30 يونيو 2016
صورتنا
موشيه ويتسحاق، والثالث فلسطيني من ريف الجليل يجلس في المقهى، مستمتعاً بإجازته ومستمعاً، من دون قصد وبذهول، إلى ما يقوله الضابطان في الموساد.
موشيه: أتدري، يا صديقي، يحيّرني هذا العالم العربي، ولا يخيفني، كيف يسكتون على هذا الواقع؟ كيف يتحملون كل هذه الهزائم؟
يتسحاق: يحيّرك، هذه أستطيع فهمها، لكن أسئلتك عن سكوتهم وتحملهم تضحكني. إياك أن تشفق على القبائل المتناحرة؟
موشيه: متناحرة نعم. ولا طاقة للحياة فيها، ولا فرصة للانفجار أو التبدل. اقرأ تاريخهم، كله قتل شخصي وصراعات عائلية وتنافس على الزعامة. لن ينفجروا في وجوهنا، سيواظبون على الانفجار في وجوه بعضهم. صدّقني، ما زالوا يظنون أن شرف بنت من بناتهم أخطر من وجود إسرائيل في قلب حياتهم وكرامتهم.
يتسحاق: مهمتنا، تأبيد هذه الصراعات. أنت تعرف كم صرفنا على تأجيج الصراع بين السنة والشيعة في العالم العربي والإسلامي. وتعرف كم جاسوساً لنا ساهم، بذكاء شديد، في إخافة الطائفتين من بعضهما، وفي الدس بينهما بحكايات لم تحدث، ونياتٍ لم تكن عند الطرفين.
موشيه: أتفق معك. هم كالخراف، لا يقدرون على مواجهتنا إنْ أحسنّا تخويفهم ومحاصرتهم وقتلهم. لن نتوقف عن ذلك. انتصارنا يعتمد على هياجهم العاطفي، وسوء إدارتهم مؤسساتهم وجيوشهم، وحتى حياتهم الزوجية، وفوضاهم في طوابير الخبز والأوراق المدنية الثبوتية والمواصلات. أوجز قائدنا العظيم جابوتنسكي ما نقوله الآن، في نظريته الرائعة عن الدوس على رقاب العرب، وعدم رفع الأرجل عنها، ففيه نهايتنا.
كان جميل الفلسطيني يجلس مرتعباً، يحاول أن لا يصدق ما يسمع من حوار بين ضابطين إسرائيليين يعرفان الكثير، أكثر مما يعرف هو عن أمته وشعبه، بل وعن نفسه. وحين أشار موشيه إليه خفية، انتبه جميل إلى الحوار الذي أعقب الإشارة:
موشيه: أترى هذا العربي؟ يتسحق: أراه، ما به؟ موشيه: بكم تراهن إن ثبت أني أعرف تفاصيل حياته، منذ موت أبيه بسرطان العمود الفقري، قبل أربع سنوات، إلى معاناة أخته من تخلف عقلي فظيع، من فشله الجنسي الأول مع زوجته الأولى إلى تحرشه بزميلته اليهودية في السوبرماركت الذي يعمل فيه، من زعله من زوجته أمس، لأنها نسيت وضع آلة طرد الناموس في غرفته، إلى تذمر أولاده من شخيره.
موشيه (يضحك بصوت عال): لا أراهن بشي، فأنا أصدق ما قلت. بل إنني تنبأتُ، بأن حياته ستنتهي طعناً بيد سائق عربي (طبعاً) لخلاف مروري، في خريف 2016، وأن أمه ستموت دهساً أمام بيتها، وأن شقيقه سيقتل شقيقته بدواعي الشرف.
نزّ العرق من وجه جميل، سقطت قطرات من بوله في بنطاله، أشعل الموسيقى من هاتفه النقال، وأبعد وجهه عن الضابطين، وراح يتظاهر بالاستمتاع بهدوء نهر العوجة الذي يسمّونه، في تل أبيب، اليركون. وفي لحظة، سمع شخصاً يناديه من المقهى المقابل، لوّح جميل لصديقه جمال الذي يعرفه من أيام الدراسة. نهض جمال وذهب ليصافح جميل الذي كان وجهه متكدراً، وخائفاً، همس جميل لجمال: لا تتحدث بصوت عال، الجالسان هناك ضابطان في الموساد. نظر جمال إلى حيث أشار جميل، لم يكن أحد يجلس هناك.
استغرب جميل: والله كانا هنا، قربي، وكانا يتحدثان عني وعنك وعن مقصات أظافرنا، وعن أمتنا، وقمصاننا وزوجاتنا.
فوجئ جمال: هذا غير صحيح. منذ جلوسك هنا، وأنا أتحدث لصديقتي التي كانت تجلس معي قبالتك عنك، ولم يكن أحد قربك.
ركض جميل، وسط ذهول جمال، تجاه حافلةٍ ليعود الى قريته. كان يحمل بيده صورة لأمته وشعبه وتاريخ موته وتفاصيل حياته. ولم يستطع التنفس، حين أحنى رقبته قليلاً، ليرى الضابطين يجلسان خلفه، ويواصلان الحديث عن عائلته وأمته.
موشيه: أتدري، يا صديقي، يحيّرني هذا العالم العربي، ولا يخيفني، كيف يسكتون على هذا الواقع؟ كيف يتحملون كل هذه الهزائم؟
يتسحاق: يحيّرك، هذه أستطيع فهمها، لكن أسئلتك عن سكوتهم وتحملهم تضحكني. إياك أن تشفق على القبائل المتناحرة؟
موشيه: متناحرة نعم. ولا طاقة للحياة فيها، ولا فرصة للانفجار أو التبدل. اقرأ تاريخهم، كله قتل شخصي وصراعات عائلية وتنافس على الزعامة. لن ينفجروا في وجوهنا، سيواظبون على الانفجار في وجوه بعضهم. صدّقني، ما زالوا يظنون أن شرف بنت من بناتهم أخطر من وجود إسرائيل في قلب حياتهم وكرامتهم.
يتسحاق: مهمتنا، تأبيد هذه الصراعات. أنت تعرف كم صرفنا على تأجيج الصراع بين السنة والشيعة في العالم العربي والإسلامي. وتعرف كم جاسوساً لنا ساهم، بذكاء شديد، في إخافة الطائفتين من بعضهما، وفي الدس بينهما بحكايات لم تحدث، ونياتٍ لم تكن عند الطرفين.
موشيه: أتفق معك. هم كالخراف، لا يقدرون على مواجهتنا إنْ أحسنّا تخويفهم ومحاصرتهم وقتلهم. لن نتوقف عن ذلك. انتصارنا يعتمد على هياجهم العاطفي، وسوء إدارتهم مؤسساتهم وجيوشهم، وحتى حياتهم الزوجية، وفوضاهم في طوابير الخبز والأوراق المدنية الثبوتية والمواصلات. أوجز قائدنا العظيم جابوتنسكي ما نقوله الآن، في نظريته الرائعة عن الدوس على رقاب العرب، وعدم رفع الأرجل عنها، ففيه نهايتنا.
كان جميل الفلسطيني يجلس مرتعباً، يحاول أن لا يصدق ما يسمع من حوار بين ضابطين إسرائيليين يعرفان الكثير، أكثر مما يعرف هو عن أمته وشعبه، بل وعن نفسه. وحين أشار موشيه إليه خفية، انتبه جميل إلى الحوار الذي أعقب الإشارة:
موشيه: أترى هذا العربي؟ يتسحق: أراه، ما به؟ موشيه: بكم تراهن إن ثبت أني أعرف تفاصيل حياته، منذ موت أبيه بسرطان العمود الفقري، قبل أربع سنوات، إلى معاناة أخته من تخلف عقلي فظيع، من فشله الجنسي الأول مع زوجته الأولى إلى تحرشه بزميلته اليهودية في السوبرماركت الذي يعمل فيه، من زعله من زوجته أمس، لأنها نسيت وضع آلة طرد الناموس في غرفته، إلى تذمر أولاده من شخيره.
موشيه (يضحك بصوت عال): لا أراهن بشي، فأنا أصدق ما قلت. بل إنني تنبأتُ، بأن حياته ستنتهي طعناً بيد سائق عربي (طبعاً) لخلاف مروري، في خريف 2016، وأن أمه ستموت دهساً أمام بيتها، وأن شقيقه سيقتل شقيقته بدواعي الشرف.
نزّ العرق من وجه جميل، سقطت قطرات من بوله في بنطاله، أشعل الموسيقى من هاتفه النقال، وأبعد وجهه عن الضابطين، وراح يتظاهر بالاستمتاع بهدوء نهر العوجة الذي يسمّونه، في تل أبيب، اليركون. وفي لحظة، سمع شخصاً يناديه من المقهى المقابل، لوّح جميل لصديقه جمال الذي يعرفه من أيام الدراسة. نهض جمال وذهب ليصافح جميل الذي كان وجهه متكدراً، وخائفاً، همس جميل لجمال: لا تتحدث بصوت عال، الجالسان هناك ضابطان في الموساد. نظر جمال إلى حيث أشار جميل، لم يكن أحد يجلس هناك.
استغرب جميل: والله كانا هنا، قربي، وكانا يتحدثان عني وعنك وعن مقصات أظافرنا، وعن أمتنا، وقمصاننا وزوجاتنا.
فوجئ جمال: هذا غير صحيح. منذ جلوسك هنا، وأنا أتحدث لصديقتي التي كانت تجلس معي قبالتك عنك، ولم يكن أحد قربك.
ركض جميل، وسط ذهول جمال، تجاه حافلةٍ ليعود الى قريته. كان يحمل بيده صورة لأمته وشعبه وتاريخ موته وتفاصيل حياته. ولم يستطع التنفس، حين أحنى رقبته قليلاً، ليرى الضابطين يجلسان خلفه، ويواصلان الحديث عن عائلته وأمته.