يبدو أن وصول القوات اليمنية التابعة للسلطة الشرعية بقيادة "التحالف العربي"، إلى مسافة 20 كيلومتراً فقط من مدينة الحديدة، على البحر الأحمر، يحصل بموافقة أميركية حاسمة، بحسب مصادر مقربة من الشرعية مقيمة في الرياض، وتحدثت مع "العربي الجديد" عن وجود تحول في المواقف الدولية الداعمة للتحالف العربي في ما يتعلق بتنفيذ معركة استعادة محافظة الحديدة. والضوء الأخضر الأميركي، بحسب المصادر، يسمح بالسيطرة على ميناء الحديدة الاستراتيجي، وكذلك ميناء الصليف في الشمال الغربي لمدينة الحديدة، وميناء رأس عيسى الذي يبعد حوالي 60 كيلومتراً شمال الحديدة، بهدف الوصول إلى منطقة ميدي الساحلية في محافظة حجة والسيطرة على الميناء والجزر البحرية هناك.
وتسارعت وتيرة المعركة التي انطلقت في منتصف مايو/ أيار الماضي، وتمكنت قوات الشرعية خلالها من قضم مساحات واسعة على امتداد المناطق الساحلية المتصلة من المخا، غربي تعز، وصولاً إلى منطقة الطائف الساحلية، وهي إحدى قرى مديرية الدريهمي التي تمثل البوابة الجنوبية لميناء ومدينة الحديدة، متجاوزة عشرات المناطق السكنية المتناثرة والمحاذية للمناطق الساحلية والتي كان الحوثيين يعولون عليها في تحويلها إلى دروع بشرية.
ويقول المحلل السياسي صلاح الأديمي، إن معركة السيطرة على الحديدة "لن تكون سهلة وتحتاج إلى وقت طويل". ويضيف في حديث مع "العربي الجديد"، أن الواقع الميداني لمسار المعارك "يشير إلى تمركز القوات المشتركة (الشرعية والسعودية والإماراتية) في مناطق الساحل، بينما تتموقع قوات الحوثيين في مناطق الداخل، وذلك يعني أن الشريط الجغرافي الممتد من مديرية الجراحي، جنوبي غرب الحديدة، حتى مشارف مدينة الحديدة، وهي المساحة الجغرافية التي يتركز فيها ما يزيد عن مليون نسمة، سوف تصبح مسرحاً لعمليات عسكرية مستعصية، إضافة إلى أن القوات الحوثية تعمل على ترتيب صفوفها العسكرية والتركيز على المرتفعات المحيطة بمدينة الحديدة والتحصن فيها، ما يعني إطالة أمد المعركة واستنزاف قوات الشرعية والتحالف العربي".
ويلفت الأديمي إلى أن جماعة الحوثي "تراهن في هذه المعركة المصيرية على التحولات التي ستحدثها معاناة الناس من استمرار الحرب، لا سيما إذا استمر الأداء السيئ للحكومة الشرعية ونقلت تجربة عدم قدرتها على إقامة نموذج جاذب للدولة في المناطق المحررة".
في المقابل، يرى المحلل سمير الحكيمي أن جماعة الحوثي تدرك تماماً ما تمثله محافظة الحديدة وميناؤها لها من مركز مالي واقتصادي فضلاً عن النفوذ العسكري في خارطة السيطرة الميدانية، والذي ينعكس في مقعد المفاوضات السياسية المرتقبة. كما تدرك الجماعة أن إنهاء سيطرتها الكاملة على محافظة الحديدة سوف يغلق أمامها أهم منافذ وصول الأسلحة والموارد المالية التي تحصل عليها من جمارك الميناء والتي تصل إلى ثلاثة مليارات ريال يمني في الشهر الواحد، فضلاً عن عائدات الضرائب لمحافظة تجارية وصناعية، وكذلك الموارد المالية التي تجبى من تجار المحافظة باستخدام سلطة الأمر الواقع.
ويتوقع كثيرون أنه تحت مبرر المخاوف على المدنيين، قد يحدث تدخل دولي (من دول تدعم التوازن في الملف اليمني) في آخر لحظة، وقد تتدخل الأمم المتحدة لإيقاف المعركة من باب تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وإطلاق مقترحات تتعلق بمحافظة الحديدة، التي تبعد عن صنعاء حوالي 226 كيلومتراً. ويشير مراقبون إلى أن مقترحات المبعوث الخاص للأمم المتحدة السابق في اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، التي طرحها في سبتمبر/ أيلول 2017، لتفكيك أجزاء الأزمة اليمنية، والتي تتعلق بالمحافظة وتدويل ميناء الحديدة خصوصاً، قد تعود للواجهة من جديد، كون القبول بها والالتزام بتنفيذها سوف يؤدي الى تجنب الخسائر البشرية والمادية والإنسانية للعمليات العسكرية.
وتأتي معركة محافظة الحديدة قبل انعقاد جلسة مرتقبة لمجلس الأمن بشأن اليمن في السادس من يونيو/ حزيران المقبل، سيقدم فيها المبعوث الأممي لليمن مارتين غريفيث، إحاطته وإطار المفاوضات الذي وعد بتقديمه. وقد يواجه المبعوث الأممي الجديد صعوبات بانتزاع قبول للإطار المصمم للتفاوض بين الأطراف اليمنية والذي تحدث عنه في وقت سابق، خصوصاً إذا ما حدثت متغيرات على الأرض. ففي حال نجاح الشرعية في السيطرة على الحديدة، فإن الحكومة الشرعية والتحالف يرجح أنهما لن يقبلا الإطار التفاوضي.
وكان وزير الخارجية اليمني الجديد خالد اليماني، وهو الممثل الأسبق لليمن في الأمم المتحدة، قد قال أخيراً في حوار تلفزيوني، إن تسليم الحوثيين للصواريخ البالستية وضمان أمن حدود السعودية هو الأهم في المرحلة المقبلة. كما غرّد اليماني في "تويتر" أن "الطرف الانقلابي بات في وضع صعب وأصبح متقبلاً لأي حلول سياسية تحت أي شروط"، لافتاً إلى أن "الأمم المتحدة تلقت رسائل من الحوثيين تفيد بأنهم أصبحوا جاهزين لعملية السلام والانسحاب من المدن وتسليم السلاح للدولة". ولم تعلق جماعة أنصار الله على هذا التصريح حتى ظهر يوم أمس.