نجحت زعيمة حزب المحافظين البريطاني، رئيسة الوزراء تيريزا ماي، في تقديم صورة مختلفة عنها، في كلمتها أمام المؤتمر السنوي للحزب، على عكس حضورها في مؤتمر الحزب العام الماضي. وفي كلمتها خلال اختتام المؤتمر يوم الأربعاء الماضي، والتي حددت فيها ملامح سياساتها الداخلية والحزبية مستقبلاً، بدت ماي واثقة من نفسها وقدّمت أداء وُصف بأنه الأفضل في مسيرتها، فقد دخلت قاعة المؤتمر راقصة على أنغام أغنية "دانسينغ كوين" لفرقة آبا السويدية، وهي التي كانت قد أثارت الجدل حول رقصاتها الروبوتية خلال جولتها الأفريقية في كينيا وجنوب أفريقيا. كما باشرت كلمتها بالإشارة إلى هفوات المؤتمر العام الماضي، عندما أصابتها نوبة سعال طوال كلمتها، وسقوط أحرف الشعار المرفوع خلف المنصة التي ألقت منها كلمتها تباعاً.
وأرادت ماي أن تقول إنها وأعضاء حكومتها قد قطعوا شوطاً طويلاً منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، إذ ركّزت على ما اعتبرته إنجازات لحكومات المحافظين منذ عام 2010، وأعلنت عن حزمة من الإصلاحات والسياسات الجديدة على المستوى الداخلي، تتماشى مع رغبتها في تصوير مستقبل بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) على أنه يتجه نحو الأفضل، وربما في مسعى منها لإقناع الحزب بإبقائها في رئاسة الوزراء حتى نهاية فترة ولايتها عام 2022.
وركزت ماي في كلمتها التي دامت ساعة من الوقت، على عدد من القضايا التي شغلت حكومتها في الأشهر الماضية، من انقسامات الحزب الداخلية، إلى التحدي الذي تواجهه من حزب العمال، ومعضلة بريكست، ومسعاها لأن تصوّره على أنه بداية لمرحلة مشرقة، وليس مصيبة ستؤدي إلى انهيار الاقتصاد البريطاني.
وعلى الرغم من أن ماي لم تذكر وزير الخارجية السابق بوريس جونسون بالاسم خلال كلمتها، إلا أن دعوتها حزبها للاصطفاف وراءها موجّهة بلا شك نحوه ونحو مؤيديه في الجناح اليميني في الحزب. وكان الخلاف بين ماي وجونسون قد وصل إلى نقطة اللاعودة بعد استقالة الأخير من وزارة الخارجية إثر طرح خطة تشيكرز للخروج من الاتحاد الأوروبي. وشنّ جونسون منذ ذلك الحين حملة شديدة اللهجة ضد سياسة ماي حيال بريكست، مقدّماً خطته الخاصة التي وصفها بالأنسب لكل من بريطانيا والاتحاد. وعلى الرغم من أن جونسون لم يدعُ مباشرة لإسقاط ماي، إلا أنها اتهمته ومعسكره بشكل غير مباشر بتقويض موقفها أمام الاتحاد الأوروبي، قائلة: "هناك سبب آخر يدعونا للعمل سوية. إننا ندخل المرحلة الأصعب من المفاوضات. إذا بقينا معاً فإننا سنستطيع الحصول على الصفقة الأفضل لبريطانيا".
كما انتقدت ماي التعصب الإيديولوجي الذي يتمسك به جمهور متشددي بريكست، بقولها: "إن الناس الذين نخدمهم ليسوا مهتمين بالنقاشات حول نظريات بريكست. إن حيواتهم تعتمد على النجاح العملي". وأضافت: "ليس مفاجئاً أن نرى العديد من الأفكار المختلفة هذا الأسبوع"، في إشارة إلى المنتديات الجانبية التي نظّمها مؤيدو بريكست المشدد خلال مؤتمر الحزب، "ولكن وظيفتي كرئيسة للوزراء هي أن أقوم بما أعتقد أنه في المصلحة الوطنية".
كما وجّهت ماي جزءاً مهماً من خطابها لانتقاد حزب العمال الذي عقد مؤتمره السنوي الأسبوع الماضي. وربما تكون الاستفاضة في التعليق على سياسات العمال تماشياً مع فكرة طرحها وزير المالية فيليب هاموند في خطابه، حين قال إن الأسئلة التي يطرحها العمال ضرورية ويجب على حزبه إيجاد أجوبة لها. وربما يعود ذلك أيضاً إلى أن مؤتمر العمال في ليفربول قد ساهم في رفع شعبية زعيمه جيريمي كوربن، ودفع بماي إلى زاوية الدفاع عن نفسها وسياسات حزبها.
اقــرأ أيضاً
وسعت ماي إلى تسليط الضوء على الخلافات في صفوف العمال، قائلة إن الصفوف الأمامية للحزب، والتي وصفتها بأنها حزب كوربن، ليست بالعمال الذي عهدته بريطانيا والذي يلتزم المقاعد الخلفية. كما سعت إلى استغلال معاداة السامية التي عانى حزب العمال من تبعاتها بقولها "هل كان كليمنت أتلي، نائب ونستون تشرتشل الموثوق فيه خلال الحرب العالمية الثانية، ليقول لليهود البريطانيين إنهم لا يعرفون معنى معاداة السامية؟". وحاولت بذلك تصوير حزبها على أنه حزب معتدل وطني وسطي، لتجتذب تعاطف مؤيدي العمال المعارضين لكوربن. كما هاجمت شعار حزب العمال "من أجل الأغلبية لا الأقلية"، وحثّت حزبها على ألا يكون "حزباً للأقلية ولا حتى الأغلبية، ولكن لكل من يعمل بجد ويلتزم بالقانون".
وبينما تجنّبت ماي الحديث مطولاً عن بريكست، فإنها أسهبت في سرد إنجازاتها على الصعيد الداخلي، والسياسات التي تنوي اتخاذها بعد مارس/آذار المقبل، موعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. فقد قالت إن سياسات التقشف المحافظة منذ عام 2010 قد نجحت في تخفيف العجز الحكومي البريطاني، والذي وجّهت اللوم فيه إلى حكومات العمال السابقة. وتعهدت بأن الميزانية المقبلة للعام المالي 2019-2020 والتي ستُعلن نهاية الشهر الحالي، ستشهد انعطافة تعكس نهاية سنوات التقشف الحكومي.
وكان الاقتصاد البريطاني قد أبدى علامات تحسن في السنوات الماضية، إذ أدى التقشف لتوفير بعض الفائض المالي الذي يسمح بالإنفاق الحكومي. ونجح هاموند في إبقاء العجز المالي دون الهدف الحكومي عند 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما سيوفر فائضاً قيمته 77 مليار جنيه إسترليني (نحو 100 مليار دولار) بحلول عام 2022 في حال استمرار الأداء على وضعه الحالي. ولكن مسار مفاوضات بريكست سيتحكّم عملياً بمدى قدرة بريطانيا على الحفاظ على مكاسبها، والتي قد يقضي عليها خروجها من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق.
وبينما التزم هاموند في كلمته الحذر عند الحديث عن الإنفاق الحكومي، أبدت ماي استعداداً أكبر للالتزام بعدد من السياسات التي ستتطلب إنفاقاً حكومياً؛ فقد تعهدت ماي بتوفير 20 مليار جنيه إسترليني (26 مليار دولار) إضافية لصالح الخدمات الصحية الوطنية بحلول عام 2023، والتي ستشمل تركيزاً إضافياً على معالجة مرض السرطان وضرورة التشخيص المبكر، وهو ما يتطلّب المزيد من الفحوصات الطبية، وتجهيز المرافق الطبية بأحدث الأجهزة.
وأعلنت ماي أيضاً رفع القيود عن قدرة المجالس البلدية على الاستدانة لبناء المزيد من المنازل بهدف حل أزمة السكن في البلاد، والتي تشكّل عاملاً انتخابياً هاماً. وكانت حكومتها قد تعهدت ببناء 300 ألف منزل جديد سنوياً، على الرغم من عدم قدرتها على الوصول إلى هذا الهدف، بينما تشهد بريطانيا، خصوصاً العاصمة لندن، ارتفاعاً كبيراً في أسعار المنازل، ما يحد من قدرة المواطن العادي على امتلاكها. وقالت ماي: "إن إيجاد حل لأزمة الإسكان هو التحدي الأكبر على صعيد السياسة الداخلية لجيلنا. وليس من المنطقي منع المجالس البلدية من القيام بدورها في حل هذه الأزمة".
في المقابل، وصف جون ماكدونيل، وزير المالية في حكومة الظل العمالية، وعود ماي بالكاذبة، قائلاً: "إن مزاعم ماي بأن هذه هي نهاية التقشف ما هي إلا خدعة. لقد وعد المحافظون بذلك من قبل، وكانت خدعة حينها أيضاً. لقد قالت لنا الحكومة سابقاً إن الإنفاق في السنوات الأربع المقبلة سيعاني من المزيد من التقشف المالي. وللأسف لم يتغيّر أي شيء".
إلا أن المتحدث باسم رئيسة الوزراء أصر على التزام ماي بإنهاء التقشف في العام المقبل بغض النظر عن مصير مفاوضات بريكست. بينما شدد وزير المالية، فيليب هاموند، على أن أي عائد مالي ستوفره بريطانيا من نفقاتها في الاتحاد الأوروبي، سيعتمد بشكل رئيسي على الاتفاق مع الاتحاد، وبالتالي وبشكل رئيسي، على نجاح المفاوضات الحالية المبنّية على خطة تشيكرز. وتعتقد المالية البريطانية أن بريكست من دون اتفاق سيؤدي إلى استدانة بقيمة 80 مليار جنيه (نحو 104 مليارات دولار) على مدى عشر سنوات، وهو ما سينفي مكاسب بريطانيا في السنوات الماضية.
اقــرأ أيضاً
وركزت ماي في كلمتها التي دامت ساعة من الوقت، على عدد من القضايا التي شغلت حكومتها في الأشهر الماضية، من انقسامات الحزب الداخلية، إلى التحدي الذي تواجهه من حزب العمال، ومعضلة بريكست، ومسعاها لأن تصوّره على أنه بداية لمرحلة مشرقة، وليس مصيبة ستؤدي إلى انهيار الاقتصاد البريطاني.
وعلى الرغم من أن ماي لم تذكر وزير الخارجية السابق بوريس جونسون بالاسم خلال كلمتها، إلا أن دعوتها حزبها للاصطفاف وراءها موجّهة بلا شك نحوه ونحو مؤيديه في الجناح اليميني في الحزب. وكان الخلاف بين ماي وجونسون قد وصل إلى نقطة اللاعودة بعد استقالة الأخير من وزارة الخارجية إثر طرح خطة تشيكرز للخروج من الاتحاد الأوروبي. وشنّ جونسون منذ ذلك الحين حملة شديدة اللهجة ضد سياسة ماي حيال بريكست، مقدّماً خطته الخاصة التي وصفها بالأنسب لكل من بريطانيا والاتحاد. وعلى الرغم من أن جونسون لم يدعُ مباشرة لإسقاط ماي، إلا أنها اتهمته ومعسكره بشكل غير مباشر بتقويض موقفها أمام الاتحاد الأوروبي، قائلة: "هناك سبب آخر يدعونا للعمل سوية. إننا ندخل المرحلة الأصعب من المفاوضات. إذا بقينا معاً فإننا سنستطيع الحصول على الصفقة الأفضل لبريطانيا".
كما انتقدت ماي التعصب الإيديولوجي الذي يتمسك به جمهور متشددي بريكست، بقولها: "إن الناس الذين نخدمهم ليسوا مهتمين بالنقاشات حول نظريات بريكست. إن حيواتهم تعتمد على النجاح العملي". وأضافت: "ليس مفاجئاً أن نرى العديد من الأفكار المختلفة هذا الأسبوع"، في إشارة إلى المنتديات الجانبية التي نظّمها مؤيدو بريكست المشدد خلال مؤتمر الحزب، "ولكن وظيفتي كرئيسة للوزراء هي أن أقوم بما أعتقد أنه في المصلحة الوطنية".
كما وجّهت ماي جزءاً مهماً من خطابها لانتقاد حزب العمال الذي عقد مؤتمره السنوي الأسبوع الماضي. وربما تكون الاستفاضة في التعليق على سياسات العمال تماشياً مع فكرة طرحها وزير المالية فيليب هاموند في خطابه، حين قال إن الأسئلة التي يطرحها العمال ضرورية ويجب على حزبه إيجاد أجوبة لها. وربما يعود ذلك أيضاً إلى أن مؤتمر العمال في ليفربول قد ساهم في رفع شعبية زعيمه جيريمي كوربن، ودفع بماي إلى زاوية الدفاع عن نفسها وسياسات حزبها.
وسعت ماي إلى تسليط الضوء على الخلافات في صفوف العمال، قائلة إن الصفوف الأمامية للحزب، والتي وصفتها بأنها حزب كوربن، ليست بالعمال الذي عهدته بريطانيا والذي يلتزم المقاعد الخلفية. كما سعت إلى استغلال معاداة السامية التي عانى حزب العمال من تبعاتها بقولها "هل كان كليمنت أتلي، نائب ونستون تشرتشل الموثوق فيه خلال الحرب العالمية الثانية، ليقول لليهود البريطانيين إنهم لا يعرفون معنى معاداة السامية؟". وحاولت بذلك تصوير حزبها على أنه حزب معتدل وطني وسطي، لتجتذب تعاطف مؤيدي العمال المعارضين لكوربن. كما هاجمت شعار حزب العمال "من أجل الأغلبية لا الأقلية"، وحثّت حزبها على ألا يكون "حزباً للأقلية ولا حتى الأغلبية، ولكن لكل من يعمل بجد ويلتزم بالقانون".
وكان الاقتصاد البريطاني قد أبدى علامات تحسن في السنوات الماضية، إذ أدى التقشف لتوفير بعض الفائض المالي الذي يسمح بالإنفاق الحكومي. ونجح هاموند في إبقاء العجز المالي دون الهدف الحكومي عند 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما سيوفر فائضاً قيمته 77 مليار جنيه إسترليني (نحو 100 مليار دولار) بحلول عام 2022 في حال استمرار الأداء على وضعه الحالي. ولكن مسار مفاوضات بريكست سيتحكّم عملياً بمدى قدرة بريطانيا على الحفاظ على مكاسبها، والتي قد يقضي عليها خروجها من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق.
وبينما التزم هاموند في كلمته الحذر عند الحديث عن الإنفاق الحكومي، أبدت ماي استعداداً أكبر للالتزام بعدد من السياسات التي ستتطلب إنفاقاً حكومياً؛ فقد تعهدت ماي بتوفير 20 مليار جنيه إسترليني (26 مليار دولار) إضافية لصالح الخدمات الصحية الوطنية بحلول عام 2023، والتي ستشمل تركيزاً إضافياً على معالجة مرض السرطان وضرورة التشخيص المبكر، وهو ما يتطلّب المزيد من الفحوصات الطبية، وتجهيز المرافق الطبية بأحدث الأجهزة.
وأعلنت ماي أيضاً رفع القيود عن قدرة المجالس البلدية على الاستدانة لبناء المزيد من المنازل بهدف حل أزمة السكن في البلاد، والتي تشكّل عاملاً انتخابياً هاماً. وكانت حكومتها قد تعهدت ببناء 300 ألف منزل جديد سنوياً، على الرغم من عدم قدرتها على الوصول إلى هذا الهدف، بينما تشهد بريطانيا، خصوصاً العاصمة لندن، ارتفاعاً كبيراً في أسعار المنازل، ما يحد من قدرة المواطن العادي على امتلاكها. وقالت ماي: "إن إيجاد حل لأزمة الإسكان هو التحدي الأكبر على صعيد السياسة الداخلية لجيلنا. وليس من المنطقي منع المجالس البلدية من القيام بدورها في حل هذه الأزمة".
في المقابل، وصف جون ماكدونيل، وزير المالية في حكومة الظل العمالية، وعود ماي بالكاذبة، قائلاً: "إن مزاعم ماي بأن هذه هي نهاية التقشف ما هي إلا خدعة. لقد وعد المحافظون بذلك من قبل، وكانت خدعة حينها أيضاً. لقد قالت لنا الحكومة سابقاً إن الإنفاق في السنوات الأربع المقبلة سيعاني من المزيد من التقشف المالي. وللأسف لم يتغيّر أي شيء".
إلا أن المتحدث باسم رئيسة الوزراء أصر على التزام ماي بإنهاء التقشف في العام المقبل بغض النظر عن مصير مفاوضات بريكست. بينما شدد وزير المالية، فيليب هاموند، على أن أي عائد مالي ستوفره بريطانيا من نفقاتها في الاتحاد الأوروبي، سيعتمد بشكل رئيسي على الاتفاق مع الاتحاد، وبالتالي وبشكل رئيسي، على نجاح المفاوضات الحالية المبنّية على خطة تشيكرز. وتعتقد المالية البريطانية أن بريكست من دون اتفاق سيؤدي إلى استدانة بقيمة 80 مليار جنيه (نحو 104 مليارات دولار) على مدى عشر سنوات، وهو ما سينفي مكاسب بريطانيا في السنوات الماضية.