اقرأ أيضاً: إيران والإعلان عن قتلاها بسورية: تنافس مع الروس؟
وفي الوقت الذي تبدي فيه الحكومة الإيرانية مرونة أكثر تجاه الغرب، فإن قدوم بوتين ومستوى لقاءاته بأرفع المسؤولين الإيرانيين يعني أن ملف العلاقات مع موسكو، الذي ينعكس على أبرز الملفات الإقليمية التي تعني إيران بشكل مباشر، بات استراتيجياً.
يبدو التقارب والتوافق واضحاً بين طهران وموسكو إزاء عدد من القضايا، ولاسيما الملف السوري. ومنذ العام 2011، زادت التوقعات بتعزيز التعاون بين البلدين، وخصوصاً أن عدم الاستقرار في سورية، يعني احتمال تصاعد تهديد المجموعات المتشددة التي ستنقل نشاطها عن طريق الشيشان ومناطق القوقاز الشمالية إلى روسيا، وهذا بالدرجة الأولى يهدد مصالحها، كونه يهدد أيضاً استخراج 40 مليون برميل من النفط من بحر قزوين، بحسب الرؤية الروسية.
ومع تطور الأوضاع وتصاعد حدتها، باتت سورية منطقة صراع بين القوى الإقليمية والدولية، ولا يمكن تجاهل أن روسيا تقف في جبهة مقابلة للولايات المتحدة الأميركية التي ضغطت وماتزال تضغط على موسكو بسبب الملف الأوكراني. وفي الوقت الذي تحول فيه المشهد للعبة صراع ونفوذ إقليمي وتوازنات، لا يمكن لإيران أن تبتعد عن هذا الحليف الذي استطاع التدخل عسكرياً وبشكل معلن في سورية الحليف الاستراتيجي للبلاد، ولذا ستعمل طهران على التركيز على علاقاتها مع الجانب الروسي في الوقت الراهن حتى بحال وجود اختلافات بسيطة وغير معلنة.
ويقول في مركز دراسات إيران وآسيا المركزية والقوقاز شعيب بهمن، لـ"العربي الجديد"، إن زيارة بوتين تبحث مساءل مختلفة على عدة مستويات، أولها مستوى التعاون الثنائي، إذ يعمل الطرفان على رفع مستوى علاقاتهما لتصبغ بصفة العلاقات الاستراتيجية، وهذا سيكون ممكناً بتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي وزيادة التنسيق الأمني والعسكري.
أما على المستوى الإقليمي، فالملفات كثيرة، منها ما يتعلق ببحر قزوين ومنطقة القوقاز، فضلاً عن مواجهة التهديدات المشتركة في المنطقة، والحرب في سورية، وحتى في العراق، والتي تعني لكليهما الصمود بوجه معسكر آخر تقوده الولايات المتحدة، حتى في ظل حدوث تقارب بين رؤى الطرفين والرؤية الغربية فيما يتعلق بسورية.
ويرى الباحث في حواره مع "العربي الجديد" أنّ النظام الدولي بدأ بالتحول من نظام أحادي القطبية تقوده الولايات المتحدة، إلى نظام متعدّد الأقطاب إقليمياً ودولياً، ولا يمكن لموسكو أن تتجاهل الأمر، وطالما أن إيران تتقارب معها، فهذا يعني التنسيق المستمر بلا شك، وهو تنسيق أمني وعسكري، بحسب قوله.
أما عن مستقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد، فقد أشار بهمن إلى أنّ الأولوية الآن تتعلق بالضغط تجاه حلحلة المشكلة سياسياً، والمرحلة التالية تتعلق بالمستقبل السوري. وفي الوقت الحالي، تعمل طهران وموسكو على الاستفادة من توجه المجتمع الدولي نحو تركيز أكبر على حلّ المشكلة السورية، وهذا بعد تصاعد وتيرة التهديدات الإرهابية التي طاولت الغرب نفسه.
وكان قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، قد علّق في وقت سابق على الضربات الجوية الروسية لمواقع في سورية، واصفاً موسكو بالرفيق الشمالي الذي يلاحق مصالحه هناك.
وفي هذا السياق، يقول رئيس تحرير صحيفة "الوفاق" الإيرانية، مصيب النعيمي، إنه من الطبيعي أن يتحرك كل طرف وفق مصالحه الإقليمية والدولية، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار وجود تقاطعات في المصالح التي تتطلب الإبقاء على توازن معين إقليمياً.
ويعتبر نعيمي أن زيارة بوتين، الأولى له إلى طهران منذ 2007، تأتي في سياق توسيع دائرة الأطراف الأربعة، التي تشمل روسيا، إيران، العراق وسورية، معرباً عن أن التنسيق مستمر منذ فترة عبر زيارات متبادلة بين مندوبين من البلدين، يبحثان خلالها مواضيع أخرى غير الملف السوري ومنها ملف اليمن، ما يعني محاولة التوجه مستقبلاً نحو جبهة مواجهة أكبر، تكون فيها طهران وموسكو في صف واحد.
كما يشكل الاقتصاد قاعدة انطلاق ثابتة لتطوير العلاقات على مستويات أخرى، فرغم أن البلدين مصدران للطاقة في العالم، ويتنافسان في السوق العالمية، غير أن روسيا تحرص على الإبقاء على الشريك الاقتصادي الإيراني، خصوصاً بعد التوصل للاتفاق النووي، وهي تحرص على الإبقاء على حصتها من تبادلات إيران الاقتصادية، ولاسيما بعد انفتاحها أكثر على الغرب. وفي الوقت نفسه، تعمل طهران على تعزيز العلاقات مع موسكو في سبيل الإبقاء على الحلفاء الآخرين شأن الصين، وهذا بحال عدم تطبيق الاتفاق كاملاً، أو إعادة فرض العقوبات عليها. وتملك ايران احدى اكبر احتياطيات الغاز في العالم تقدر بـ33 مليون متر مكعب تتكدس بشكل أساسي في حقل فارس الجنوبي الواقع على بعد نحو مئة كيلومتر قبالة السواحل الايرانية في الخليج، وتتقاسمه مع قطر. كما تنتج ايران حالياً 173 مليار متر مكعب من الغاز سنويا مخصصة بشكل اساسي لسوقها الداخلي، بحسب ارقام وزارة النفط. ويقتصر التصدير على البلدان المجاورة مثل تركيا والعراق وأرمينيا.
أربعة عقود من العداء التاريخي والاختلاف الإيديولوجي بين روسيا وإيران، لم تمنع الشراكة بينهما كونها شراكة ضرورة في كثير من الأحيان، قد تتطور في المستقبل لتصبح شراكة استراتيجية. سبب التقارب بينهما حالياً واضح، فبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، انتقلت العلاقات بينهما إلى مستوى جديد، ولم تعد روسيا تلك الدولة التي تمثل تهديداً دائماً لإيران، وباتت الأخيرة الشريك الثالث عسكرياً لروسيا بعد الصين والهند، كما أنها شريك اقتصادي مميز ولاسيما على صعيد الطاقة النووية. وإذا كان اندفاع الطرفين نحو بعضهما البعض قد تعزّز بعد أزمة النووي وفرض عقوبات على البلاد، فإنّ الملفات الإقليمية الآن تجعل التقارب بينهما ضرورة قصوى.
اقرأ أيضاً: فيينا جديد اليوم: مناورات سياسية وميدانية بين جلستَي النمسا