أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أنه قرر رفض تسلُّم جميع عائدات الضرائب التي تجبيها دولة الاحتلال الإسرائيلي "المقاصة"، والاستمرار بدفع مخصصات الشهداء والأسرى والجرحى.
وقال عباس في كلمة، خلال لقاء له أمس مع وفد من الكونغرس الأميركي، بثتها الإذاعة الرسمية (صوت فلسطين)، اليوم الأربعاء: "قررنا أن نرفض استلام كل المقاصة، لا نريدها، لا نريد المقاصة كلها، خليها عندهم، ولو عندنا فقط عشرين أو ثلاثين مليون شيكل، وهو ما يدفع لعائلات الشهداء سندفعها لعائلات الشهداء والأسرى والجرحى".
وأضاف: "إذا لم يكن لدى السلطة أي قرش غير هذه الأموال سأدفعها لهذه العائلات".
ولفت الرئيس الفلسطيني إلى أنه "إضافة إلى ذلك، أنا سأذهب إلى كل المؤسسات الدولية لأشتكي (على إسرائيل) لعل العالم يسمعني".
واستطرد قائلاً "أنا أعرف سطوة أميركا على هذا العالم وأنها ستُسكت كل المؤسسات الدولية القانونية حتى لا تدين إسرائيل".
وأضاف مخاطباً أعضاء الكونغرس الأميركي: "نرجوكم لمرة واحدة أن تكون أميركا عادلة وتدعو للحق وحقوق الإنسان".
وتابع متسائلاً "عندما تعتبر إسرائيل أن ما ندفعه لقتلة ومجرمين، اسألوهم من قتل إسحق رابين، كيف يُعامل في السجن الإسرائيلي؟"، كاشفاً "بياخد ثلاثة رواتب من جهات مختلفة، بما فيها الحكومة الإسرائيلية، وسمحوا له أن يتزوج وينجب. سجن ستة نجوم، لماذا هذا غير مجرم ومن لدينا مجرمون؟ ولا أريد أن أسأل عن عشرات الأمثلة".
وأضاف: "قالوا نحن لنا عندهم أموال، هذه الأموال يقبضونها بالنيابة عنا ضرائب وجمارك، يأخذونها من التجار باعتبار أنهم المسيطرون على الموانئ والحدود ويأخذون عليها أجرهم كل مائة دولار يأخذون 3 دولارات، ولا مانع لدينا لأن هذا موجود في اتفاق باريس"، مستدركاً "لكن أن تأخذ إسرائيل من هذه الأموال ما تريد وما يخطر على بالها، وإضافة لذلك أن تقول إن السلطة الفلسطينية تدفع للإرهابيين، هذا مرفوض".
وتساءل "من هم الإرهابيون؟ الشهداء والجرحى والأسرى؟ بالنسبة لنا هؤلاء منذ عام 1965 نحن ندفع لعائلاتهم، عندما يموت شخص أدفع لعائلته، الآن قرروا أن يحسموا هذه الأموال من المقاصة بيننا وبينهم".
وأشار عباس إلى أن الفلسطينيين "طلبوا من إسرائيل عشرات المرات أن تعيد النظر في اتفاق باريس الاقتصادي لكنهم رفضوا".
عباس: أميركا قطعت عنا الهواء
من جهة ثانية، قال الرئيس الفلسطيني "لن نقبل بالحوار مع الولايات المتحدة إذا بقي موقفها هكذا"، موضحاً أنّ "الولايات المتحدة قطعت عنا كل شيء، قطعت عنا الهواء. فعندما ترفض الاعتراف بالشرعية الدولية، وتنهي كل المساعدات التي كانت تقدمها لنا فهي تقطع كل شيء"، إلا أنه أكد في المقابل استعداده للحوار مع الكونغرس الأميركي.
وقال عباس: "سياستنا تجاه الولايات المتحدة الأميركية لا تزال مفتوحة للحوار"، موضحاً "نحن نريد حواراً مع الكونغرس الأميركي ومستعدون الآن لفتح هذا الحوار، لأن الكونغرس أصدر قرارات منذ 1987 أن منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية، فنحن نريد أن نجلس معهم لنسألهم أين نحن والإرهاب".
وأضاف "عندما يعتبرنا الكونغرس أننا إرهابيون، إذاً ما الفائدة من الحديث مع الولايات المتحدة؟ وإذا تغير الموقف، جاهزون لإعادة الحوار مرة أخرى ونتحدث، إن أميركا تستطيع أن تقول كلمة حق، يسمعها العالم بما فيه إسرائيل".
وتابع: "علاقتنا مع أميركا مع الأسف الشديد تمر بصعوبات بالغة هذه الأيام، وبالذات في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل".
وجدد تأكيده: "نحن حريصون على علاقتنا مع الولايات المتحدة، لأنها الدولة العظمى القادرة على لعب دور، لكن ثبت لنا أنها دولة منحازة لإسرائيل، وما تريده إسرائيل حسب مصالح الأخيرة، أما نحن فلم تلتفت لنا أبداً، هذا ما ثبت لنا من سياسة الرئيس ترامب".
وفي الوقت الذي طالب فيه عباس العالم بتحمّل مسؤولياته أمام تنصّل حكومة الاحتلال من الاتفاقات كافة، حذر من التداعيات الخطيرة لانسداد أفق السلام، واستمرار حكومة الاحتلال في إجراءاتها وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أن تلك الإجراءات ليست من الحكومة فقط، بل من قطعان المستوطنين المدعومين من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد عباس أن القيادة المجتمعة الآن تدرس اتخاذ خطوات عدة للانفكاك الاقتصادي وقرارات أخرى، ما يعني أن كل الأبواب مفتوحة، وليس فقط ما يتعلق بالاقتصاد، وإنما الأمن والسياسة وغيرها.
وقال عباس مخاطباً المجتمعين: "لكم الحق أن تناقشوا وتدرسوا وتتخذوا القرارات اللازمة بهذا الشأن، أنتم القيادة العليا للشعب الفلسطيني وأصحاب القرار، فقولوا ما شئتم، وما تمليه عليكم المصلحة العامة، ولا بد عند ذلك من تنفيذ كل ما يتخذ، كذلك التوجه للجهات والمؤسسات القانونية الدولية لمحاكمة دولة الاحتلال لسرقتها أموال الشعب الفلسطيني، ومن المواضيع التي نريد أن نناقشها أيضاً استباحة الأرض والإنسان واستباحة كل شيء تقوم به إسرائيل".
وأكد عباس أن الظروف التي تمر بها القضية الوطنية الفلسطينية تحتم على الجميع التصرف بدون مزايدة وبالمسؤولية الكاملة التي تتماهى مع مصالح الشعب الفلسطيني، وأن نكون جبهة واحدة لتعزيز جبهتنا الوطنية للدفاع عن مصالحنا الوطنية، والتمسك بثوابتنا وحقنا في الحرية والاستقلال والعودة وإقامة دولتنا الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وقال "إن الثوابت التي أعلنت عام 1988، في المجلس الوطني الفلسطيني ما زالت ثوابت الشعب الفلسطيني وهي مقدسة، وكل من يفرط بها يفرط بحق الوطن، لذلك علينا أن نحاسب أنفسنا على أساس هذه الثوابت"، مشدداً على التمسك بها والدفاع عنها ومطالبة الجميع الالتزام بها.
كذلك، شدد عباس على التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وأنها البيت المعنوي للشعب الفلسطيني، وقال: "لن نفرط بها، ومن لا يؤمن بها كما حصل في موسكو، من بعض التنظيمات، فليبقَ في الخارج، ولن نتعامل معه، وأنا أقول باسمي وباسم المنظمة وباسم فتح، لن نلتقي مع هؤلاء، الذين يشككون بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد، أو لا يقبلون بها أو يرفضون هذا أو ذاك".
وأضاف "إذا لم يلتزم هؤلاء بما التزمنا به في عام 1988 فليبقوا في الخارج، ولن ينتقصوا من وجود وقوة الشعب الفلسطيني، وسيبقون على الهامش كما بقي غيرهم".
وتابع "الكلام الذي سمعناه في موسكو مؤسف ومحزن، لذا من اليوم وصاعداً لن نقبل أي دعوة من أي جهة كانت لا تعترف بمنظمة التحرير، فإذا هم يرفضون الاعتراف بمنظمة التحرير فبمن يعترفون؟ فليبق هؤلاء خارج الإجماع الوطني".
وأشار عباس إلى أن إسرائيل تصدر كل يوم قرارات وتشرع في ممارسات تستهدف الإجهاز على الحقوق الوطنية الفلسطينية.
ورأى أيضاً أن القرار الذي صدر اليوم ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في القدس، وتصعيد الاحتلال ممارساته واعتداءاته على الأقصى، يأتي في سياق الإجراءات العنصرية التي تستهدف تركيعنا، وإجبارنا على بيع القدس، لن يفلحوا، والتنازل عن حقوق شعبنا الثابتة في فلسطين.
وقال: "لن يفلحوا، وما اتخذته الإدارة الأميركية من قرارات وإجراءات هي باطلة، ونؤكد مواقفنا الثابتة على رفض اللقاء مع الإدارة الأميركية ما لم تتراجع عن مواقفها وقراراتها، ولن نقبل بأميركا وسيطاً وحيداً للقضية الفلسطينية، وإنما في إطار لجنة دولية منبثقة عن مؤتمر دولي، وغير هذا لا نثق بأميركا وسيطاً، ولا نثق فيها بعد أن أثبتت لنا جميعاً وللعالم أنها منحازة كل الانحياز للاحتلال الإسرائيلي".
إلى ذلك، من المنتظر أن تعقد القيادة الفلسطينية، مساء اليوم، اجتماعاً في رام الله لتدارس الأوضاع.