يفتتح طارق الإدريسي فيلمه الوثائقي الجديد "ريف 59/ 1958 كسر حاجز الصمت" (عرض أمس الأول في مهرجان وهران السينمائي) بعبارة على لسان أحد الناجين من أحداث "انتفاضة الريف" التي وقعت نهاية الخمسينيات من القرن الماضي. يقول الشاهد: "شكراً على المقابلة، ولكن قبل أن أبدأ اسمح لي أن أبكي قليلاً".
كان الفيلم مُنع في المغرب لدى ظهوره، قبل أن يتم السماح بتداوله تحت ضغط مثقفين وحقوقيين مغربيين، وها هو ينافس حالياً على جائزة "الوثائقي" ضمن "مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي"، التي يعلن عنها في اختتام المهرجان الجزائري الجمعة.
على مدى 75 دقيقة، يبحث الإدريسي في مرحلة ملتبسة من تاريخ المغرب الحديث بُعيد الاستقلال، وما تلاها من سياسات النظام لإحكام سيطرته على مناطق مختلفة من البلاد، منها منطقة الريف التي شهدت انتفاضة سكانها ضد ممارسات النظام بحقهم، والتي طالبت وقتها بمجموعة من البنود كان منها: جلاء القوات الأجنبية عن المغرب، وتشكيل حكومة شعبية، واختيار الموظفين المدنيين من السكان المحليين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
مرحلة لم توثق، وظلّت محكومة بشُح المصادر، إذ عمل النظام على طمسها من الذاكرة الجماعية، الأمر الذي دفع الإدريسي إلى الاعتماد على شهادات ضحايا وأناس ما زالوا على قيد الحياة عايشوا تلك المرحلة التي شهدت أحداث قتل وتهجير واغتصاب، إضافة إلى اعتماده على مداخلات مؤرخين وحقوقيين حول تلك الأحداث.
يعرض الفيلم عدة روايات تتعلق بأحداث "انتفاضة الريف" والجهات الحقيقية التي تدخلت فيها، إذ لم تكن انتفاضة شعبية بشكل خالص؛ بل يذهب إلى القول إن النظام نفسه هو من دبّر الانتفاضة كي يُحكم سيطرته على مناطق الريف.
فنياً، اعتمد المخرج على عدة عناصر كي يبتعد عن رتابة الشريط الوثائقي التقليدي، فإلى جانب الشهادات، وظّف بعض الرسومات التي لعبت دوراً موفقاً في شد انتباه المتفرج، إضافة إلى بعض المشاهد من أرشيف استقلال المغرب. بينما لم يكن موفقاً في اختيار الموسيقى المصاحبة، إذ سيطر عزف بيانو منفرد على فيلم تدور أجواؤه في الريف المغربي.
أمّا مشهد الفيلم الأخير الذي أعاد به المخرج عرض صور الشهود التي كانت قد ظهرت سابقاً، فقد ترك شعوراً بأنها زائدة.
يذكر أن "ريف 59/ 1958 كسر حاجز الصمت" هو الفيلم الوثائقي الثاني للإدريسي؛ بعد "أرهاج" 2008، الذي تناول فيه قصف الجيش الإسباني للمغرب بالغازات السامة في العشرينيات.