لم يتوقف النظام المصري الحالي، منذ إطاحة الرئيس المعزول محمد مرسي، عن ارتكاب الجرائم والانتهاكات بحق رافضي الانقلاب، فضلاً عن معارضيه، بشكل واسع، وإن شكلت مجزرتا "رابعة العدوية" و"النهضة" ضد المعتصمين تأييداً لشرعية مرسي في 14 أغسطس/آب من العام 2013، التصعيد الأعنف يومها، بعدما أدى "الإفراط في استخدام القوة والعنف بحق مدنيين عزّل"، وفقاً للقانوني الدولي، إلى مقتل وجرح المئات.
ومنذ ذلك التاريخ، وحتى مع وصول عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم بعد أن كان قائداً للانقلاب باعتباره وزير الدفاع حينها، استمر النظام في عمليات تنكيل واسعة بحق المعارضين، ومنهم "التيار الإسلامي"، مطلقاً يد السلطات الأمنية لارتكاب جميع الانتهاكات.
لم يوفر النظام أي وسيلة ممكنة للتنكيل بمعارضيه من رافضي الانقلاب، من حملات الاعتقالات الممنهجة والعشوائية، إلى القتل على الهوية في وضح النهار خلال المسيرات الرافضة للنظام، حتى أنّه تعمّد الإهمال الطبي في السجون، والتوسع في التصفيات الجسدية بحق قيادات وشباب "التيار الإسلامي"، والتي تحولت إلى نهج مستقر لدى الأجهزة الأمنية المصرية، في ظلّ عدم وجود رادع لمثل هذه الجرائم.
توفي عدد كبير من المعتقلين السياسيين داخل السجون في ظلّ إهمال طبي متعمّد، كان آخرهم رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، عصام دربالة. وسبق أن تكرر السيناريو نفسه مع القيادي بـ"الجماعة" عزت السلاموني، فضلاً عن حالات كثيرة من المعتقلين وتحديداً كبار السن ممن يعانون أمراضاً مزمنة.
وفي ظلّ تجاهل تام للقوانين، بات النظام يقْدم بشكل كبير على التصفيات الجسدية، وهو أمر يعيد إلى الأذهان فترات سابقة في عهد الرئيسين الراحل أنور السادات والمخلوع حسني مبارك. وقتلت قوات الأمن عدداً من قيادات جماعة "الإخوان المسلمين" في الفيوم، بذريعة تورطهم في واقعة مقتل طفلة ضابط شرطة، خلال هجوم مسلّح على سيارته. وسبق تلك الواقعة، اقتحام رجال الأمن شقة ناشط سلفي يدعى مجدي بسيوني، وقتله بدم بارد في سريره، ومن ثم اصطحاب الجثة معهم. وقبلها، قُتلت قيادات جماعة "الإخوان" في مدينة 6 أكتوبر، عقب الادّعاء بتبادل إطلاق النيران مع رجال الأمن، بحسب وزارة الداخلية.
اقرأ أيضاً: التحالف يدعو المصريين إلى الانتفاضة يوم الجمعة لإسقاط الانقلاب
وفيما ينكل النظام بمعارضيه ويزج بالآلاف في السجون بتهم سياسية، يحاول أيضاً تعديل قوانين واستحداث أخرى، كي يتيح لنفسه مزيداً من القمع والقتل من دون حسيب أو رقيب، في ظلّ تجاهله للإجراءات القانونية التي تحدّ من تسلّطه على معارضيه.
ويرى منسّق حركة شباب "6 إبريل"، عمرو علي، أن "لا خلاف حول أنّ فضّ رابعة والنهضة كان مجزرة بكل المقاييس، لكن الوضع الحالي بشكل عام أصبح أسوأ". ويقول علي لـ"العربي الجديد"، إنّ "النظام الحالي توسّع في التنكيل بكل معارضيه بدرجة أكبر من سابقه المخلوع مبارك، في محاولة لتثبيت أركان نظامه"، مشيراً إلى أنّ "النظام الحالي يتّخذ من العنف نهجاً له لردع أي تحرك ضده، وإنْ كان القمع والانتهاكات يعجّلان من نهاية نظام السيسي". ويؤكد أن "شعبية السيسي تراجعت بعدما بدأ الناس يدركون حقيقة الأوضاع ووجود انتهاكات كبيرة وعمليات قتل واسعة، بالإضافة إلى أن البعض بدأ يعيد حساباته بشأن الموقف من رابعة".
ويلفت منسق حركة 6 إبريل، إلى أن "السيسي يمتلك أدوات إعلامية كبيرة تؤثر في الرأي العام، لكن تأثيرها بدأ يخف، لأن الناس بدأت تستدرك الأمور، وتعلم بحجم القمع والتنكيل". ويشدد علي على أن "التوسع في التصفيات الجسدية جريمة تضاف إلى النظام الحالي، بشكل يجعل منظومة القضاء هشة أمام سلطة وزارة الداخلية والإرادة التنفيذية"، معتبراً أنّ "العنف والقمع والظلم الواقع على الشباب، يدفع بعدد منهم إلى العنف. وهو أمر حذّرت منه قيادات إسلامية على مدار العامين، حتى لا تكون هناك ذريعة لتنكيل أكبر". ويشير علي إلى أن "النظام الحالي لا يمكنه العيش من دون أن يخلق لنفسه عدواً، وبالتالي يبرّر من خلاله أي انتهاكات تحدث".
من جهته، يقول الخبير الأمني العميد محمود قطري، إن "الأجهزة الأمنية متفرّغة تماماً لملاحقة الخصوم السياسيين والتنكيل بهم، من دون التركيز على الأمن بمفهومه العام". ويضيف قطري في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الجهاز الأمني في مصر بات مخلخلا. فهناك حالة فشل غير مسبوقة، كأن يتم معاقبة شخص وتصفيته جسدياً لا لتورطه في جريمة ما، إنّما لاتباع سياسة العقاب الجماعي والانتقام".
ويؤكد الخبير أنّ "العنف يولد عنفاً مضاداً، وهي قاعدة ثابتة وراسخة"، محذراً من لجوء الشباب إلى حمل السلاح مقابل القمع والتنكيل بهم من قبل الأجهزة الأمنية. ويشير إلى أنّ "استمرار الوضع كما هو عليه ينذر بكارثة كبرى مجهولة المصير"، موضحاً أن "الوضع القائم لا بد من أن يُحلّ بشكل سريع حتى لا ندرك الأخطاء في وقت لا ينفع فيه الندم".
ويدعو قطري "الأجهزة الأمنية إلى عدم اعتقال أو ضبط إلا المتورط في جريمة عنف"، محذراً من أنّ "الاعتقالات السياسية لن تدرّ نفعاً على النظام الحالي، بينما تزيد حالة السخط عليه". ولم يستبعد "وجود أطراف داخل النظام لا تريد شيئاً سوء الانتقام من التيار الإسلامي، وهو أمر يزيد من تعقيدات الأزمة الحالية".
اقرأ أيضاً مصر: حملة اعتقالات تستهدف المعارضين قبل ذكرى "رابعة"
من جهته، يقول محامٍ متابع لقضايا المعتقلين الإسلاميين، إن "مصر لم تشهد في فترات التوتر بين التيار الإسلامي والدولة وأجهزتها الأمنية على مرّ التاريخ، مثل الأزمة الحالية". ويضيف المحامي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن التعامل مع القضايا المنظورة أمام القضاء يكون سياسياً وليس قانونياً، حتى أنه لا يضاهى بفترات سابقة"، مشيراً إلى أنه "على الرغم من وجود اتجاهات سياسية في حينه، إلا أن القضاء كان يلتزم بالحد الأدنى من القواعد القانونية".
ويشير المحامي إلى أن "الإهمال الطبي في السجون تنكيل آخر حتى بعد اعتقال المعارضين"، مشدداً على أنّ هناك المئات يعانون من أمراض مزمنة، وفي حالة عدم الحصول على الأدوية سيلقون مصير الموت أو تدهور حالتهم الصحية أكثر مما هي عليه.
ويشدد المحامي على أن التصفيات الجسدية والانتهاكات التي تنفّذها الشرطة والاعتقالات والتعذيب داخل أقسام الشرطة غير مسبوقة، في ظل عدم وجود رأي عام يمكن أن يضغط على النظام الحالي للتراجع عن تلك السياسات. ويؤكد أن "النيابات والمحاكم باتت جزءاً من وزارة الداخلية وتعمل وفق متطلبات الأمن الوطني، ولا يمكن تمرير شيء أو السماح بزيارة، إلّا بموافقة الأمن الوطن".
أمّا القيادي في "الجبهة السلفية"، مصطفى البدري، فيعتبر أنّ "النظام المصري الحالي قمعي"، وأنّ "التنكيل والقتل والاعتقالات هي طبيعة الأنظمة القمعية". ويضيف البدري لـ"العربي الجديد"، أن "النظام يريد الانتقام حتى اقتلاع فكرة الثورة من جذورها ولا يبقى لها أثر في نفس أي مصري".
ويلفت إلى بعد آخر في الأزمة الحالية، يكمن في العداء التاريخي بين النظام الحالي وبين "الحركة الإسلامية"، وهو ما يدفعه إلى سفك دماء قادة وشباب الحركة حتى لا يفكروا مرة أخرى في الوصول إلى سدة الحكم بسبب الضريبة الباهظة لهذه الجرأة. ويشير إلى أن سلوك النظام الحالي "سيؤدي إلى عدم تفكير عموم الشعب المصري وخصوصاً الشباب بأي حل سياسي، ولن يكون أمامهم إلا الحلول المسلّحة، وستنمو روح الانتقام عند أبناء وأهالي الضحايا لينتقموا لذويهم بأيديهم، وهذا خطر كبير".
اقرأ أيضاً: كيف شحن الجيش جنوده لقتل معتصمي رابعة؟.. شهادة مجند