ومن دون أن تكون لأي من خامنئي أو الصدر أو سليماني وغيرهم كلمات في مراسم "عاشوراء"، الذي نظمه مكتب خامنئي ليلة أمس الثلاثاء، يمكن البناء عليها في التحليل، وبغض النظر عن تلك الآراء الإيرانية، إلا أن الصور المنتشرة بحد ذاتها معبرة وتحتوي على دلالات لافتة في توقيتها وعمقها، أرادت طهران من خلالها إرسال رسائل عدة باتجاهات متعددة، عراقياً وإقليمياً ودولياً.
وعُرف الصدر خلال السنوات الأخيرة بمواقف منتقدة لإيران، ولم يتوان أنصاره عن النزول إلى الشوارع عدة مرات للهتاف ضدها، وأراد الرجل أن يصور نفسه في أذهان العراقيين على أنه عراقي الهوية وأن حاضنته عربية، وعليه، اشتبك مع الإيرانيين في العراق في مواقف سياسية عدة، وخصوصاً في موضوع تشكيل الحكومات، وبالذات الحكومة الأخيرة، كما أنه من أنصار علاقات إقليمية متوازنة للعراق، وإبعاده عن لعبة المحاور، لكنه وفي حين زار السعودية في يوليو/تموز 2017 وألتقى مع ولي عهدها محمد بن سلمان، لم يقم بمثلها لإيران.
ومن هنا، اكتسبت صور لقاء مقتدى الصدر بخامنئي وسليماني، تلك الأهمية الكبيرة في الإعلام الإيراني خلال الساعات الماضية.
وسبق أن زار الصدر إيران لأسباب عائلية أو دينية خلال السنوات الماضية، وعادة تشكل مدينة قم الدينية وجهة زياراته، لكنه ابتعد خلال تلك الزيارات عن إجراء أي لقاءات رسمية أو الظهور إلى جانب المسؤولين الإيرانيين في لقاءات عامة، إلا أنه كسر هذا الحاجز خلال زيارته الأخيرة، الأمر الذي يثير تساؤلات قوية حول سبب اختيار الرجل هذا التوقيت لمثل هذه اللقاءات، التي هي الأولى من نوعها، سواء كانت عامة معلنة أو خاصة سرية، وكذلك مضامينها السياسية والرسائل التي أراد الجانب الإيراني، إرسالها.
ولم يدل زعيم التيار الصدري أو المقربين منه بعد بأي تصريح حول أسباب ظهوره إلى جانب خامنئي وسليماني في صورة، لكن هذا اللقاء يأتي في خضم تصاعد التوتر بين إيران وكل من أميركا ودولة الكيان الصهيوني من جهة، وتزايد الهجمات الإسرائيلية على مواقع في العراق من جهة ثانية.
وفي هذا السياق، وفيما ذهب بعض الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي الإيرانية، بعيدا في تفسير دلالات ظهور الصدر إلى جانب خامنئي وسليماني، معتبرين أنه انضم إلى الحلف الإيراني في العراق، إلا أن تحليلات إيرانية قللت من أهمية هذا الرأي، قائلة إن الصدر لا يمكن أن يضحي بموقعه في العراق، والذي حصل عليه بسبب استقلاله عن إيران، وإن اشترك معها في مناهضة الولايات المتحدة الأميركية.
وفي العراق، اُعتبر هذا الظهور، بمثابة رسائل متعددة الاتجاهات للداخل العراقي وتحديدا لخصوم مقتدى الصدر كنوري المالكي وقيس الخزعلي وقيادات بفصائل عراقية مسلحة مرتبطة بإيران، أبرزها كتائب حزب الله والنجباء، وأخرى نحو الخليج العربي، حيث راهنت السعودية والإمارات في وقت سابق على سحب الصدر أو ترطيب العلاقة معه.
وبحسب مسؤول مقرب من مكتب الصدر في مدينة النجف فإن زيارة الصدر إلى إيران كانت معدة مسبقاً وغادر الجمعة الماضية وزار قم ليومين قبل أن ينتقل إلى طهران، مؤكدا في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الصدر لبى دعوة خامنئي لحضور مجلس العزاء، ووجود قاسم سليماني هناك لا يحمل أي دلالة.
إلا أن عضواً في البرلمان العراقي ببغداد قال لـ"العربي الجديد"، إن الزيارة سواء كانت معدة أو مخططا لها أم لا، فهي تعني الكثير للداخل العراقي"، مضيفا "أنها رسالة نفي الحديث السابق الذي دام لأكثر من عام حول علاقة سيئة بين مقتدى الصدر وخامنئي بسبب العراق مع حراك تشكيل الحكومة الحالية برئاسة عادل عبد المهدي".
وتابع "يجب الاعتراف بأن الصور أزعجت الفريق المحسوب على إيران في العراق من الذين يتقاطعون مع مقتدى الصدر بملفات سياسية عديدة أبرزهم نوري المالكي وقيس الخزعلي وهادي العامري وأكرم الكعبي وأبو مهدي المهندس وآخرون من الساسة وقادة الفصائل المسلحة، وقد تكون بداية حدوث تغيير داخل خارطة القوى السياسية والمسلحة داخل العراق".
واعتبر أن "لقاء الصدر بخامنئي إضافة الى قاسم سليماني في مجلس خاص لا يدخله إلا المقربون من خامنئي ويعتبر داخل الوسط السياسي الإيراني تشريفا لمن يحضره بل ويحصل حاضره على حصانة أو مكانة كبيرة إشارة إلى فشل السياسة السعودية والاماراتية حيث راهنت خلال العامين الماضيين على سحب مقتدى الصدر واتباعه ودفعه إلى مزيد من المواقف الرافضة لإيران"، وفقا لقوله.
بالمقابل، اعتبر الناشط السياسي المعارض غيث التميمي ظهور الصدر مع خامنئي وسليماني تراجعا عن مواقفه السابقة، معبرا عن أسفه لذلك، مضيفا في تغريدة على تويتر "من يجلس تحت أقدام الرهبر (في إشارة إلى خامنئي) لا يمكنه أن يكون تاجا على رؤوس العراقيين".
ورد عضو البرلمان العراقي فائق الشيخ علي على التميمي بالقول إن مقتدى الصدر لا يجلس عند أقدام أحد لأنه صدر، مضيفا في تغريدة مماثلة على تويتر "أنا وأنت والناس كلهم رأوا السيد الخامنئي منذ 40 سنة يجلس على كرسي بسبب إصابته، فلا تحمل الأمور ما لا تطيق". وأضاف "لكن قل للصدر أن يقول لخامنئي آمر سليماني بأن لا يتدخل في شؤون العراق".
وعرف الصدر وأتباع التيار الصدري خلال الفترة الأخيرة بمواقف مناهضة للنفوذ الإيراني في العراق حتى أنهم أطلقوا في التظاهرات التي اندلعت بمدن جنوبية عدة وبغداد وعرفت بتظاهرات الإصلاح شعارات مناوئة لإيران منها "إيران برة برة بغداد تبقى حرة".
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي هي الأخرى وجهات نظر متباينة بشأن صورة الصدر مع خامنئي وسليماني. وانتقد الناشط منصور منصور ظهور الصدر في صورة واحدة مع خامنئي وسليماني على الرغم من الخلافات السابقة بينهما، مضيفا في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "الصدر وسليماني وخامنئي مجتمعان اليوم، وباجر (غدا) واحد يسب الآخر".
Facebook Post |
أما الإعلامي حسين لفتة فقال ساخرا على صفحته على فيسبوك "مجلس حسيني لا أكثر ولا اقل".
Facebook Post |
إلا أن الصحافي العراقي سرمد الطائي نظر إلى الصورة من جانب آخر، مؤكدا على صفحته في "فيسبوك"، أن مقتدى الصدر كان ممثلا للقوى الوطنية العراقية في وكر الذئاب.
وتابع "لم أشعر من آل الصدر بالخذلان منذ سنوات طويلة ولن أشعر"، مضيفا "هي رسالة في وكر الذئاب بإبعاد الحناتيش والعطاطير عن الفخر الوطني العراقي، في وكر الذئب يجب أن يسمعوا كلام جميع العراقيين عبر ممثل آل الصدر الكرام المقامر معنا، والمؤتمن عند رهانات الدم والتاريخ".
Facebook Post |