على وقع الضغوط الأميركية المتصاعدة لإجبار تركيا على خرق قوانينها الوطنية والإفراج عنوةً عن القسّ أندرو برانسون المتهم بالإرهاب والتجسّس، تشتد الحملة الواسعة التي تتعرّض لها تركيا بأدوات مالية واقتصادية.
في السياق، تبرز تقارير إعلامية أجنبية، وجديدها من "بلومبيرغ"، تتناول الاستحقاقات الداهمة التي تنتظر المصارف التركية، في مقابل تأكيد كبار مسؤولي البلد بأن البنوك متينة وأن الحكومة جاهزة للتدخل عند الضرورة.
يشير تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، يوم الثلاثاء، وأعدّته جاكلين بوه بالتعاون مع سلجوق جوكولوك، إلى أن تراجع العملة قد يؤدي إلى ارتفاع التكلفة السنوية للقروض المصرفية المجمّعة، وأن هذه القروض ستكون بمثابة اختبار لقدرة تركيا على الاستفادة من مصادر الإقراض الخارجية لاحقاً.
المصارف المعنيّة
سيتعيّن، بحسب "بلومبيرغ"، على ما لا يقل عن 9 بنوك إتمام قروض مجمّعة سنوية بالدولار الأميركي بحلول نهاية العام، تاركة القليل من الوقت والخيارات أمام قطاع مصرفي يعتمد بشدة على التمويل الخارجي، لإبرام صفقات غالباً ما تشمل العشرات من المصارف العالمية.
وفي طليعة هذه البنوك يأتي "Akbank Turk AS"، و"Turkiye Is Bankasi AS"، و"بنك ائتمان الصادرات" ECB المملوك للدولة، باعتبار أنها لم تُنجز بعد صفقات تمّت في يوليو/تموز الماضي، قبل أيام من بدء الأزمة المستجدة.
ويعتقد معدّ تقرير "بلومبيرغ" أن القروض المصرفية هذه ستشكل اختباراً رئيسياً لقدرة تركيا على الاستفادة من أسواق الديون الخارجية، على ضوء العقوبات الأميركية التي أدّت إلى تخفيف زخم الاقتصاد، ودفعت بالليرة إلى تسجيل مستويات قياسية الانخفاض، ودفعت عائدات السندات السيادية التي تستحق في مارس/آذار إلى نحو 9%.
وكانت الأزمات المحلية قد فرضت سابقاً تنازلات في أسعار الفائدة من جانب البنوك التركية، التي اقترضت على الأقل مرّة أو مرّتين سنوياً من المجموعة ذاتها من المقرضين الأجانب، على مدى عقود.
محلل الائتمان في مؤسسة Alliance Bernstein"، أوكان أكين، يتوقع أن ترتفع فوائد القروض، إذ، برأيه، من المنطقي أن يُعاد تسعير كل أصل من الأصول التركي بما يعكس المستجدات الجديدة في السوق.
وعادةً ما تحصل البنوك الوطنية على قروض بالدولار لأن أسعار فائدتها تقل عن فوائد سوق الليرة. إلا أن الشركات المحلية التي تقترض هذه الأموال تواجه بعد ذلك مخاطر مرتبطة بسوق صرف العملات، إذ يتعيّن عليها أن تستخدم إيرادات تحصّلها بالليرة لسداد ديون اقترضتها بالدولار.
جهوزية حكومية للتدخل
لقد سوّقت بنوك Akbank وIsbank وCredit Credit Bank، جميع القروض بفوائد لا تزيد عن 165 نقطة أساس (1.65%) فوق المعدلات المعيارية قبل بدء الأزمة الجديدة، بما في ذلك هامش يصل إلى 130 نقطة أساس (1.3%) لالتزامات الدولار، وفقاً لـ"بلومبيرغ".
ومنذ ذلك الحين أضرّت أزمة القسّ الأميركي بالأصول التركية، حيث تضاعفت تكلفة التأمين على ديون Akbank لمدة 5 سنوات، منذ نيسان/أبريل الماضي إلى 684 نقطة أساس (6.84%)، وفقاً لبيانات هيئة أسواق المال.
وقال ألبيرق في المقابلة: "عندما ننظر إلى الأمر من خلال ميزانيات البنوك وجميع قنوات الائتمان خلال الفترة، فليس هناك ما يهدّد القطاع المصرفي فيما يخص (أسعار) الصرف والعملة".
لكن تقرير "بلومبيرغ" يشير إلى البنوك المعنية قد تضطر للحصول على دعم من الحكومة أو من البنك المركزي في حالة "الإنكشاف المطوّل" لسوق الجملة، أو في حالة "التخلص من الديون المادية"، حسبما أفادت وكالة "موديز" في مذكرة بتاريخ 28 أغسطس/آب المنصرم، عندما خفضت تصنيف 20 شركة مؤسسة مالية تركية.
غير أن المسؤولين الأتراك أجابوا سلفاً عن هذا السؤال، عندما أكد وزير المالية في 16 أغسطس/آب الماضي، أن الحكومة لن تتردد في توفير الدعم للقطاع المصرفي الذي وصفه بالقادر على التعامل مع التقلبات الحالية، مشيراً إلى عدم حدوث نزوح كبير للودائع عن البنوك في الآونة الأخيرة.
وفي مؤتمر بالهاتف مع المستثمرين، بحسب "رويترز"، قال ألبيرق إن تركيا اتخذت بالفعل إجراءات لفرض قيود على تمويل معاملات الصرف الأجنبي وإن الشركات في وضع يؤهلها لأداء التزاماتها المالية في المدى القصير.
توقعات أكثر إشراقاً
وبما يشير إلى قدرة تركيا على تجاوز المحنة الحالية "المختلقة"، قال وزير المالية، آنذاك، إن تركيا تتفهم تماما وتدرك جميع التحديات الداخلية التي تواجهها وإنها ستخرج أقوى من أزمة تقلبات سوق العملة، وإنها تتعامل الآن مع الوضع غير المألوف في السوق، مضيفاً أن لديها قطاعاً مصرفياً سليماً وقوياً.
وكان لدى البنوك التركية حوالي 186 مليار دولار من التمويل بالعملات الأجنبية في يونيو/حزيران الماضي، أي ما يعادل 75% تقريباً من إجمالي "تمويلات الجملة"، وفقًا لمؤسسة "موديز". وبالتالي، ستحتاج البنوك إلى إعادة تمويل 77 مليار دولار من القروض المجمّعة و"سندات الجملة" المقوّمة بالعملة الأجنبية، أو 41% من إجمالي تمويل السوق، خلال العام المقبل.
ومع ذلك، تلفت "بلومبيرغ" إلى أن الأزمة في تركيا ستكون مصدر مخاطر على المصارف الأوروبة التي لديها استثمارات في البنوك المحلية، بما فيها: Banco Bilbao Vizcaya Argentaria SA، وBNP Paribas SA، وUniCredit SpA، وING Groep NV، علماً أن BBVA يحصد 14% تقريباً من أرباحه عبر حصّة يمتلكها في المصرف التركي Turkiye Garanti Bankasi AS.
بيد أن تقرير "بلومبيرغ" ذاته ينقل عن المحلل الائتماني في Jupiter Asset Management اللندنية، رضا كريم، تأكيده أن تركيا كانت لديها دوماً القدرة على تخطّي الأزمات السياسية وجمع الأموال. إلا أن التصعيد المستمر بين أنقرة وواشنطن لا يشي بأن المشكلات الاقتصادية سوف تهدأ قريباً في المدى المنظور.
إنما بالإجمال، تتصف تصريحات المسؤولين الأتراك بقوّة الموقف وتفاؤل بانفراجات قريبة، ومنها ما نقلته صحيفة "حريّت" عن الرئيس رجب طيب أردوغان، اليوم الأربعاء، من قوله إن معدل التضخم القابع حالياً في خانة العشرات، سيتراجع من جديد إلى خانة الآحاد، وإن تركيا ستتجاوز هذه الفترة، رغمكل الضغوط.
وبحسب وكالة "رويترز"، أظهرت بيانات رسمية أن معدل التضخم قفز إلى 17.9% على أساس سنوي في أغسطس/آب بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ليسجل أعلى مستوى له منذ أواخر 2003، لكن البنك المركزي أفاد بأنه سيتخذ الإجراءات اللازمة لمواجهة المخاطر التي تهدّد استقرار الأسعار.