ليست الأزمة التي فجّرتها السعودية ضد كندا على خلفية "قلق" أوتاوا إزاء أوضاع حقوق الإنسان والحريات والاعتقالات في المملكة، سوى حلقة في مسلسل الحرج والمشاكل التي يتسبّب بها ملف حقوق الإنسان للرياض، التي باتت تتذيل كل مؤشرات حقوق الإنسان وحريات التعبير في العالم، وهو ما تُرجم أخيراً في حلول السعودية في المرتبة 169 من أصل 180 على مؤشر "مراسلون بلا حدود" لحريات الصحافة في العالم.
وربما تكون عدوانية الرد السعودي على "قلق" كندا إزاء الاعتقالات المتزايدة، تعبيراً واضحاً عن اتساع حجم الأزمة التي صار يمثّلها ملف حقوق الإنسان بالنسبة للدبلوماسية السعودية، ذلك أن ردة فعل الرياض على انتقاد وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند لأوضاع النساء والمعتقلين في السعودية، وفي مقدمتهم الناشطة النسوية سمر بدوي شقيقة المعتقل رائف بدوي، جاءت مشابهة لما يحصل خلال إعلان الحروب، بطرد الدبلوماسيين وقطع العلاقات وسحب كل الرعايا السعوديين وكل الاستثمارات من كندا ووقف استيراد البضائع الكندية ووقف الرحلات الجوية بين البلدين. وحصل ذلك وسط مسارعة دول عربية، أوضاعها الحقوقية مشابهة للحالة السعودية، إلى التضامن مع الرياض، مثل الإمارات ومصر مثلاً، في مقابل صمت أميركي مريب تعتبر بعض الفرضيات أنه ينم عن دعم أميركي ضمني لخطوة حكام الرياض إزاء كندا، التي أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخيراً "حرباً" اقتصادية ضدها في إطار الحرب التجارية التي يشنها الرجل على العالم بأسره.
وقبل الحادثة الكندية، انتقدت منظمات "هيومن رايتس ووتش" والعفو الدولية و"مراسلون بلا حدود"، تصرفات الأجهزة الأمنية التي نفّذها ولي العهد محمد بن سلمان، فور صعوده للسلطة تجاه المعتقلين. لكن هذه الانتقادات اتسعت لتشمل وزارات خارجية عدد من الدول الغربية وسفاراتها التي طالبت السعودية بالكشف عن مصير مئات المعتقلين في حملات الاعتقال الأخيرة التي وصفت بأنها الأكبر في تاريخ البلاد الحديث. لكن هذا الفتور في العلاقات بين السعودية وبين الدول الغربية على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان لم يكن الأول، إذ إن السياسة السعودية لها سوابق في تقبّل التدخلات الغربية في تعديل المناهج الدراسية أو التوصيات الاقتصادية والسياسية للتعامل مع ملفات المنطقة وكذلك التوصيات الأمنية، مقابل رفض التدخّلات رفضاً قاطعاً إذا كانت متعلقة بحقوق الإنسان أو بملفات المعتقلين من دون محاكمات نظامية والذين تصل أعدادهم إلى الآلاف.
ومنذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز سدة الحكم مطلع عام 2015 وترافق هذا مع صعود ابنه محمد بن سلمان السريع داخل النظام السعودي، قامت السعودية باستدعاء السفير السعودي في السويد بعد قيام وزيرة الخارجية السويدية مارغوت وولستروم بانتقاد النظام السعودي ووصفه بالديكتاتوري كما قامت بالمطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي في السجون في خطاب لها أمام البرلمان السويدي. وأعلنت السعودية حينها أن الحكومة السويدية قد تدخّلت في شؤونها الداخلية وقراراتها السياسية، وهو ما دفع رئيس الحكومة السويدية ستيفان لوفين إلى إرسال اعتذار مكتوب للعاهل السعودي، لتعود العلاقات إلى طبيعتها من دون تصعيد جديد، على الرغم من أن السويد قد أوقفت التعاون العسكري مع الرياض على خلفية هذه الأزمة.
اقــرأ أيضاً
وعادت الرياض مرة أخرى لاستدعاء سفيرها في ألمانيا في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي على خلفية قيام وزير الخارجية الألماني حينها، زيغمار غابرييل، بانتقاد سياسات محمد بن سلمان الداخلية والخارجية والحرب على اليمن وحصار قطر واحتجازه لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، إذ قال غابرييل: "يجب أن تكون هناك إشارة مشتركة من جانب أوروبا، بأننا لم نعد مستعدين أن نقبل بصمت روح المغامرة التي تتسع هناك منذ عدة أشهر"، في إشارة واضحة لتصرفات بن سلمان. ولم تُعد السعودية سفيرها إلا في منتصف شهر مارس/آذار هذا العام، بعد تشكيل حكومة ألمانية جديدة واستبدال وزير الخارجية بوزير آخر.
ويرى مراقبون أن ملف حقوق الإنسان والاعتقالات المتكررة بات مكلفاً للسياسة الخارجية السعودية، ابتداءً من حملة اعتقالات سبتمبر/أيلول الماضي بحق المئات من العلماء والأكاديميين المنتمين لـ"تيار الصحوة"، ومروراً باعتقالات "ريتز كارلتون" بحق العشرات من أمراء الأسرة الحاكمة ورجال الأعمال الموالين لهم، وانتهاء بحملة الاعتقالات الأخيرة بحق الناشطين الليبراليين واليساريين والناشطات النسويات. ولا يكاد يمر أسبوع على الخارجية السعودية، إلا وتتلقى إدانة من قبل وزارة خارجية دولة ما، أو منظمة حقوقية وإنسانية نتيجة الاعتقالات، وعدم وجود محاكمات حتى الآن، وغياب الشفافية والعدالة في السجون السعودية السرية والعلنية.
ويقول الأكاديمي الكويتي والباحث المهتم بشؤون المنطقة الخليجية، عبدالرحمن المطيري، لـ"العربي الجديد" إن ملف المعتقلين تحوّل إلى ضربة قاصمة للجهود التي يبذلها ولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان في إظهار صورته كراعٍ للانفتاح والتطور والعدالة، بعد سنوات من سيطرة "تيار الصحوة المتشدد والمتطرف" بحسب تعبيره، على المشهد العام في السعودية، مضيفاً "لهذا السبب فإن الكثير من الدول الغربية التي تسيطر عليها حركات اليسار الجديد والحركات الليبرالية صمتت أمام حملة الاعتقالات الأولى ضد تيار الصحوة، لكنها عادت للحديث بعد أن قام بن سلمان بمفاجأة الجميع وشن حملة عنيفة ضد النسويات والليبراليين".
ويضيف المطيري الذي يتابع ملف المعتقلين الإسلاميين في السجون السعودية، إن السلطات في السعودية لا تريد الاستيعاب أن استعراض العضلات الدبلوماسية بسبب ملف المعتقلين وانتهاكات حقوق الإنسان سيؤدي بنتيجة عكسية ضدها في كل بلد تقوم بتخريب علاقاتها معه، وأن الحل الأسهل بدلاً من معاداة كل العالم بحجة التدخّل في الشؤون الداخلية السيادية هو في الإفراج عن المعتقلين أو ضمان محاكمة عادلة لهم أمام الجميع، وتمكينهم من وضع محامين خاصين.
اقــرأ أيضاً
وقبل الحادثة الكندية، انتقدت منظمات "هيومن رايتس ووتش" والعفو الدولية و"مراسلون بلا حدود"، تصرفات الأجهزة الأمنية التي نفّذها ولي العهد محمد بن سلمان، فور صعوده للسلطة تجاه المعتقلين. لكن هذه الانتقادات اتسعت لتشمل وزارات خارجية عدد من الدول الغربية وسفاراتها التي طالبت السعودية بالكشف عن مصير مئات المعتقلين في حملات الاعتقال الأخيرة التي وصفت بأنها الأكبر في تاريخ البلاد الحديث. لكن هذا الفتور في العلاقات بين السعودية وبين الدول الغربية على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان لم يكن الأول، إذ إن السياسة السعودية لها سوابق في تقبّل التدخلات الغربية في تعديل المناهج الدراسية أو التوصيات الاقتصادية والسياسية للتعامل مع ملفات المنطقة وكذلك التوصيات الأمنية، مقابل رفض التدخّلات رفضاً قاطعاً إذا كانت متعلقة بحقوق الإنسان أو بملفات المعتقلين من دون محاكمات نظامية والذين تصل أعدادهم إلى الآلاف.
ومنذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز سدة الحكم مطلع عام 2015 وترافق هذا مع صعود ابنه محمد بن سلمان السريع داخل النظام السعودي، قامت السعودية باستدعاء السفير السعودي في السويد بعد قيام وزيرة الخارجية السويدية مارغوت وولستروم بانتقاد النظام السعودي ووصفه بالديكتاتوري كما قامت بالمطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي في السجون في خطاب لها أمام البرلمان السويدي. وأعلنت السعودية حينها أن الحكومة السويدية قد تدخّلت في شؤونها الداخلية وقراراتها السياسية، وهو ما دفع رئيس الحكومة السويدية ستيفان لوفين إلى إرسال اعتذار مكتوب للعاهل السعودي، لتعود العلاقات إلى طبيعتها من دون تصعيد جديد، على الرغم من أن السويد قد أوقفت التعاون العسكري مع الرياض على خلفية هذه الأزمة.
وعادت الرياض مرة أخرى لاستدعاء سفيرها في ألمانيا في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي على خلفية قيام وزير الخارجية الألماني حينها، زيغمار غابرييل، بانتقاد سياسات محمد بن سلمان الداخلية والخارجية والحرب على اليمن وحصار قطر واحتجازه لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، إذ قال غابرييل: "يجب أن تكون هناك إشارة مشتركة من جانب أوروبا، بأننا لم نعد مستعدين أن نقبل بصمت روح المغامرة التي تتسع هناك منذ عدة أشهر"، في إشارة واضحة لتصرفات بن سلمان. ولم تُعد السعودية سفيرها إلا في منتصف شهر مارس/آذار هذا العام، بعد تشكيل حكومة ألمانية جديدة واستبدال وزير الخارجية بوزير آخر.
ويقول الأكاديمي الكويتي والباحث المهتم بشؤون المنطقة الخليجية، عبدالرحمن المطيري، لـ"العربي الجديد" إن ملف المعتقلين تحوّل إلى ضربة قاصمة للجهود التي يبذلها ولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان في إظهار صورته كراعٍ للانفتاح والتطور والعدالة، بعد سنوات من سيطرة "تيار الصحوة المتشدد والمتطرف" بحسب تعبيره، على المشهد العام في السعودية، مضيفاً "لهذا السبب فإن الكثير من الدول الغربية التي تسيطر عليها حركات اليسار الجديد والحركات الليبرالية صمتت أمام حملة الاعتقالات الأولى ضد تيار الصحوة، لكنها عادت للحديث بعد أن قام بن سلمان بمفاجأة الجميع وشن حملة عنيفة ضد النسويات والليبراليين".
ويضيف المطيري الذي يتابع ملف المعتقلين الإسلاميين في السجون السعودية، إن السلطات في السعودية لا تريد الاستيعاب أن استعراض العضلات الدبلوماسية بسبب ملف المعتقلين وانتهاكات حقوق الإنسان سيؤدي بنتيجة عكسية ضدها في كل بلد تقوم بتخريب علاقاتها معه، وأن الحل الأسهل بدلاً من معاداة كل العالم بحجة التدخّل في الشؤون الداخلية السيادية هو في الإفراج عن المعتقلين أو ضمان محاكمة عادلة لهم أمام الجميع، وتمكينهم من وضع محامين خاصين.