحافظات والمدن. ولكل منها صندوق مالي، على الأفراد العائدين لهذا الفرع دعمه بمبلغ من المال، ما يمكّن من مساعدة أفراد الفرع عند الحاجة.
يقول أحمد العبيدي، وهو شيخ أحد فروع قبيلة العبيد واسعة الانتشار في العراق، إن "بعض العائلات الفقيرة لا تتمكن من سداد الاشتراكات في صندوق العشيرة، لكن هذا لا يعني أن نتخلى عنها كونها من أبناء عمومتنا". يضيف لـ "العربي الجديد": "أزمة فيروس كورونا صعبة جداً وتسببت بضرر كبير شمل عائلات كثيرة". ويوضح: "لجأت إلى الميسورين من أبناء قبيلتنا لدعم صندوق العشيرة بمبالغ إضافية من المال. وبفضلهم، ما زلنا نعين عائلات من قبيلتنا تضررت بفعل الأزمة الحالية".
وتسببت أزمة فيروس كورونا في ارتفاع نسبة الفقر في العراق، الأمر الذي أكده وزير التخطيط العراقي خالد بتال النجم في بيان سابق خلال شهر يوليو/ تموز الماضي.
ويلفت بتال النجم إلى أن "نسبة الفقر ارتفعت إلى 31.7 في المائة، علماً أنها كانت 20 في المائة في عام 2018"، بسبب تداعيات كورونا، موضحاً أن تداعيات الفيروس ساهمت في إفقار 1.4 مليون عراقي جديد يضافون إلى عدد الفقراء البالغ 10 ملايين شخص، علماً أن عدد العراقيين يقدر بنحو 37 مليون نسمة. وقال إن "عدد الفقراء بموجب هذا الارتفاع بلغ 11 مليوناً و400 ألف شخص، بعدما كان قبل الأزمة نحو 10 ملايين فرد".
علاوة على ذلك، فإن الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت، توقعت أن تتضاعف معدلات الفقر في العراق إلى 40 في المائة من عدد السكان مقارنة بـ 20 في المائة كانت مسجلة خلال السنوات الأخيرة.
أضافت: "من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد العراقي بنسبة 9.7 في المائة في عام 2020، مع ارتفاع معدلات الفقر إلى نحو 40 في المائة في عام 2020".
ومع ارتفاع عدد الفقراء والتوقعات بارتفاع العدد بشكل كبير، يرى شيوخ قبائل، ومن بينهم الشيخ عبد العظيم الكربولي، أن "صندوق العشيرة" لن يتمكن من سد احتياجات العائلات في حال استمرت تداعيات أزمة كورونا. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن "تقاسم المصاريف والمسكن ربما سيكون الخطوة المقبلة التي ستتخذها القبائل لمساعدة أفرادها، كما فعلت مع العائلات التي هربت من جحيم داعش خلال السنوات السابقة".