وشهدت صنعاء، اليوم الاثنين، فعالية نظمتها السلطات المحلية بأمانة العاصمة، بحضور حشدٍ من المسؤولين الموالين لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وأقارب وأهالي المتضررين من المجزرة الكبرى، والذين حضروا لاستذكار الواقعة الأليمة على مستوى اليمن ككل وبالنسبة لصنعاء على وجه خاص، حيث رفع المشاركون صوراً للضحايا على مداخل "القاعة الكبرى"، بالإضافة إلى لافتات تستنكر المجزرة وتدعو لمحاسبة المسؤولين عن جريمة استهداف مجلس العزاء في الموقع نفسه بغارات جوية، في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2016، إلى جانب انتقادات مباشرة للصمت الدولي الذي يرون أنه شجع التحالف على مواصلة المجازر في البلاد.
ومن أبرز المشاركين في فعالية إحياء الذكرى الثانية، رئيس الوزراء في الحكومة التابعة للحوثيين، عبد العزيز بن حبتور، ونائبه لشؤون الأمن، وزير الداخلية (السابق)، جلال الرويشان، والذي كان يستضيف المئات من المعزين في "القاعة" بمناسبة اجتماعية أعلن عن موعدها ومكان انعقادها سلفاً قبل عامين، قبل أن يتحول العشرات منهم إلى أشلاء، فضلاً عن مئات المصابين، بما في ذلك عدد غير قليل من أقاربه المتحدرين من منطقة خولان، جنوب صنعاء.
وكما هو الحال بالنسبة للكثير من اليمنيين، فإن العديد من أقارب الضحايا الذين تحدثت إليهم "العربي الجديد"، يعبرون عن الشعور بالخذلان نتيجة لمرور عامين دون أن تكون هناك خطوات فعلية بمعاقبة "القتلة" المسؤولين عن الجريمة، وحتى على مستوى غياب التعويضات، التي يمكن أن تساهم في تخفيف المأساة عن أسرٍ فقدت معيليها، فضلاً عما آلت إليه البلاد باستمرار الحرب، والتي تفاقمت معها الكارثة الإنسانية وجعلت من جريمة قصف "الصالة الكبرى" واقعة كغيرها من المجازر التي تلقى أصداءً آنية، دون أن تكون كفيلة بإحداث تغيير محوري يؤدي إلى إيقاف الحرب ومحاسبة المتورطين.
وعلى الرغم من ذلك، فإن أبرز ما يميز الذكرى الثانية للمجزرة، أنها تأتي بعد الجدل الكبير الذي رافق انعقاد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، في سبتمبر/أيلول الماضي، والذي أسفر عن إقرار مشروع أوروبي باستمرار عمل فريق الخبراء المعني بالانتهاكات في اليمن، بعدما سعت الرياض وأبوظبي ومعها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، إلى الحيلولة دون استمرار عمل الفريق بكافة الطرق.
وكان الفريق قد حقق تقدماً نسبياً من خلال تقريره السنوي الذي سلمه لمفوض حقوق الإنسان في الـ28 من أغسطس/آب الماضي، وشمل مضامين وجهت إدانات مباشرة للتحالف بارتكاب انتهاكات واسعة، بعضها يرقى إلى جرائم حرب، وأرفق بالتقرير مجموعة من الأسماء المسؤولة عن الحرب على مستوى اليمن والتحالف، بمن فيهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وحليفه ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، على نحوٍ يمكن أن يسهل أو يرسل إشارات بإمكانية ملاحقة المتهمين بالتورط بالجرائم في المحاكم الدولية.
وتطرق التقرير بصورة خاصة، إلى قصف "القاعة الكبرى"، حيث أفاد بأن فريق الخبراء زار موقع الحادثة واجتمع بناجين وأقرباء ضحايا الغارتين اللتين استهدفتا مجلس عزاء وزير الداخلية السابق، وقال إن الضربات أسفرت عن سقوط 137 قتيلاً على الأقل وجرح 671 رجلاً و24 طفلاً.
وأوضح أنه "لحظة وقوع الهجوم، كانت القاعة الكبرى، وهي أكبر صالة في صنعاء، مليئة بالمُعزين، علمًا أنها تتسع لحوالي ألف شخص، وعلى الرغم من أن بين الحضور قادة سياسيون وعسكريون موالون للحوثيين وللرئيس السابق علي عبدالله صالح، إلا أن الأغلبية الساحقة كانت من المدنيين".
وقال الفريق إنه بناءً على الظروف بما في ذلك الإعلان المسبق والعلني عن طبيعة هذا العزاء إلى جانب توقيت الضربة، كان من المفترض أن يكون المعنيون في التحالف مدركين لخطر وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين جراء هذه الضربة، وبالتالي فإن الأثر غير التناسبي على المدنيين والذي يفوق أي ميزة عسكرية مكتسبة من هذه الضربة كان قابلاً للتوقع. مؤكداً أنه "ما من أدلةٍ تشير إلى أن التحالف اتخذ أي تدابير وقائية لمنع أو تقليص عدد الضحايا المدنيين أو الحد من الضرر".
الجدير بالذكر أن مجزرة "القاعة الكبرى" لا تكتسب أهميتها من كونها الأكبر خلال الحرب في اليمن فحسب، بل كذلك لرمزيتها الاجتماعية وبوصفها استهدفت عزاءً تحضره شخصيات مدنية وسياسية وعسكرية واجتماعية، كان أبرزها في قائمة الضحايا محافظ العاصمة عبدالقادر علي هلال، الذي عُرف كوسيط يتمتع بقبول لدى مختلف الأطراف، بالإضافة إلى قائد قوات الاحتياط (الحرس الجمهوري سابقاً)، اللواء علي الجايفي، وهو أحد الشخصيات المحورية سابقاً في الجيش اليمني، وحتى على مستوى الحكومة الشرعية، فقد تقدمت بالتعزية لسقوط قتلى ممن اعتبرتهم مؤيدين لـ"الشرعية" كانوا يشاركون في العزاء.
وعقب المجزرة، سعى التحالف إلى إلقاء المسؤولية على "جهة" في قيادة الجيش اليمني الموالية للشرعية، قدمت معلومات خاطئة عن وجود قيادات من الحوثيين، كما سعى إلى الإيهام بأن الطائرة لم تقلع حسب الإجراءات المتبعة، إلا أن جميع الروايات التي قدمها كانت أضعف من أن تبرر المجزرة البشعة باستهداف مجلس عزاء يحضره المئات.
لكن الأهم من ذلك هو أن الواقعة، التي كان من المفترض أن تغير مسار الحرب، أخذت أسابيع من ردود الفعل، لتستمر المجازر التي لم تستثن الأسواق الشعبية ومجالس العزاء وحفلات الزفاف، كان أحدثها في الأشهر الأخيرة، استهداف حافلة تقل عشرات الأطفال في صعدة في أغسطس/آب الماضي.