صورة الصفحة الشخصية: نرجسيّة أم وجود قائم بالآخر؟ (2–2)

26 ابريل 2017
"وجه جدلي"، عمل رقمي لـ مينا دي لا أو
+ الخط -

الشاشة هي سطح مضيء مفتوح على العالم، ومن خلالها يُعرَض خيالنا الشخصي كما لو على سطح الماء. في هذه الفتحة، يبدو أن انعكاس الذات ينغلق على صورتنا الشخصية، كما كان نرسيس Narcisse تائهًا في هاوية انعكاسه. فالهاوية هي هذا الفضاء الحدوديّ حيث يتسيّد العدم.

في المجال المرئي، يتعلق الأمر بصورة داخل صورة، باستنساخ ينتهي به الأمر إلى الاختفاء. الشاشة تدفع الصور بعيدًا في الشبكة الرقمية حيث تغيب حاسة اللمس، فلا يُمكن القبض على الصور، ومع ذلك فهي مرئية وظاهرة أمامنا وأمام الجميع.

الفوتوغرافيا أداة لإدراك جسدنا وفهمه جيدًا، وبعيدًا عن مواجهة الذات، فإن الأمر يتعلق هنا بالعلاقة مع الآخر ومع العالم. وفقًا لِسرج تيسيرون، فكلّما اعتمد الشخص النرجسي على انعكاسه الشخصي، تحرّر من الجماعة.

رغم ذلك، فإن كثرة البورتريهات المنتشرة على الإنترنت لا تدل حصرًا على حُب لصورتنا الشخصية، بل هي تشكّل دليلًا على وجودنا، رآه الآخر وصدّق عليه. بعبارةِ أخرى، فإن أخذ الصور بشكل جنوني قد يدل على نقص نريد تعويضه.


هوية قائمة بالآخر
يصوّر البورتريه أو البورتريه الذاتي بشكل عام الوجه. ووفقًا لِفكر لإيمانويل ليفيناس، فإن ذلك الجزء من الجسم، أيّ الوجه، هو مظهر الكائن الذي يسمح لكلّ منّا من أن يتعرّف عليه الآخرون. وهو أيضًا ذلك الجزء الذي تُعقَد فيه العلاقة مع الآخر وتُقام. أن نقدّم صورة صفحتنا الشخصية، يعني أن نذهب للقاء الآخر، وأن نقبل نظرته. الآن أصبحت هويتنا المكشوفة في انتظار التصديق من الآخر، ويمكن أن نلحظ هذه الظاهرة بوضوح في فكرة "الإعجابات Likes" والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.

بعد نَشر الصورة، يأتي انتظار تجلّي نظرة الآخر. إن الاتصال مع الذات قد تجاوزته الحاجة إلى تقديم الذات، أو بمعنى أصح تخيّل الذات. تُثبت الفوتوغرافيا الوجود والحدث، ونظرة الآخر وردّة فعله تأتيان لتأكيد ذلك.

يختلط مفهوما الزمان والمكان مع كل هذا الكمّ الهائل من الصور التي تُدفع يوميًا إلى شبكة الإنترنت، ولا سيّما إذا عرفنا أن أكثر من ألفي صورة في الثانية تُنشَر على وسائل التواصل الاجتماعي.

اليوم، أصبح كُل شيء قابلا للتصوير، أصبح اليوم العادي بكل بساطته يُصوّر باستمرار من دون توقف. وبدلًا من العري الذي تحظره منصات الإنترنت، صارت الحميميّة تعرض نفسها أكثر فأكثر. وسائل التواصل الاجتماعي ما هي إلا أداة، لأنها ستصبح خاملة وخاوية دون مستخدمي الإنترنت.

نرى في صور الصفحات الشخصية تنوعًا ضخمًا في الأشكال والحيوانات والأطفال والذكريات. بماذا يمكننا تفسير ذلك؟ أُحيل مرةً أخرى إلى سرج تيسيرون الذي يقول إن الحاجة إلى أخذ الصور ومشاركتها هو طريقة لتملّك العالم من حولنا والاستئثار به.

إن الصورة الشخصية هي أساس التفكير في شكل جديد من أشكال تمثيل الذات وتعريف الهويّة. إن تزايد عدد البورتريهات على الإنترنت يبدو أنه يعكس تشرذم الهويّة الرقمية، دون أن تتصدع الـ "أنا" رغم ذلك.

عمليًا، ليس نادرًا أن نلاحظ تعديلًا مستمرًا لصورة الصفحة الشخصية، يشمل العديد من الأوضاع والأماكن والتعابير، فالهويّة متعددة الأوجه. ما معنى هذه المظاهر للذات التي تُنشَر؟ وكيف يتعامل الفنانون مع هكذا سؤال؟ إن التحديات لكثيرة بالفعل حول الهويّة الرقمية، وبشكل أدقّ حول صور الصفحة الشخصية لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.


(المقال الأصلي)

المساهمون