يبدو أن الصواريخ البالستية لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، في اليمن، تشكّل ملامح مرحلة جديدة في الحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات، مع تكرار إطلاق الجماعة صواريخ باتجاه السعودية، فيما تتجه أصابع الاتهام الخاصة بالتحالف نحو محافظة صعدة اليمنية، معقل الحوثيين، بوصفها المحافظة التي تخزّن أسرار الجماعة العسكرية، وتبدو عصيّة على الاختراق.
وبالتزامن مع مغادرة المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، العاصمة صنعاء، أمس السبت، أطلق الحوثيون صاروخاً بالستياً هو التاسع خلال أقلّ من أسبوع. وهو رقم قياسي غير مسبوق بالنسبة إلى الجماعة، يشير إلى تطور نوّعي لترسانة الجماعة الصاروخية التي تهدد من خلالها السعودية، ما يتناقض مع مؤشرات الجهود الدولية الحثيثة التي تسعى لاستئناف مفاوضات السلام، في الجولة الأولى للمبعوث الأممي إلى البلاد أخيراً.
ووفقاً لوسائل الإعلام الرسمية التابعة للحوثيين، فإن "أغلب الصواريخ التي انطلقت خلال الأيام، تنتمي إلى المنظومة البالستية الجديدة"، المعلن عنها حديثاً، تحت مسمّى "بدر 1"، وهي منظومة تُطلق من منصات متحرّكة. وركّزت من خلالها الجماعة على المدن السعودية، إذ أطلقت، حسبما كشفت مصادر قريبة من الجماعة لـ"العربي الجديد"، ستة صواريخ على الأقل في أقل من عشرة أيام، بينها صاروخان استهدفا منشأتين تابعتين لشركة "أرامكو السعودية" في كلٍ من منطقتي نجران وجيزان الحدوديتين في 22 مارس/آذار و29 منه على التوالي، بالإضافة إلى ثلاثة صواريخ على الأقل استهدفت مطاري نجران وجيزان مساء 25 من الشهر الماضي، وصاروخ أطلقته الجماعة أمس، وقالت إنه "استهدف معسكراً لقوات الحرس الوطني السعودي"، فيما ذكر التحالف أنه "تم إطلاقه بطريقة عشوائية وعبثية باتجاه نجران، لاستهداف المناطق المدنية والآهلة بالسكان".
وفي وقت كان التحالف يعلن في العادة عن التصدي للصواريخ الحوثية وإسقاطها بدون أضرار، بالإضافة إلى تدمير منصاتها في الأراضي اليمنية، بواسطة المقاتلات الحربية التابعة للتحالف، إلا أن الأضرار التي خلّفتها الصواريخ كانت لافتة، وآخرها صاروخ نجران، الذي تساقطت شظاياه في أحد أحياء المدينة، وأصيب مقيم هندي بجروح. ومثل ذلك الصاروخ الذي استهدف الرياض قبل أيام، ولم يعلن التحالف عن تدمير منصته. ما يشير إلى تطور لدى الجماعة، بإخفاء المنصات التي تطلق منها الصواريخ باتجاه السعودية.
ويظهر العدد الكبير من الصواريخ المُطلقة، مقارنة بما كان عليه الحال خلال الثلاث السنوات الماضية، أن الحوثيين، على الرغم من الحرب والقصف الجوي المستمر الذي يستهدف المواقع العسكرية الافتراضية لهم، والحصار الذي يفرضه التحالف وآليات الرقابة حول الوارادت إلى البلاد، تمكنوا من إيصال رسائل مفادها بأنهم طوّروا قدراتهم العسكرية في شأن الصواريخ البالستية التي استهدفت السعودية على الأقل.
في المقابل، فإن التحالف يبدو مستفيداً هو الآخر من الصواريخ التي يطلقها الحوثيون، لإثبات أن الجماعة الحوثية التي يحاربها، ويتهم إيران بدعمها، تهدّد بالفعل المدن السعودية، وبأن الصواريخ المتكررة تعزّز الاتهامات الموجهة إلى إيران، سواء بتهريب صواريخ بالستية أو تقديم قدرات نوعية للحوثيين، تمكّنهم من تطوير صواريخ بالستية بتقنيات إيرانية.
في غضون ذلك، ترسم التطورات ملامح مرحلة جديدة، إذ من المرجّح أن التصعيد بهذه الوتيرة غير المسبوقة من قبل الحوثيين لن يمر بدون رد بتصعيد عسكري من قبل التحالف، بالاستفادة من التصعيد المقابل من الحوثيين. وهو ما بدت معالمه واضحة من خلال تركيز المتحدث باسم التحالف العقيد تركي المالكي على الحديث عن مدينة صعدة، شمالي البلاد، معقل الحوثيين العسكري الحصين، كأبرز محافظة يمنية أُطلقت منها الصواريخ باتجاه السعودية، ما دفع التحالف إلى تكرار الضربات الجوية بوتيرة يومية عليها.