23 اغسطس 2024
عام إثيوبي فارق
اكتمل عام على صعود آبي أحمد رئيساً للوزراء في إثيوبيا، بعد انتخابه أميناً عاماً للجبهة الشعبية الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا. قد يشكل هذا الحدث فارقاً في تاريخ إثيوبيا المعاصرة، وقد يفتح آفاقاً للخروج من مأزق العقدة الإثيوبية الدائمة والمشبعة بالصراعات والانقسامات الإثنية والدينية، وشبح الاستبداد السياسي الأقلوي، أو يذهب بها بعيداً إلى صراعاتٍ أهلية طاحنة وانقسامات، فجهود عام من المحاولات الإصلاحية الجادّة، في ما يتعلق بتسوية أرضية المشهد السياسي الإثيوبي، من قبيل إطلاق آلاف السجناء السياسيين وعودة عشرات القادة السياسيين المعارضين من المنافي، ومحاولة تصفير المشكلات مع الجيران، كإريتريا وغيرها، فضلاً عن إعادة تشكيل الحكومة والتمهيد للانتخابات المقبلة، والاشتغال على فكرة المصالحة الوطنية بالحوار السياسي، وسيلة وحيدة لذلك كله، وكلها مؤشرات جيدة حتى الآن.
يراقب العالم ما يجريه في إثيوبيا آبي أحمد، الشاب القادم من أروقة العمل العسكري والأمني والمدني معاً. يرى العالم ما يجري وكأنه ربيع انتقالي إثيوبي، قد يفتح المجال نحو إثيوبيا للولوج نحو المستقبل، متحرّرة من إسار الاستبداد السياسي والتهميش، أو يدفع بها نحو التفكك والصراعات الأقلية والإثنية.
جاء آبي أحمد على تركة ثقيلة من التعقيدات والأزمات السياسية التي يعاني منها المشهد الإثيوبي، وحاول جاهداً خلال عام أن يحلّ بعض عقد هذا المشهد الأكثر تعقيداً، فقدّم حلولاً كثيرة، وأمامه تحديات كثيرة تتطلب هي الأخرى حلولاً مضاعفة.
صحيح أن عاماً واحداً ليس كفيلاً بتقييم التجربة والحديث عن نجاحها أو فشلها، لكنه فترة تكفي لاعتبارها مؤشراً حول إمكانية إحداث تغيير، يكون مدخلاً للإصلاح السياسي الشامل. وهذا ما حاول آبي أحمد أن يحدثه في بيئةٍ أكثر تعقيداً وصراعاً. ومع ذلك، استطاع خلال عام أن يقطع شوطاً كبيراً في مسار الإصلاح السياسي الأكثر تعقيداً، وكذا الإصلاح الاقتصادي، الذي يعدّ
هو الآخر مثار أسئلة كثيرة، تبحث عن إجابات وحلول.
وبمراقبة المشهد الإثيوبي، والقرن الأفريقي عموماً، يمكن القول إن آبي أحمد أحدث تحريكاً كبيراً للمياه الراكدة في بركة القرن الأفريقي الآسنة منذ فترة طويلة، وبأن الرجل يحتاج إلى مزيد من الدعم والتشجيع من النخبة الإثيوبية تحديداً، لتجاوز هذه التحديات، ومنحه مزيداً من الوقت لاستكمال برنامجه الذي انطلق به، وبأن انتخابات 2020 ستكون بمثابة البوابة الأوسع لحلحلة كل مشكلات إثيوبيا والقرن الأفريقي ككل، في حال نجح الإثيوبيون في الوصول إليها.
يقول مشهد العام الأول لآبي أحمد، إن لدى الرجل ما يمكنه تقديمه، وفي جعبته المزيد. فقط على رفاقه وخصومه أن يمنحوه مزيداً من الوقت والجهد للوصول إلى تسوية أرضية الملعب السياسي الإثيوبي، ليذهب الجميع بعدها، من خلال السياسة وحدها، نحو التنافس والعمل من أجل أمة إثيوبيا ناهضة ومستقرة، تستعيد دورها ومكانتها التاريخية بوصفها أمة فاعلة وحاضرة في المشهدين الإقليمي والدولي، فما قدمه آبي أحمد خلال عام يؤشر إلى إمكانية عمل الكثير، ما دامت لديه الرؤية الواضحة لما يجب عليه فعله، وما دامت الحوارات السياسية مع كل الفرقاء السياسيين هي شعار المرحلة وعمودها، ففي وسعه عمل الكثير، بناءً على ما قدمه خلال تجربة عام من الإنجازات السياسية والاقتصادية التي حرّكت المياه الراكدة، فيكفي أن تشعر الشعوب الإثيوبية كلها بأن مرحلة الاستبداد والتهميش قد رحلت، وأن مرحلة الشراكة الوطنية هي التي حلّت بدلاً منها.
ومع هذا، ثمّة تحدياتٌ كبرى، ومخاطر كبيرة تتهدد مسيرة آبي أحمد ومسيرة التحول السياسي الإثيوبي الراهن عموماً. في مقدمة التحديات كما يراها بعضهم، الحرية الإعلامية المطلقة والإطار الإثني الناظم للمسألة الفيدرالية، وحالة الجدل الإثني الراهن الذي يتخذ من الحرية الإعلامية المرتفعة، فرصةً لتصفية الحسابات السياسية على حساب المشروع الوطني الكبير للشعوب الإثيوبية كلها.
من ذلك أيضاً حالة الاستقطابات الإقليمية في مشاريع الصراعات، والتنافسات الإقليمية على
منطقة القرن الأفريقي، ورغبتها في تغذية الخلافات الإثنية بين شعوب الأمة السياسية الإثيوبية، وإبقاء هذه الصراعات واستدامتها، لإعاقة مسار التحوّل السياسي الديمقراطي الإثيوبي، الذي لو نجح لانعكس إيجاباً على كل شعوب دول القرن الأفريقي.
وثمّة تحديات أخرى أيضاً، منها تحدي الجوار الأفريقي المضطرب، والمثخن بالصراعات، كجنوب السودان وشماله أيضاً وكذلك الصومال. وعدم استقرار هذه الدول يعني صداعاً دائماً للسياسة الخارجية الإثيوبية، عدا عن الأزمة السياسية الداخلية في إريتريا، التي مهما ظهر أن هناك تماسكاً سياسياً لنظام أسياس أفورقي، إلا أنه من الممكن أن ينهار في أي لحظة.
أزمة اليمن واستدامة الحرب فيه هي أيضاً من الإشكالات العميقة، التي تتهدد منطقة القرن الأفريقي كلها، وفي القلب منها إثيوبيا أيضاً، لما يمثله اليمن من عمقٍ تاريخي واستراتيجي مهم لشعوب القرن الأفريقي كلهم، فما لم يصل اليمنيون إلى حل لهذه العقدة، فإنها ستظل بؤرةً مشتعلةً، ومهدّدةً لجوارها الإقليمي، ولمنظومة الأمن البحري لمنطقة خليج عدن وباب المندب والبحريْن العربي والأحمر، وهناك أزمة سدّ النهضة وتعقيداتها مع مصر والسودان. كلها تحديات كبرى في وجه السياسة الخارجية الإثيوبية، التي حتى الآن أعلنت مواقف جيدة وممتازة بخصوص الأزمة الخليجية، كأهم أزمة سياسية حالياً تشهدها المنطقة.
يمكن القول أيضاً، إن مراحل التحولات والانتقالات السياسية، كالتي تشهدها إثيوبيا حالياً، باعتبار هذا البلد متعدداً إثنياً، ويحتاج لإصلاحات سياسية متدرجة وحقيقية، ويحتاج لقائد ذي كاريزما وطنية (تجلت حتى الآن في شخص أبي أحمد)، تتجاوز بها حالة التخندقات الإثنية والدينية، وفتح المجال واسعاً للحوارات السياسية الجادّة والجريئة، مع مراقبة التوظيف السيئ للحرية الإعلامية المنفلتة، ومحاولة وضع ميثاق شرف سياسي وإعلامي بين فرقاء المشهد السياسي، حتى لا يتحول الإعلام إلى صانع للأزمات، وليس مساهماً في حلها. وهذا ما يخافه المراقبون اليوم جميعاً للمشهد الإثيوبي، محذّرين من الشحن الإعلامي الإثني وخطورته على مسار الإصلاح السياسي الراهن، بقيادة أبي أحمد الذي تمكن خلال عام أن يحدث تحولاً سياسياً كبيراً وواعداً.
جاء آبي أحمد على تركة ثقيلة من التعقيدات والأزمات السياسية التي يعاني منها المشهد الإثيوبي، وحاول جاهداً خلال عام أن يحلّ بعض عقد هذا المشهد الأكثر تعقيداً، فقدّم حلولاً كثيرة، وأمامه تحديات كثيرة تتطلب هي الأخرى حلولاً مضاعفة.
صحيح أن عاماً واحداً ليس كفيلاً بتقييم التجربة والحديث عن نجاحها أو فشلها، لكنه فترة تكفي لاعتبارها مؤشراً حول إمكانية إحداث تغيير، يكون مدخلاً للإصلاح السياسي الشامل. وهذا ما حاول آبي أحمد أن يحدثه في بيئةٍ أكثر تعقيداً وصراعاً. ومع ذلك، استطاع خلال عام أن يقطع شوطاً كبيراً في مسار الإصلاح السياسي الأكثر تعقيداً، وكذا الإصلاح الاقتصادي، الذي يعدّ
وبمراقبة المشهد الإثيوبي، والقرن الأفريقي عموماً، يمكن القول إن آبي أحمد أحدث تحريكاً كبيراً للمياه الراكدة في بركة القرن الأفريقي الآسنة منذ فترة طويلة، وبأن الرجل يحتاج إلى مزيد من الدعم والتشجيع من النخبة الإثيوبية تحديداً، لتجاوز هذه التحديات، ومنحه مزيداً من الوقت لاستكمال برنامجه الذي انطلق به، وبأن انتخابات 2020 ستكون بمثابة البوابة الأوسع لحلحلة كل مشكلات إثيوبيا والقرن الأفريقي ككل، في حال نجح الإثيوبيون في الوصول إليها.
يقول مشهد العام الأول لآبي أحمد، إن لدى الرجل ما يمكنه تقديمه، وفي جعبته المزيد. فقط على رفاقه وخصومه أن يمنحوه مزيداً من الوقت والجهد للوصول إلى تسوية أرضية الملعب السياسي الإثيوبي، ليذهب الجميع بعدها، من خلال السياسة وحدها، نحو التنافس والعمل من أجل أمة إثيوبيا ناهضة ومستقرة، تستعيد دورها ومكانتها التاريخية بوصفها أمة فاعلة وحاضرة في المشهدين الإقليمي والدولي، فما قدمه آبي أحمد خلال عام يؤشر إلى إمكانية عمل الكثير، ما دامت لديه الرؤية الواضحة لما يجب عليه فعله، وما دامت الحوارات السياسية مع كل الفرقاء السياسيين هي شعار المرحلة وعمودها، ففي وسعه عمل الكثير، بناءً على ما قدمه خلال تجربة عام من الإنجازات السياسية والاقتصادية التي حرّكت المياه الراكدة، فيكفي أن تشعر الشعوب الإثيوبية كلها بأن مرحلة الاستبداد والتهميش قد رحلت، وأن مرحلة الشراكة الوطنية هي التي حلّت بدلاً منها.
ومع هذا، ثمّة تحدياتٌ كبرى، ومخاطر كبيرة تتهدد مسيرة آبي أحمد ومسيرة التحول السياسي الإثيوبي الراهن عموماً. في مقدمة التحديات كما يراها بعضهم، الحرية الإعلامية المطلقة والإطار الإثني الناظم للمسألة الفيدرالية، وحالة الجدل الإثني الراهن الذي يتخذ من الحرية الإعلامية المرتفعة، فرصةً لتصفية الحسابات السياسية على حساب المشروع الوطني الكبير للشعوب الإثيوبية كلها.
من ذلك أيضاً حالة الاستقطابات الإقليمية في مشاريع الصراعات، والتنافسات الإقليمية على
وثمّة تحديات أخرى أيضاً، منها تحدي الجوار الأفريقي المضطرب، والمثخن بالصراعات، كجنوب السودان وشماله أيضاً وكذلك الصومال. وعدم استقرار هذه الدول يعني صداعاً دائماً للسياسة الخارجية الإثيوبية، عدا عن الأزمة السياسية الداخلية في إريتريا، التي مهما ظهر أن هناك تماسكاً سياسياً لنظام أسياس أفورقي، إلا أنه من الممكن أن ينهار في أي لحظة.
أزمة اليمن واستدامة الحرب فيه هي أيضاً من الإشكالات العميقة، التي تتهدد منطقة القرن الأفريقي كلها، وفي القلب منها إثيوبيا أيضاً، لما يمثله اليمن من عمقٍ تاريخي واستراتيجي مهم لشعوب القرن الأفريقي كلهم، فما لم يصل اليمنيون إلى حل لهذه العقدة، فإنها ستظل بؤرةً مشتعلةً، ومهدّدةً لجوارها الإقليمي، ولمنظومة الأمن البحري لمنطقة خليج عدن وباب المندب والبحريْن العربي والأحمر، وهناك أزمة سدّ النهضة وتعقيداتها مع مصر والسودان. كلها تحديات كبرى في وجه السياسة الخارجية الإثيوبية، التي حتى الآن أعلنت مواقف جيدة وممتازة بخصوص الأزمة الخليجية، كأهم أزمة سياسية حالياً تشهدها المنطقة.
يمكن القول أيضاً، إن مراحل التحولات والانتقالات السياسية، كالتي تشهدها إثيوبيا حالياً، باعتبار هذا البلد متعدداً إثنياً، ويحتاج لإصلاحات سياسية متدرجة وحقيقية، ويحتاج لقائد ذي كاريزما وطنية (تجلت حتى الآن في شخص أبي أحمد)، تتجاوز بها حالة التخندقات الإثنية والدينية، وفتح المجال واسعاً للحوارات السياسية الجادّة والجريئة، مع مراقبة التوظيف السيئ للحرية الإعلامية المنفلتة، ومحاولة وضع ميثاق شرف سياسي وإعلامي بين فرقاء المشهد السياسي، حتى لا يتحول الإعلام إلى صانع للأزمات، وليس مساهماً في حلها. وهذا ما يخافه المراقبون اليوم جميعاً للمشهد الإثيوبي، محذّرين من الشحن الإعلامي الإثني وخطورته على مسار الإصلاح السياسي الراهن، بقيادة أبي أحمد الذي تمكن خلال عام أن يحدث تحولاً سياسياً كبيراً وواعداً.