منذ أزمة كورونا، ونحن نسمع أشياء غريبة. في شهر إبريل/ نيسان الماضي، رأينا سعر النفط يهبط إلى ما دون الصفر، حتى وصل إلى -27 دولاراً للبرميل.
أي أن من يملك ثروة، وهي النفط، يصل به الحال أن يعطيك النفط بدون مقابل منك، ويدفع لك فوقها 27 دولاراً لكي تأخذه عنه، وأصبح حامل النفط كحامل أسفار، لا يستطيع الاستمرار في حمله، ولا هو قادرٌ على التخلص منه إلا بثمن مرتفع.
أي أن من يملك ثروة، وهي النفط، يصل به الحال أن يعطيك النفط بدون مقابل منك، ويدفع لك فوقها 27 دولاراً لكي تأخذه عنه، وأصبح حامل النفط كحامل أسفار، لا يستطيع الاستمرار في حمله، ولا هو قادرٌ على التخلص منه إلا بثمن مرتفع.
وسمعنا أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ما يزال يضغط على البنك الاحتياطي الفيدرالي، من أجل أن يخفض سعر الفائدة دون الصفر.
وبمعنى آخر، المال الذي يقترضه المرء من المدخرين لا يدفع عليه فائدة أو أرباحاً، وإنما يقبض مبلغاً من المال. أي أن الإنسان يودّ التخلص من المال الذي بين يديه عن طريق إقراضه، ولكي يغري الآخرين باقتراضه، يدفع لهم مبلغاً من المال فوق القيمة الاسمية لمقدار القرض.
وبسبب هبوط أسعار الفائدة إلى ما يقارب الصفر، انتشرت ظاهرة "منحنى العائد المقلوب". أي أن الأوراق المالية في المدى القصير تعطيك مردوداً أعلى من المردود على الأوراق المالية طويلة الأجل.
وهذا الواقع مخالفٌ كلية للمبدأ الذي يقوم عليه هيكل أسعار الفائدة. أي أن الاستثمار في المدى القصير سريع، ومخاطره أقل، وإمكانية تسييله أسهل.
ولذلك يجب أن يحصل المستثمر في المدى القصير على مردودٍ أقل من المستثمر في الأوراق نفسها ذات المدى الأطول.
ولذلك هم يؤثرون المردود الأقل، لأنه ينطوي على مخاطرة أقل. وإذا أحجم المستثمرون عن وضع أموالهم في استثماراتٍ طويلة الأجل، فذلك يعني أن الاستثمار سيبقى قصير المدى، ومعظمه غير خالق للثروة الحقيقية.
وإذا واجهت الاستثمارات العربية في الدول الغربية والولايات المتحدة هذه الحالة، فهذا يعني أن المردود على استثماراتهم المالية سيكون منخفضاً أو ربما سالباً. وإذا احتاجوا إلى السيولة، خصوصا وأن أسعار النفط منخفضة، فإنهم سيبيعون موجوداتهم المالية بأسعارٍ متدنيةٍ حتى يتمكنوا، خصوصا الموازنات الحكومية، من سداد الالتزامات الملحّة، وسداد العجز. وهذا اسمه deleveraging.
أما الظاهرة الثالثة لعالم تحت الصفر فهي كثرة حالات الإفلاس المتوقع أن تحصل، في دول عربية كثيرة، للأعمال الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص.
ووفق إحصائيات البنك الدولي، نسبة العاملين لحسابهم الخاص إلى مجموع العمالة في الدول العربية تتراوح بين 0.4% في قطر وهي أقل نسبة إلى 70% في الجزائر.
وفي دول الخليج تبلغ أعلى نسبة في السعودية 4.8% عام 2019. أما باقي الدول الخليجية فتتراوح بين 1.7% - 3.5%. أما في خارج دول الخليج، فأدنى نسبة هي في الأردن 14.4%، وأعلاها في المغرب 51%.
وهذا يعني أن العمالة المواطنة في الخليج، والتي تعمل خارج القطاع العام تشكل نسبة متدنية من العمالة الوطنية.
وطالما أن موازنات الدول قادرة على دفع الرواتب، فهذا يعني أن عبء البطالة في حالة استمرار تراجع الاقتصادات وتدني عوائد النفط سيقع على العمالة المستوردة. أما في باقي الدول، فإن درجة الإفلاس في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ستقع في معظمها على كاهل العاملين في القطاع الخاص.
أمام هذا الواقع، فإن عالم الاقتصاد السالب في الوطن العربي سيعني تراجعاً في المداخيل وفي النمو الاقتصادي إلى ما دون الصفر، وانحساراً في الاستثمار الجديد، وتصفية للاستثمارات القديمة، وانكماشاً واضحاً في الطبقة المتوسطة.
كنا في الوطن العربي، حتى ربع قرن مضى، نسبح في بحر من الأمل بنمو مضطرد، وخلق لفرص العمل، وإنتاج للثروة، وبناء للخدمات والشركات. والآن، انقلب بنا القارب، فصرنا نسبح تحت الماء مع أسماك القرش، والكل يسعى إلى انتزاع ما تبقى على جسمنا من دهن.
وعلى الرغم من بشاعة هذه الصورة، يجب أن نعترف ونقر بأننا أضعف خلق الله في التفاوض الاستراتيجي. ففي عام 1974، لمّا تضاعف سعر النفط، ولعقد من الزمان، خلنا أننا أنصفنا أنفسنا من الغرب ومن العالم. وبدا الأمل مشرقاً في قدرتنا على بناء اقتصاد عربي ثابت ورصين.
أما الآن، فنحن نعيش في دنيا تحت الصفر. لقد انتزعت منا قدرتنا على مساومة العالم، حتى وصلنا إلى مستوى صرنا نبيع فيه ثروتنا الأساسية (النفط) مقابل ثمن بخس، وعوائد استثماراتنا وأصولها مهددةٌ بالتراجع إلى حد التصفية.
هذا الواقع الذي سنجد أنفسنا فيه بعد أزمة كورونا. ولو كان عند أي دولة قناطير مقنطرة من الذهب والفضة، فإنها إن لم تحدّد أولوياتها، وتتعاون مع جيرانها العرب، فإنها مرشّحة لفقدان هذه الأكوام التي ليس لها عليها إلا سيطرة محدودة.