تبحث في تفاصيل الصورة. العينان اللتان لطالما ضحك قلبها لرؤيتهما، حلّت مكانهما أخريان مغمضتان انتفخت جفونهما من كثرة التعذيب. أما الشعر فهو ذاته وكذلك الأنف. لكن الذقن مستدير والأذنَين صغيرتان، وهي لا تتذكرها هكذا.
نهار بطوله، قضته علا (35 عاماً)، أمام جهاز الحاسوب، تقرّب وجهها من الشاشة ومن ثم تبعده، ربما يتغيّر شيء في صورة تلك الجثة. نصف الوجه هو لزوجها المعتقل في سجون النظام السوري منذ ثلاث سنوات، أمّا النصف الآخر فلا تعرفه. اليوم هي نصف أرملة.
وقبل أن تجهش بالبكاء، تقول لـ"العربي الجديد": "أقاربي مثلي تماماً. بعضهم يقول إن وجه زوجي هو الذي يظهر في الصورة، في حين ينفي بعضهم الآخر ذلك. انتظروني أنا لأحسم الأمر، لكنني عاجزة عن ذلك". وتسأل: "كيف أخبر طفلَيّ بأنّ أباهما مات، في حال كان هو الذي يظهر في الصورة فعلاً. هما يتحدثان عن ذكرياتهما معه طوال النهار، ويحلمان به في الليل. ألا يكفيهما عناء تذكّر صورته وهو مربوط إلى الكرسي قبل اعتقاله؟".
وتلك الصورة، واحدة من 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل، سُرِّبت في أواخر عام 2013 بواسطة شرطي عسكري ملقب بـ"القيصر"، كان مختصاً بتصوير جثث المعتقلين الذين قضوا في أقبية النظام في دمشق قبل ترحيلهم إلى مستشفى تشرين العسكري ومن ثم إلى مقابر جماعيّة لا يُعرف مكانها.
قبل أكثر من عشرة أيام، نُشرت صور "القيصر" على مواقع التواصل الاجتماعي بعد اقتطاع أقسام منها والإبقاء على وجوه الجثث فيها. أما الهدف من ذلك فهو "منح أهالي المعتقلين فرصة للتعرّف على أبنائهم، ومراسلة منظمات حقوق الإنسان، وبالتالي تقديم أدلة بإمكانها أن تقدّم لمحكمة الجنايات الدولية، وإثبات ضلوع النظام بهذا الهولوكست"، بحسب ما ذكرته الصفحات التي نشرتها.
في تلك الصور أيضاً، تظهر جثث مكوّمة فوق بعضها بعضاً، لمعتقلين عذّبوا بشدة. أجسادهم نحيلة ومنتفخة ومتقرّحة، تتخللها بقع بالأزرق أو الأحمر، في حين فقئت أعين العديد من أصحابها. هي مشاهد لم تتضمنها حتى أفلام الرعب، أحدثت صدمة كبيرة لدى السوريين، الذين باشروا البحث عن أبنائهم المعتقلين بين صور تلك الجثث. ويلفت عضو "مكتب دمشق الإعلامي"، كريم الشامي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "أكثر من مئة معتقل شهيد، تعرّف عليهم أقرباؤهم في دمشق وريفها حتى اللحظة. ومعظمهم من مدينتَي داريا والزبداني، ومن ثم حي دُمّر الدمشقي".
وكانت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" قد أصدرت أخيراً تقريراً، قدّرت فيه أعداد المعتقلين لدى قوات النظام منذ بداية الثورة، بما "لا يقلّ عن 215 ألفاً، من بينهم 6500 امرأة و9500 طفل". وقد شدّدت على أنّ "المعتقلين يتحوّلون تدريجياً إلى مختفين قسرياً"، إذ ينقطع التواصل معهم كلياً، لا سيّما من قبل أهلهم وأصدقائهم.
كلّ جثّة تظهر في صور "القيصر"، أتت مع إشارة على جبين الضحيّة تتضمّن رقماً واسم الفرع الأمني الذي قتلت فيه، من دون التعريف بها. هنا، لم يعد لأصحاب الجثث المشوّهة هويّة. أصبحوا مجرّد أرقام. وتجدر الإشارة هنا إلى شعار "شهداؤنا ليسوا أرقاماً" الذي يتداوله ناشطون سوريون منذ أربع سنوات لجذب أنظار المجتمع الدولي لما يصيبهم، في حين يعجز الأخير عن ذلك.
"قلّو عيونو مش فجأة بينتسو.. ضحكات عيونو ثابتين ما بينقصو"، كتبت ريم، ابنة أحد معتقلي مدينة الزبداني، على صفحتها على موقع "فيسبوك"، بعدما رأت صورة لأبيها من ضمن صور "القيصر". وريم، التي لم تملّ يوماً من الاستقصاء عن أخبار والدها المعتقل منذ سنتَين، وصلها خبر قبل نحو ثلاثة أشهر يفيدها بأنه ما زال على قيد الحياة. لكنها صدمت أخيراً بصورة جثّته المسرّبة.
إلى ذلك، تقول مريم، وهي مسؤولة في "تنسيقية الزبداني"، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الصور المسرّبة فضحت عدداً من الأشخاص الذين يعملون على ابتزاز أهالي المعتقلين ويطالبونهم بمبالغ مالية كبيرة في مقابل مساعدتهم على الإفراج عن ابنهم أو الإتيان بخبر عنه". وتشير إلى أنّ "عائلة من المدينة وجدت صورة لابنها من ضمن الصور المسرّبة. لكنها لم تصدّق عينيها، وفضّلت التشبّث بخبر وصلها قبل يومَين مفاده بأن ابنها ما زال حياً يتلقى العلاج في مستشفى تشرين العسكري".
بعدما تردّدت كثيراً وبكت أكثر، قرّرت علا، التي هربت مع طفليها من جحيم الحرب في الغوطة إلى تركيا، إخبار أهل زوجها المعتقل بأنّ صورة الجثة ليست لابنهم، بل لمعتقل آخر يشبهه. هي تفضّل الحياة على الموت، مقنعة نفسها بأنّ "النظام السوري لم ولن يحوّلني يوماً إلى نصف أرملة".
نهار بطوله، قضته علا (35 عاماً)، أمام جهاز الحاسوب، تقرّب وجهها من الشاشة ومن ثم تبعده، ربما يتغيّر شيء في صورة تلك الجثة. نصف الوجه هو لزوجها المعتقل في سجون النظام السوري منذ ثلاث سنوات، أمّا النصف الآخر فلا تعرفه. اليوم هي نصف أرملة.
وقبل أن تجهش بالبكاء، تقول لـ"العربي الجديد": "أقاربي مثلي تماماً. بعضهم يقول إن وجه زوجي هو الذي يظهر في الصورة، في حين ينفي بعضهم الآخر ذلك. انتظروني أنا لأحسم الأمر، لكنني عاجزة عن ذلك". وتسأل: "كيف أخبر طفلَيّ بأنّ أباهما مات، في حال كان هو الذي يظهر في الصورة فعلاً. هما يتحدثان عن ذكرياتهما معه طوال النهار، ويحلمان به في الليل. ألا يكفيهما عناء تذكّر صورته وهو مربوط إلى الكرسي قبل اعتقاله؟".
وتلك الصورة، واحدة من 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل، سُرِّبت في أواخر عام 2013 بواسطة شرطي عسكري ملقب بـ"القيصر"، كان مختصاً بتصوير جثث المعتقلين الذين قضوا في أقبية النظام في دمشق قبل ترحيلهم إلى مستشفى تشرين العسكري ومن ثم إلى مقابر جماعيّة لا يُعرف مكانها.
قبل أكثر من عشرة أيام، نُشرت صور "القيصر" على مواقع التواصل الاجتماعي بعد اقتطاع أقسام منها والإبقاء على وجوه الجثث فيها. أما الهدف من ذلك فهو "منح أهالي المعتقلين فرصة للتعرّف على أبنائهم، ومراسلة منظمات حقوق الإنسان، وبالتالي تقديم أدلة بإمكانها أن تقدّم لمحكمة الجنايات الدولية، وإثبات ضلوع النظام بهذا الهولوكست"، بحسب ما ذكرته الصفحات التي نشرتها.
في تلك الصور أيضاً، تظهر جثث مكوّمة فوق بعضها بعضاً، لمعتقلين عذّبوا بشدة. أجسادهم نحيلة ومنتفخة ومتقرّحة، تتخللها بقع بالأزرق أو الأحمر، في حين فقئت أعين العديد من أصحابها. هي مشاهد لم تتضمنها حتى أفلام الرعب، أحدثت صدمة كبيرة لدى السوريين، الذين باشروا البحث عن أبنائهم المعتقلين بين صور تلك الجثث. ويلفت عضو "مكتب دمشق الإعلامي"، كريم الشامي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "أكثر من مئة معتقل شهيد، تعرّف عليهم أقرباؤهم في دمشق وريفها حتى اللحظة. ومعظمهم من مدينتَي داريا والزبداني، ومن ثم حي دُمّر الدمشقي".
وكانت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" قد أصدرت أخيراً تقريراً، قدّرت فيه أعداد المعتقلين لدى قوات النظام منذ بداية الثورة، بما "لا يقلّ عن 215 ألفاً، من بينهم 6500 امرأة و9500 طفل". وقد شدّدت على أنّ "المعتقلين يتحوّلون تدريجياً إلى مختفين قسرياً"، إذ ينقطع التواصل معهم كلياً، لا سيّما من قبل أهلهم وأصدقائهم.
كلّ جثّة تظهر في صور "القيصر"، أتت مع إشارة على جبين الضحيّة تتضمّن رقماً واسم الفرع الأمني الذي قتلت فيه، من دون التعريف بها. هنا، لم يعد لأصحاب الجثث المشوّهة هويّة. أصبحوا مجرّد أرقام. وتجدر الإشارة هنا إلى شعار "شهداؤنا ليسوا أرقاماً" الذي يتداوله ناشطون سوريون منذ أربع سنوات لجذب أنظار المجتمع الدولي لما يصيبهم، في حين يعجز الأخير عن ذلك.
"قلّو عيونو مش فجأة بينتسو.. ضحكات عيونو ثابتين ما بينقصو"، كتبت ريم، ابنة أحد معتقلي مدينة الزبداني، على صفحتها على موقع "فيسبوك"، بعدما رأت صورة لأبيها من ضمن صور "القيصر". وريم، التي لم تملّ يوماً من الاستقصاء عن أخبار والدها المعتقل منذ سنتَين، وصلها خبر قبل نحو ثلاثة أشهر يفيدها بأنه ما زال على قيد الحياة. لكنها صدمت أخيراً بصورة جثّته المسرّبة.
إلى ذلك، تقول مريم، وهي مسؤولة في "تنسيقية الزبداني"، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الصور المسرّبة فضحت عدداً من الأشخاص الذين يعملون على ابتزاز أهالي المعتقلين ويطالبونهم بمبالغ مالية كبيرة في مقابل مساعدتهم على الإفراج عن ابنهم أو الإتيان بخبر عنه". وتشير إلى أنّ "عائلة من المدينة وجدت صورة لابنها من ضمن الصور المسرّبة. لكنها لم تصدّق عينيها، وفضّلت التشبّث بخبر وصلها قبل يومَين مفاده بأن ابنها ما زال حياً يتلقى العلاج في مستشفى تشرين العسكري".
بعدما تردّدت كثيراً وبكت أكثر، قرّرت علا، التي هربت مع طفليها من جحيم الحرب في الغوطة إلى تركيا، إخبار أهل زوجها المعتقل بأنّ صورة الجثة ليست لابنهم، بل لمعتقل آخر يشبهه. هي تفضّل الحياة على الموت، مقنعة نفسها بأنّ "النظام السوري لم ولن يحوّلني يوماً إلى نصف أرملة".