يواصل المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد (1943) في كتابه "زمن الاحتفالية"، الصادر حديثاً عن "دار أفريقيا الشرق" التنظير لمشروعه الذي بدأه عام 1976 وأطلق عليه تسمية "المسرح الاحتفالي" والذي كتب فيه عدة مؤلفات من بينها: "بيانات المسرح الاحتفالي"؛ "الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي" و"الاحتفالية: مواقف مضادّة" و"الاحتفالية في أفق التسعينات" و"غابة الإشارات".
ويرى برشيد في كتابه الجديد أنه ومنذ "الزمن السبعيني، والذي ما زالت تداعياته متواصلة إلى الآن، وجدت هذه الاحتفالية نفسها في مجتمع يعادي الاجتهاد، ويخاصم النظر والتنظير، ولا يتسامح مع كل من يخرج عن الخط العام". فالفكر العربي المعاصر، في نظر هذه الاحتفالية "مجرد ترجمة واقتباس"، لذلك هاجمت "كل المثقفين العرب، والذين اكتفوا بأن اشتغلوا حمّالين، سواء في المسرح أو الفكر، أو في سائر الفنون والآداب المختلفة".
يعترف الكاتب في "زمن الاحتفالية"، بأن الأخيرة "نشأت وتطورت...، في ظروف صعبة وقاسية جداً، وظلّت على امتداد أربعين سنة لا تملك غير أفكارها، وغير مواقفها، وغير ثقتها بمشروعها التنويري التثويري، وإصرارها على الحضور، وعلى التحدي".
يعرّف برشيد الاحتفالية في كتابه الجديد، بأنها "رؤية فكرية وجمالية، وإرث معرفي وحضاري، وإضافة نوعية إلى رصيد المتخيّل الإنساني. إنها رؤية تقوم على تمجيد قيم الحياة والحريّة والجمال والعدالة والتعدد والديمقراطية".
لكن أقصى ما يمكن أن يطمح إليه الاحتفاليون اليوم، هو استعادة حال البداية؛ لأن الأصل في الحال الاحتفالي أن يكون متجدداً إلى ما لا نهاية. ولا شكّ أن في فعل التجدد والاستمرارية هذا، تسعى الاحتفالية دائماً بسؤالها إلى تأسيس فكر عربي جديد: "ومن أساسيات هذا السؤال الاحتفالي، أن يكون نقدياً، وشفافاً، وبريئاً".
وفي سعيها إلى إعادة تأسيس المسرح المغربي والعربي بوعي احتفالي، توقفت الاحتفالية كثيراً عند واحد من مكونات هذا المسرح، والذي هو النقد: "لا مستقبل لهذا المسرح إلا بوجود نقد مسرحي حقيقي". ولا يمكن أن يكون هذا النقد خارج ما سمّاه برشيد "النقد الاحتفالي".
لم يغفل برشيد، في كتابه "زمن الاحتفالية"، بعض النقاد الذين بشّروا بنهاية الاحتفالية في بداياتها. فهؤلاء بحسبه لم ينتبهوا أن "الاحتفالية فكر أنتجه سياقه الحضاري، وأبدعه الإنسان المغربي/العربي الجديد، وهو بهذا نتيجة حتمية لتراكمات معرفية وجمالية أولاً، واستجابة لأسئلة اللحظة التاريخية ثانياً".
على كل حال، فالاحتفالية لم تأتِ لكي تؤثث الفضاء المسرحي فقط، ولكن لتخلخل الوعي السائد، وأن تعطي تصوراً جديداً للفن والفكر معاً. اللحظة الاحتفالية إذن، كما يرى برشيد، "لا يمكن أن نستعيرها من الآخرين، ولا يمكن أن نبيعها أو أن نشتريها، أو نؤجلها، أو أن نقتبسها من الحيوات الأخرى، أو أن نستوردها من الشروط الثقافية الأخرى".