اتخذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبإجماع أعضاء اللجنة المركزية في حركة "فتح"، قراراً بوقف التراشق الإعلامي مع مسؤول الأمن الفلسطيني السابق، المفصول من الحركة، محمد دحلان.
برّر القرار، الذي اتُّخذ أمس السبت، بوقف تداعيات تبادل الاتهامات على كوادر الحركة، ومنع اشتباكها في الشارع، كما تقرر أيضاً وقف تسريب التحقيقات حول قضايا أمنية وفساد مالي اتهم بها دحلان.
ولقي الموقف الأخير من "فتح" "استحساناً" لدى الكثيرين من قادة الحركة وكوادرها البارزين، كونه كاد، بحسب رأي بعضهم، يحدث شرخاً كبيراً في جسم الحركة، وبالذات في قطاع غزة.
وتدخّل الرئيس السابق للدائرة السياسية في منظمة التحرير، فاروق القدومي، والقيادي سلطان أبو العنين، والمدير السابق للاستخبارات، توفيق الطيراوي، لدى عباس من أجل إصدار قرار حركي بعدم الانجرار وراء كلام دحلان، أو "استفزازات" أنصاره سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة.
ويرى مراقبون أن القرار الذي اتخذ من قبل الرئيس الفلسطيني، يأتي استجابة لمعطيات مهمة توضّحت خلال الأزمة التي شهدتها الحركة إعلامياً وعلى الميدان، خلال الأسبوع الماضي.
إذ وضعت القيادة الفلسطينية في اعتبارها، ضرورة الحفاظ على وحدة الحركة وتماسكها، في ظل تعثر استحقاقات سياسية مرتبطة بعملية التفاوض مع الجانب الإسرائيلي.
كما أنها تأتي كخطوة استباقية لاحتواء تذمّر الشارع الفلسطيني، الذي كان يطالب بالمصالحة بين "فتح" و"حماس" وأصبح الآن يخشى من انقسام في صفوف فتح، وما يترتب عليه من تدهور أمني، خاصة بعد وقوع اشتباكات بالرصاص الحي في مخيم قلنديا، شمال القدس المحتلة.
ويراقب الفلسطينيون السجال داخل "فتح" على قنوات التلفزيون الفلسطينية والمصرية، فيما كانت الوحدات الإسرائيلية الخاصة تنفّذ عمليات اعتقال واغتيال في مناطق السلطة.
واقتحمت قوات خاصة إسرائيلية مخيم جنين واغتالت، صباح السبت، القيادي في كتائب الشهيد عز الدين القسام حمزة أبو الهيجا، نجل القيادي في حماس الأسير جمال أبو الهيجا، وبرفقته مقاومان هما محمود أبو زينة ويزن محمد جبارين.
والعامل الأبرز والأهم، في نظر المراقبين، الذي دفع عباس إلى قبول وقف التراشق، مع الاحتفاظ بالموقف نفسه من عدم المصالحة مع دحلان أو إقفال ملف التهم الموجهة إليه سواء بالضلوع في اغتيال مقاومين أو الوقوف وراء اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، يعود إلى ضغوط إقليمية.
ويحظى دحلان، الذي يشغل منصب مستشار ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، بدعم إماراتي ـ مصري ـ سعودي، وتقول مصادر مطلعة إن ضغوطاً مباشرة من البلدان الثلاثة دفعت عباس إلى التراجع عن قرار المضيّ في "فضح" دحلان.
وتحتاج السلطة الفلسطينية من أجل توفير التزاماتها المالية، إلى دعم سعودي وإماراتي سنوي، إضافة إلى دعم قطري ومن دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.
وكانت الإمارات أوقفت، قبل عامين، دعمها لميزانية السلطة الفلسطينية من أجل الضغط على عباس لقبول المصالحة مع دحلان، وتنصيبه نائباً للرئيس.
المكانة التي يتمتع بها دحلان في الدول الثلاث، ناجمة أيضاً عن دوره وموقفه من جماعة الاخوان المسلمين. ولذا لا يستبعد محللون أن الميزان الإقليمي قادر على ترجيح كفة دحلان من دون أي اعتبار لعوامل فلسطينية داخلية.
واستطاع دحلان، المدعوم من الإمارات على وجه التحديد، أن يقيم شبكة من الموالين له داخل الأراضي الفلسطينية مستغلاً الأموال التي أُمدّ بها.
وفي هذا السياق أيضاً، كان نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، موسى أبو مرزوق، قد أكد في تصريح صحافي أن حركته تنأى بنفسـها عن خلافات حركة "فتح" الداخلية. وقال إن "الجهد الذي يجب أن يُبذل هو في خروج فتح من خلافاتها بوحدة صفّها مع مصالحة وطنية مع الآخرين".
وكانت "حماس" سمحت لقيادات مقرّبة من دحلان، هم ماجد أبو شمالة، وسفيان أبو زايدة، وعلاء ياغي، بالعودة إلى غزة. ويرى مراقبون أن موقف حماس من دحلان، يرتبط بالموقف من القاهرة، وهناك مَن يقدّر أن الحركة لا تريد مزيداً من المتاعب مع الحكومة المصرية الحالية، الداعمة لدحلان أيضاً، وتسعى من خلال عدم التضييق على أنصار دحلان إلى محاولة منع مزيد من التضييق المصري على أهالي القطاع ليس أكثر.