فبعد الذي جادت به، هيئات ومراكز بحثية إقليمية ودولية، عن تقدير خسائر الحرب، رغم استحالة التقدير والتقصي واستمرار الخراب، وما ألمحت إليه من تكاليف إعادة الإعمار، جاء إعلان صندوق النقد الدولي، الجمعة الفائتة، عن أن عودة الاقتصاد السوري إلى ما كان عليه قبل الثورة، يحتاج إلى عشرين عاماً على الأقل.
ولم يتوان الصندوق، وفق إعلانه الخيري الذي لا يشوبه الشك من يمينه أو يساره، عن تقدير انكماش الاقتصاد السوري بنحو 55% وتوقعاته بنسبة نمو بنحو 4،5% سنوياً، بعد انتهاء الحرب.
وليكتمل ربما البعد الغائي لتقرير صندوق النقد، تم تطعيمه بجانب إنساني، فأعربت كريستين لاغارد رئيسة الصندوق عن صدمتها من نتائج الأزمة على الاقتصاد السوري بالقول "الأرقام صادمة.. الصراعات تترك بصمات عميقة على الاقتصادات".
قصارى القول: من التجني ربما، تحميل صندوق النقد الدولي، أي مسؤولية عما جرى للاقتصاد السوري، من تدمير وسرقة ورهن لشركاء الأسد بالحرب، أو حتى اكتفائه بمراقبة نسب الفقر والبطالة وتهاوي سعر صرف الليرة مقابل الدولار التي فقدت أكثر من ألف بالمئة من قيمتها خلال الثورة، رغم أن هذا بصلب عمله.
بيد أن الغرابة في طرح صندوق النقد الدولي، وخاصة بتقديراته لنسب النمو المتوقعة بعد توقف الحرب "4.5%" وهي نسبة لا تحققها الاقتصادات الكبرى بواقع ما يعيشه العالم من تراجع وتباطؤ نمو، وكأن هذه النسبة أقرب للطعم والتبرير اللاحق للإقراض، حتى وإن بقي الأسد على رأس الحكم، دون حتى الإشارة إلى أسباب الخسائر ومسببها.
نهاية القول: لا يمكن اعتبار ما تصدره المراكز البحثية والمنظمات الأممية، حول خسائر الحرب بسورية أو تكاليف إعادة الإعمار، مصادفة، وخاصة أن الحرب لم تنته بعد، كما آفاق انتهائها حالكة الظلام، بواقع الخلاف بين الأوصياء بموسكو وواشنطن، بل يمكن اعتبار ذلك نغماً ضمن السيمفونية العامة التي يعزفها "الكبار" حول سورية، سواء من شرط موسكو تخلي المعارضة عن شرط إسقاط الأسد، أو تهديد واشنطن بعدم بقاء سورية موحدة إن فشلت الهدنة، ما يأخذ المؤسسات المالية والبحثية إلى ملاعب دولها أو لأهداف الأعضاء الـ24 بصندوق النقد.
ولعل الأجدى، اقتصادياً وإنسانياً، من تخمة ذواكرنا بنسب وأرقام أقرب للتنجيم منها للواقع، أن نقرأ ونسمع ونلمس، عن مساعي تلك المنظمات والدول لتحسين ظروف المعيشة وانتشال السوريين بالمناطق المحررة أو بالمهاجر ومخيمات اللجوء، فإن لا يمكن لتلك المنظمات منح القروض، فعلى الأقل تلتزم بتعهداتها خلال المؤتمرات المانحة التي لم تتعد الورق وخطابات المنابر، بدل من أن تجنح عن مهامها الاقتصادية والاجتماعية وتصطف إلى جانب السياسة.