لم يكن السوريون والعراقيون وغيرهم، ينوون في يوم مغادرة بلادهم. لكن الاستبداد والقتل والاضطهاد دفعهم إلى مغامرة غير مضمونة النتائج. ويعرف سياسيّو دول الاتحاد الأوروبي أن هؤلاء هم طالبو لجوء وليسوا مهاجرين اقتصاديين. هذه حال فرنسا.
"فرنسا بلد كبير للهجرة ولكنها ليست بلد لجوء". هذا ما يؤكده المتخصّص في شؤون الهجرة فرنسوا إران. ويشرح مدير الأبحاث في المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية أن فرنسا "لا تقبل إلا 16 إلى 18 في المائة من طلبات اللجوء، وهي نسبة ضئيلة بالمقارنة مع دول أوروبية أخرى". السويد والدنمارك على سبيل المثال، تقبلان 45 في المائة من طلبات اللجوء.
وإران الذي يملك مؤلفات عديدة حول الموضوع، من بينها "زمن المهاجرين: دراسة حول مصير الساكنة الفرنسية" و"لنتحدث عن الهجرة في 30 سؤالاً"، يوضح أن "في الحالات العادية، ثمّة شروط وإجراءات يجب اتباعها والخضوع لها، وتتلخص في التوجّه إلى مديريات الشرطة لتقديم طلب الإقامة. وحين يُقبَل الطلب، يتوجب حينها التوجّه إلى المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية. هو مسار ضروري لكل طالب لجوء، بالغاً كان أم حدثاً.
ويمكن للإدارة الفرنسية رفض قبول الطلب لأسباب عديدة، منها أن طلب اللجوء يرتبط بدولة أوروبية أخرى، وذلك تطبيقاً لقانون "دبلن 2". وفي السياق، التقت "العربي الجديد" بسوريين رفضت طلباتهم بسبب تسجيل دخولهم في دول أخرى كإسبانيا وإيطاليا. يقول سمير وهو سوري وصل إلى فرنسا عن طريق إسبانيا، "أخطأت في تسجيل دخولي في إسبانيا، والقانون الأوروبي يفرض عليّ العودة إلى هذا البلد لطلب اللجوء هناك". هو يرفض العودة، لأن رفاقه وبعض أفراد عائلته موجودون في فرنسا وبلجيكا، لكنه في الوقت نفسه غير قادر على تقديم طلب لجوء جديد، ففرنسا لا تتهاون في تطبيق القانون. صحيح أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل استثنت السوريين لبعض الوقت من هذا الشرط الأوروبي، إلا أن ذلك قرار سيادي ألماني، لم تلتزم به دول أوروبية أخرى.
إلى ذلك، من الممكن رفض طلب اللجوء إذا كان طالبه يحمل جواز سفر بلد لا يعدّه "المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية" مدرجاً على قائمة الدول التي تضطهد اللاجئين. ويمكن رفض منح اللجوء أيضاً، لكل شخص تعدّه فرنسا تهديداً للنظام العام أو لأمن الدولة. وأيّ طلب تشتم فيه رائحة خداع وكذب، يرفض كذلك.
في الحالات الثلاث الأخيرة، يمكن لطالب اللجوء الذي رُفض طلبه، التوجه إلى "المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية"، في فترة أقصاها 15 يوماً.
ويوضح المكتب أن الفترة الزمنية التي يتوجب على طالب اللجوء انتظارها، هي ستة أشهر. لكن قليلين فقط سُوّيت أوضاعهم في هذه الفترة. وقد التقت "العربي الجديد" سوريين سبق وقدّموا طلبات، وما زالوا ينتظرون منذ سنة وبعضهم منذ أكثر من سنة. صحيح أن ثمة من حصل على موافقة بعد ستة أشهر، لكن وكما أوضح لنا مستشار قانوني يعمل مع منظمات إنسانية وخيرية عديدة، فإن "الظروف التي تعرفها فرنسا استثنائية، والطلبات في الفترة الأخيرة تفوق ما عرفته البلاد من قبل".
اقرأ أيضاً: المهرّب المجري الذي أعاد المال للمهاجرين
ويكشف عدد من السوريين والعراقيين الذين التقت "العربي الجديد" بهم، الظروف الصعبة التي واجهوها في أثناء معالجة ملفاتهم للحصول على اللجوء. ويرى هؤلاء أن الفرق كبير ما بين صورة طفلة لاجئة يبتسم لها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وتنشر في وسائل الإعلام، وبين موظفين ينظرون إلى طالبي اللجوء كما لو أنهم كاذبون وغشاشون. وهو ما يدفع المحامي الفرنسي كلود كوتاز الذي يهتمّ بهذه القضيّة والمستشار البلدي عن الأكثرية البيئية التي تدير شؤون مدينة غرنوبل، إلى القول إن "الصراعات ما زالت متواصلة والبؤس قائماً، ومن المتوقع أن نشهد موجات هجرة جديدة. هؤلاء هم أناس يجب استقبالهم بما يحفظ كرامتهم، وليس التمييز بينهم على أساس من هو صالح ومن غير ذلك". وينتقد الطريقة الفرنسية الصارمة في استقبالهم: "نحن أمام طالب اللجوء نفسهم الذين تستقبلهم السويد أو النرويج".
ولا شك في أن ظروف 24 ألفاً من طالبي اللجوء الذين قبلت فرنسا استضافتهم في إطار "المحاصصة"، سوف تكون أفضل من ظروف مهاجرين تقطّعت بهم السبل في فرنسا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، أو الذين يتوقون إلى بلوغ الشواطئ البريطانية.
وهذه الظروف مختلفة على كل الأصعدة، إذ إن الإقامة مضمونة وكذلك إلحاق الأطفال بالمدراس والتغطية الصحية مؤمنة، في حين يحصلون سريعاً على أوراق ثبوتية تسمح لهم بالتنقل في انتظار الحصول على حق اللجوء. وهذا الحق بحسب مسؤول في الصليب الأحمر الفرنسي يرافق هؤلاء الوافدين الجدد، يمنح لهم في فترة تتراوح ما بين شهرين وأربعة أشهر. كذلك، من يقبل طلبه، يسمح له بجلب عائلته وأبنائه، أي لمّ الشمل.
والقرار الفرنسي يقضي باستقبال 24 ألف لاجئ في غضون سنتين. وهو رقم ضئيل جداً إذا ما قارناه بما تستقبله ألمانيا ودول أخرى أو بعدد بالوافدين الجدد. تدفق المهاجرين لم يتوقف. ويقول هنا مسؤول الإغاثة الإسلامية في فرنسا محي الدين خلادي لـ "العربي الجديد"، إنه "في حال أغلقت دولة المجر حدودها بشكل صارم ونهائي، سوف يبحث اللاجئون عن ثغرات جديدة ودول عبور أخرى، ولعلّ كرواتيا من بينها".
تجدر الإشارة إلى أن وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف وجّه رسالة إلى رؤساء بلديات فرنسا، تتضمن طلب توفير 11 ألف مكان إضافي في مركز إيواء طالبي اللجوء. وهو رقم لا يكفي لاستيعاب العدد الذي قبلت فرنسا استضافته، خصوصاً إذا علمنا أن هذا المركز أصبح غير قادر على استقبال أحد.
ويُطرح هنا سؤال حول كيفيّة تعاطي فرنسا مع المهاجرين طالبي اللجوء الذين قد ترفض طلباتهم، إذ لا تنطبق عليهم شروط القبول ولا يندرجون في "حصة" فرنسا. إذا استثنينا أحزاب اليسار (ما عدا الحزب الاشتراكي) والمنظمات الإنسانية والخيرية، فإن الحلّ بحسب الإدارة السياسية وأحزاب اليمين يكمن في ترحيلهم إلى الدول التي وصلوا إليها بداية، أي إيطاليا واليونان وإسبانيا (بدرجة أقل).
اقرأ أيضاً: سوريو فرنسا.. أمل بالانتقال إلى ألمانيا أو بلجيكا