اكتظ العام الماضي السلطة المصرية بالمشاريع التي بدت وهمية، إذ أظهرت التطورات عدم صحة الوعود التي أطلقها نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ليكون العام 2015 عام "الفنكوش" (مشروع وهمي) كما رآه العديد من المصريين، مع المؤتمرات والمشاريع والمعاهدات التي حاولت السلطة الترويج لها، أنها ستنقل مصر إلى مستوى آخر وأظهرت الأيام فشلها.
المؤتمر الاقتصادي
تحوّل المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد في شرم الشيخ في شهر مارس/آذار الماضي، إلى ما يشبه فرحاً جمعت فيه الأموال على طريقة الأفراح الشعبية، بينما وصف الإعلام الموالي للسلطة المشهد بأنه ضربة لأعداء الوطن من الخونة الذين يتمنون سقوط الاقتصاد المصري. تعالت أصوات الإعلاميين وازدهرت مانشيتات صحف زايدت على بعضها بعضاً في أرقام المليارات التي تبرع بها الضيوف.
استمر المؤتمر مدة ثلاثة أيام. وقد علّق رئيس الوزراء المصري حينهان إبراهيم محلب، إن المؤتمر حقق "نتائج مبهرة"، معلناً أن حصيلته بلغت 60 مليار دولار، فضلاً عن تعهدات بدعم خليجي قدره 12.5 مليار دولار. وفي النهاية استمر الاقتصاد المصري في تراجعه، وانخفضت قيمة الجنيه، وتواتر الحديث لاحقاً حول الأرقام التي ذكرت، والمشروعات التي أعلن عنها وتبين أنها حبر على ورق.
العاصمة الجديدة
فجأة، ومن دون سابق دراسة، وفي غياب البرلمان أو أيّ مناقشات، أعلنت السلطات المصرية إنشاء عاصمة جديدة، وعرضت شاشات التلفزيون، كيف كان السيسي رافضاً لفكرة أن تقام العاصمة في مدة عشر سنوات، في ظل احتفاء شديد بجدية الرئيس وسرعة الإنجاز التي يتمتع بها.
في ظل الظروف الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، بشّرت الحكومة بعاصمة جديدة على مساحة 160 ألف فدان، فيها أكبر حديقة على مستوى العالم، ومطار دولي جديد، وحديقة ترفيهية أربعة أضعاف مدينة "ديزني لاند"، ونحو 1.1 مليون وحدة سكنية و40 ألف غرفة فندقية، تعتمد على الطاقة الجديدة والمتجددة، مع توفير كافة أشكال المواصلات من نقل جماعي ومترو أنفاق أو القطارات الكهربائية فائقة السرعة. كل ذلك في فترة لن تتجاوز 7 سنوات. وجاء الإعلان قبل البدء في توقيع أيّ اتفاقات حقيقية أو إبرام أيّ عقود بين الحكومة والشركة الإماراتية المنفذة. لذا تعثّرت المفاوضات سريعاً، ومات المشروع قبل أن يولد. قبل أن يعاد تدويره مرة أخرى بصورة لا تختلف عن سابقتها تحت اسم "العاصمة الإدارية الجديدة".
مليون وحدة سكنية
مع شهر مارس/آذار الماضي، أعلنت الحكومة المصرية توقّف مشروع المليون وحدة سكنية الذي أطلقته شركة "أرابتك" الإماراتية بالتعاون مع الحكومة، بتكلفة تبلغ نحو 280 مليار جنيه مصري (نحو 36 مليار دولار)، في 13 موقعاً مصرياً. لكن المشروع لم يتم الاتفاق على حيثيات المرحلة الأولى منه، والتي تتضمن 100 ألف وحدة سكنية.
بدأ المشروع بمليون وحدة، في حين كانت مرحلته تتضمن 100 ألف وحدة، وأخيراً أعلن وزير الإسكان، مصطفى مدبولي، أن "أرابتك" تقدّمت بعرضها الجديد بناء 13 ألف وحدة فقط في المرحلة الأولى. تبخّر المشروع ولم يتبق إلا اسمه، الذي يعاد تدويره عبر وزارة الإسكان في إعلانات لحجز شقق لمحدودي ومتوسطي الدخل، في الوقت الذي لم تتضح فيه أي معالم لعبارة "المليون وحدة سكنية" بوصفها مشروعاً متكاملاً له خطة زمنية وتمويلية ومسؤولية واضحة.
اقرأ أيضاً: المحطة النووية المصرية.. معلومات وشكوك
القناة الجديدة
افتتاح أسطوري لتفريعة جديدة لقناة السويس، أطلقوا عليها "قناة السويس الجديدة" واعتبرها النظام المصري هدية مصر للعالم، كما أنها تبشر بازدهار الاقتصاد المصري. وقال رئيس هيئة قناة السويس، مهاب مميش، إن قناة السويس الجديدة ستسترد تكلفة إنشائها بعد سنوات قليلة، بينما ستدر سنوياً على الاقتصاد المصري حوالي 100 مليون دولار. بينما أكد السيسي أنّ الأرباح بعد يوم واحد من عمل القناة الجديدة تغطي سداد عائد الـ64 مليار جنيه (نحو 8 مليارات دولار).
وتبيّن من الأرقام الحقيقية لإيرادات القناة أن الكلام السابق ليس سوى "فنكوش" جديد، فقد تراجعت إيرادات القناة، أي أن إيرادات قناتين أصبح أقل من إيراد قناة واحدة، فضلاً عن تكلفة الإنشاء والفوائد المستحقة. وردّ مميش تراجع إيرادات الهيئة إلى تراجع حركة نمو الاقتصاد العالمي، علاوة على تراجع الاستهلاك العالمي للبترول. وقد جاء آخر بيان للهيئة بأن إيرادات البلاد من القناة انخفضت إلى 408.4 ملايين دولار في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من 449.2 مليون دولار في أكتوبر/تشرين الأول، مسجلةً بذلك أدنى مستوياتها منذ فبراير/شباط الماضي عندما بلغت 382 مليون دولار.
مفاعل الضبعة
بعد أيام من سقوط الطائرة الروسية في سيناء، اعتبر الإعلام المصري توقيع اتفاق على إنشاء محطة الضبعة النووية عبر شركة روسية، عملاً من شأنه أن يخرس الألسنة الحاقدة على العلاقة المصرية الروسية التي تشهد تقارباً شديداً في وجهات النظر في قضايا المنطقة.
الاتفاق كان غامضاً، فلا توجد دراسات معروفة تحدد الجدوى الاقتصادية من المفاعل، ولا الآثار الناجمة عن إنشائه مادياً وبيئياً. وفي خضم التهليل لهذه الخطوة التي ستضع مصر في مصاف الدول النووية، صدر قرار من النائب العام بحظر النشر لأخبار هذا المشروع، إلا بعد الرجوع للجهات الأمنية المختصة. وعلى الرغم من أن المشروع ينتمي للاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وأنه سيكون، تحت رقابة دولية إذا نُفذ، فإن المصريين محرومون من مجرد الحديث بشأنه.
اتفاق سد النهضة
في مارس/آذار 2015، وقّع السيسي مع رئيس الوزراء الأثيوبي هايلي مريام ديسالين والرئيس السوداني عمر البشير في الخرطوم اتفاق إطار حول سد النهضة لدفع مسار المفاوضات، ثمّ أعقب ذلك بزيارة لإثيوبيا وإلقاء كلمة أمام برلمانها، وصفها الإعلام المصري بأنها "ضربة معلم".
وكالعادة لم يعرف المصريون شيئاً عن بنود الاتفاق الذي وقّعه السيسي، ووُصف بأنه أنقذ حصة مصر من ماء النيل. لكن منذ أيام أعادت الحكومة الأثيوبية مجرى النيل الأزرق لمجراه الأصلي نحو السد، والذي كان قد تحوّل إلى مجرى مؤقت في 2013. بما يعني أنها حققت تقدّماً كبيراً في بناء السد، وأنها ماضية في خطتها المسبقة للاستفادة من مياه النيل.
اقرأ أيضاً: السيسي يغطّي فشله في "سد النهضة" بمشروع واحة الفرافرة