25 أكتوبر 2024
ضرورة التعايش بين النظام و"الإخوان" في الأردن
ما زالت معادلة الاستنزاف المفتوح التي يتبعها النظام في الأردن مع جماعة الإخوان المسلمين، في السنوات الأخيرة، مستمرّة، وبلغت ذروتها بإعلان المراقب العام الأسبق للجماعة، عبدالمجيد الذنيبات، ترخيصه "جمعية جماعة الإخوان المسلمين"، بدعم رسمي. فمنذ إشهار الذنيبات الجمعية، مطلع مارس/آذار 2015، والتي استولت، عملياً، على اسم الجماعة الذي تملكه منذ سبعين عاما في الأردن، والجماعة لا تكاد تحصل على فرصةٍ لالتقاط الأنفاس، إذ أصبحت في عرف النظام، ضمنيا، في حكم "المحظورة" لصالح الجمعية "الشرعية".
طبعاً، لا يمكن حصر أزمة الجماعة في الخلاف مع النظام السياسي في الأردن، فحسب. فمنذ سنوات، ثمة خلافات داخلية، منهجية وشخصية، ساهمت في ضعضعة الصف الإخواني وتفسّخه، ما أفسح المجال لجهاتٍ داخل النظام بالنفاذ إلى عمق بنية الجماعة وشرذمتها، بهدف إعادة صياغة فكر الجماعة وخطيها السياسي والفكري، بل والتحكم في تشكيلة صفها القيادي. أضف إلى ذلك أن التصعيد مع الجماعة في الأردن جاء في سياق إقليمي عربي مستهدف لهم، وتوّج بالانقلاب الذي وقع في مصر، في يونيو/حزيران 2013، على الرئيس محمد مرسي. وكان لدور الجماعة الفاعل في الاحتجاجات السلمية في الأردن، في مرحلة ما يعرف بـ"الربيع العربي"، ومطالبتهم بالإصلاح السياسي، دور كبير في توتير العلاقة مع النظام، وواضح أن ثمة تصفية حسابات معهم الآن.
اليوم، تجد الجماعة نفسها على مفترق طرق، إذ بادرت وزارة الداخلية، قبل أيام، إلى إبلاغها بمنعها من إجراء انتخاباتها الداخلية التي من المفترض أن تجري في السابع من شهر أبريل/نيسان الجاري، لاختيار مجلس شورى ومراقب عام جديد. وتقول مصادر في الجماعة إنها أبلغت بقرار المنع شفوياً، على أساس أنها "ليست مرخصة"، وتحمل صفةً تتمتع بها جمعية مرخصة في وزارة التنمية السياسية هي "جمعية جماعة الإخوان المسلمين". وعلى الرغم من قرار المنع، فإن الجماعة تقول إنها مصرّة على عقد انتخاباتها الداخلية في موعدها، وهو ما ينذر بتصعيد بين الطرفين.
وحسب تقرير أعدته وكالة قدس برس، أخيراً، فإن "الإخوان" تلقوا، في الفترة الماضية، أربعة شروط من النظام، مرّرت إليهم عبر شخصيات رسمية، عليهم تنفيذها، إن أرادوا حلحلة حالة الجمود بينهما: إعلان "الإخوان" الولاء للملك عبد الله الثاني. الانخراط في الحياة السياسية، عبر المشاركة في الانتخابات البرلمانية والبلدية، حسب المحدّدات التي وضعها النظام. فك ارتباطهم بالتنظيم العالمي للإخوان، وإعلان وطنية الجماعة وانتمائها للأردن. وهو ما أعلنته الجماعة مؤخراً بفك الارتباط مع الجماعة الأم في مصر. مطالبتهم برأب الصدع مع جمعية الذنيبات، وهو الشرط الذي أثار حفيظة الجماعة.
إذن، واضح أن النظام في الأردن لا يفتأ يضيّق المساحات المتاحة أمام الجماعة، وقطعاً، هو
في وضعٍ قوي يؤهله لفعل ذلك. لكن هذا لا يجعل من تضييق النظام عليهم أمراً حكيماً، وأتحدّث هنا من زاوية برغماتية، لا مبدئية، تتعلق بالحريات السياسية، فالقرار ليس فيه مصلحة للأردن، وسواء سمح للإخوان بإجراء انتخاباتهم الداخلية أم لا، ستبقى جماعة الإخوان المسلمين قائمة. أيضاً، بغض النظر عن تجديد ترخيصها، القائم أصلاً منذ سبعين عاما، من عدمه، ستبقى هي الجماعة الأم، والجماعة الأكبر والأكثر تأثيرا، وستبقى هي العمود الفقري للحركة الإسلامية في الأردن. بل تكمن مصلحة الأردن في تماسك الجماعة، بدل أن ينهار النظام الذي يؤطر أبناءها، ويتفرّق شعث بعض قواعدها، ويتشتت الولاء عند بعض كوادرها، خصوصاً في ظل المخاطر التي تحيط بالبلد.
من أبجديات المقاربات الحياتية، أن التعامل مع جسم كبير، موحّد، واضح المعالم، ضمن حيز مكاني معين، أسهل وأفضل من التعامل مع قطعٍ صغيرةٍ متناثرةٍ، لا تنتظم في إطار محدد، ولا يحتويها مكان مُعَرَّف. في المحصلة، ستحتاج الدولة إلى عنوان رسمي، تتواصل مع "الإخوان" عبره، وذلك إن تغيّرت المعطيات يوماً. أيضا، فإن بعض دوائر النظام في الأردن مطالبة بأن تدرك أن ما زاد عن حده انقلب إلى ضده. بمعنى، أنه قد تكون المقاربة المعتمدة اليوم تتمثل في أن الضغط المتصاعد على "الإخوان" سَيُنْتِجُ منهم نسخةً جديدة مُطَوَّعَةً، غير أن استمرار الضغط لتحقيق ما هو أبعد من هدفٍ واقعيٍّ ومعقول، سينتهي إلى فشل. أضف إلى ذلك، أن النظام قد يكون قادراً على توظيف أدوات القمع، لكن القمع لن يكسر روح التحدّي عند أبناء الجماعة، بل سيزيد من جذوتها. حينها، سيجد النظام نفسه أمام معادلةٍ صعبة، فالاستمرار في القمع سيفقده أحد أهم أوراق قوته التي عرف بها عقوداً طويلة، وهي التسامح، النسبي، الذي حافظ على استقرار الأردن، وأسس لعلاقةٍ دافئة، نسبياً، بين النظام والشعب. المشكلة الأكبر التي تواجه النظام في تعامله مع الجماعة تتمثل في أن "الجمعية" المرخصّة لم تنجح في استقطاب أبناء الجماعة الذين بقي معظمهم على ولائهم لها.
بناء على ما سبق، تكون مصلحة الأردن في إعادة صياغة عقدٍ سياسيٍّ جديد بين الدولة الأردنية والجماعة، يقوم على حفظ مكانة مؤسسة العرش وصونها، على أساس أنها ضامن الوئام المجتمعي والسياسي في الأردن، في الوقت الذي تحترم فيه الحقوق والحريات الأساسية للشعب. لمست، من حوارات مع بعض قيادات الجماعة في الأردن، إقرارا بمكانة مؤسسة العرش وأهميتها مصانةً قوية، يستوي في ذلك كل تياراتهم. وللتذكير، كان "الإخوان" دوماً في صف الأردن ومؤسسة العرش. ولعلي أضيف إلى ذلك أن النظام السياسي في الأردن والجماعة معاً مطالبان بأن يأخذا، في اعتبارهما، التجربة المغربية، أي حفظ جزء من الحركة الإسلامية مقام "إمارة المؤمنين"، واندمجوا في العمل السياسي تحت مظلتها. ولا أظن أن الحركة الإسلامية تمانع في الاندماج، مجدداً، في الحياة السياسية الأردنية ضمن بعض المطالب المعقولة التي هي أصلاً مصلحة للنظام السياسي، إذ إنها تعزز شرعيته الشعبية، ومكانته الدولية.
باختصار، أثبت الإخوان المسلمون في الأردن، عبر تاريخهم، أنهم أحد أركان الاستقرار المجتمعي والسياسي في البلاد، وهم قوة عاقلة، لا انتحارية، ومثلهم يمكن التوصل إلى مواءماتٍ ومعادلاتٍ سياسية معهم تكون في مصلحة الأردن. ومن ثمَّ، فإن الشرط الذي ينقل عن النظام بأن عليهم أن يرأبوا الصدع مع "جمعية جماعة الإخوان"، أحد شروط حلحلة العلاقة، يصبح شرطاً غير ذي قيمة، ذلك أنهم مستوفون للشروط الثلاثة الأخرى الأهم. دعوا "الإخوان" ينتخبون قيادتهم، وأفسحوا المجال لهم لحل خلافاتهم بأنفسهم، ففي ذلك مصلحة الجميع، ومصلحة الأردن وطناً.
طبعاً، لا يمكن حصر أزمة الجماعة في الخلاف مع النظام السياسي في الأردن، فحسب. فمنذ سنوات، ثمة خلافات داخلية، منهجية وشخصية، ساهمت في ضعضعة الصف الإخواني وتفسّخه، ما أفسح المجال لجهاتٍ داخل النظام بالنفاذ إلى عمق بنية الجماعة وشرذمتها، بهدف إعادة صياغة فكر الجماعة وخطيها السياسي والفكري، بل والتحكم في تشكيلة صفها القيادي. أضف إلى ذلك أن التصعيد مع الجماعة في الأردن جاء في سياق إقليمي عربي مستهدف لهم، وتوّج بالانقلاب الذي وقع في مصر، في يونيو/حزيران 2013، على الرئيس محمد مرسي. وكان لدور الجماعة الفاعل في الاحتجاجات السلمية في الأردن، في مرحلة ما يعرف بـ"الربيع العربي"، ومطالبتهم بالإصلاح السياسي، دور كبير في توتير العلاقة مع النظام، وواضح أن ثمة تصفية حسابات معهم الآن.
اليوم، تجد الجماعة نفسها على مفترق طرق، إذ بادرت وزارة الداخلية، قبل أيام، إلى إبلاغها بمنعها من إجراء انتخاباتها الداخلية التي من المفترض أن تجري في السابع من شهر أبريل/نيسان الجاري، لاختيار مجلس شورى ومراقب عام جديد. وتقول مصادر في الجماعة إنها أبلغت بقرار المنع شفوياً، على أساس أنها "ليست مرخصة"، وتحمل صفةً تتمتع بها جمعية مرخصة في وزارة التنمية السياسية هي "جمعية جماعة الإخوان المسلمين". وعلى الرغم من قرار المنع، فإن الجماعة تقول إنها مصرّة على عقد انتخاباتها الداخلية في موعدها، وهو ما ينذر بتصعيد بين الطرفين.
وحسب تقرير أعدته وكالة قدس برس، أخيراً، فإن "الإخوان" تلقوا، في الفترة الماضية، أربعة شروط من النظام، مرّرت إليهم عبر شخصيات رسمية، عليهم تنفيذها، إن أرادوا حلحلة حالة الجمود بينهما: إعلان "الإخوان" الولاء للملك عبد الله الثاني. الانخراط في الحياة السياسية، عبر المشاركة في الانتخابات البرلمانية والبلدية، حسب المحدّدات التي وضعها النظام. فك ارتباطهم بالتنظيم العالمي للإخوان، وإعلان وطنية الجماعة وانتمائها للأردن. وهو ما أعلنته الجماعة مؤخراً بفك الارتباط مع الجماعة الأم في مصر. مطالبتهم برأب الصدع مع جمعية الذنيبات، وهو الشرط الذي أثار حفيظة الجماعة.
إذن، واضح أن النظام في الأردن لا يفتأ يضيّق المساحات المتاحة أمام الجماعة، وقطعاً، هو
من أبجديات المقاربات الحياتية، أن التعامل مع جسم كبير، موحّد، واضح المعالم، ضمن حيز مكاني معين، أسهل وأفضل من التعامل مع قطعٍ صغيرةٍ متناثرةٍ، لا تنتظم في إطار محدد، ولا يحتويها مكان مُعَرَّف. في المحصلة، ستحتاج الدولة إلى عنوان رسمي، تتواصل مع "الإخوان" عبره، وذلك إن تغيّرت المعطيات يوماً. أيضا، فإن بعض دوائر النظام في الأردن مطالبة بأن تدرك أن ما زاد عن حده انقلب إلى ضده. بمعنى، أنه قد تكون المقاربة المعتمدة اليوم تتمثل في أن الضغط المتصاعد على "الإخوان" سَيُنْتِجُ منهم نسخةً جديدة مُطَوَّعَةً، غير أن استمرار الضغط لتحقيق ما هو أبعد من هدفٍ واقعيٍّ ومعقول، سينتهي إلى فشل. أضف إلى ذلك، أن النظام قد يكون قادراً على توظيف أدوات القمع، لكن القمع لن يكسر روح التحدّي عند أبناء الجماعة، بل سيزيد من جذوتها. حينها، سيجد النظام نفسه أمام معادلةٍ صعبة، فالاستمرار في القمع سيفقده أحد أهم أوراق قوته التي عرف بها عقوداً طويلة، وهي التسامح، النسبي، الذي حافظ على استقرار الأردن، وأسس لعلاقةٍ دافئة، نسبياً، بين النظام والشعب. المشكلة الأكبر التي تواجه النظام في تعامله مع الجماعة تتمثل في أن "الجمعية" المرخصّة لم تنجح في استقطاب أبناء الجماعة الذين بقي معظمهم على ولائهم لها.
بناء على ما سبق، تكون مصلحة الأردن في إعادة صياغة عقدٍ سياسيٍّ جديد بين الدولة الأردنية والجماعة، يقوم على حفظ مكانة مؤسسة العرش وصونها، على أساس أنها ضامن الوئام المجتمعي والسياسي في الأردن، في الوقت الذي تحترم فيه الحقوق والحريات الأساسية للشعب. لمست، من حوارات مع بعض قيادات الجماعة في الأردن، إقرارا بمكانة مؤسسة العرش وأهميتها مصانةً قوية، يستوي في ذلك كل تياراتهم. وللتذكير، كان "الإخوان" دوماً في صف الأردن ومؤسسة العرش. ولعلي أضيف إلى ذلك أن النظام السياسي في الأردن والجماعة معاً مطالبان بأن يأخذا، في اعتبارهما، التجربة المغربية، أي حفظ جزء من الحركة الإسلامية مقام "إمارة المؤمنين"، واندمجوا في العمل السياسي تحت مظلتها. ولا أظن أن الحركة الإسلامية تمانع في الاندماج، مجدداً، في الحياة السياسية الأردنية ضمن بعض المطالب المعقولة التي هي أصلاً مصلحة للنظام السياسي، إذ إنها تعزز شرعيته الشعبية، ومكانته الدولية.
باختصار، أثبت الإخوان المسلمون في الأردن، عبر تاريخهم، أنهم أحد أركان الاستقرار المجتمعي والسياسي في البلاد، وهم قوة عاقلة، لا انتحارية، ومثلهم يمكن التوصل إلى مواءماتٍ ومعادلاتٍ سياسية معهم تكون في مصلحة الأردن. ومن ثمَّ، فإن الشرط الذي ينقل عن النظام بأن عليهم أن يرأبوا الصدع مع "جمعية جماعة الإخوان"، أحد شروط حلحلة العلاقة، يصبح شرطاً غير ذي قيمة، ذلك أنهم مستوفون للشروط الثلاثة الأخرى الأهم. دعوا "الإخوان" ينتخبون قيادتهم، وأفسحوا المجال لهم لحل خلافاتهم بأنفسهم، ففي ذلك مصلحة الجميع، ومصلحة الأردن وطناً.