بعدما أنجز حلفاء أبو ظبي في عدن انقلابهم على حكومة أحمد عبيد بن دغر، بدعم عسكري مباشر من الطائرات الإماراتية، بدا أن كل ما أمنته السعودية للحكومة اليمنية التي تدعمها، هو منع اقتحام قصر المعاشيق، حيث يقيم بن دغر وعدد من وزرائه، ريثما يتم التوصل إلى تسوية تثبت نفوذ رجال الإمارات في الجنوب، وفي عدن تحديداً. تسوية بدأت ملامحها تظهر من خلال طروحات جميعها تصب في خانة "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي من حلفاء أبو ظبي، بشكل يترجم كلام الجنرال السعودي أنور عشقي، قبل يومين، عن ضرورة قيام حكومة في الجنوب، وأخرى في الشمال، في نظام فدرالي يبقى فيه عبد ربه منصور هادي رئيساً شكلياً بلا صلاحيات فعلية، خصوصاً في الجنوب.
وعلى الصعيد نفسه، يأتي الحديث عن اقتراح تسليم المعسكرات في عدن إلى "طرف ثالث"، أو قوات محايدة، من تلك التي شاركت في المعارك ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في الساحل الغربي (جبهة باب المندب، المخا). وهذه القوات كانت منضوية في صفوف ما يُسمى "المقاومة الجنوبية"، بقيادة حمدي شكري الصبيحي، وهي قررت الوقوف على الحياد في ما يتعلق بالأزمة في عدن، وتلقى قبولاً لدى الطرفين، لكنها بطبيعة الحال، قريبة من أبوظبي، بحكم أن الإمارات هي الدولة التي تشرف أيضاً على المعارك الدائرة في الساحل الغربي. لكن مصادر محلية، تقول إن "الحديث عن التسليم لطرف ثالث أو لقيادات غير التي كانت تمسك بالمعسكرات، هو تعبير بطريقة أخرى عن تحقيق أبوظبي أهدافها، من خلال إقصاء القوات التي كانت تقف عائقاً في طريق نفوذها بمدينة عدن، وتؤدي في النهاية، إلى بقاء الشرعية شكلياً، ولكن بدون مخالب أو أنياب، بل إن الشوكة والسيطرة الفعالية باتت لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي".
وأفادت المعلومات المتواترة من مصادر قريبة من الشرعية لـ"العربي الجديد"، بأن "التحالف يرعى مفاوضات بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، من خلال اجتماعات تجري في القصر الرئاسي بمنطقة المعاشيق، ومقر قيادة التحالف في عدن، فضلاً عن الاتصالات مع الرئيس اليمني وقيادات الشرعية المتواجدة في العاصمة السعودية، وذلك بهدف إيجاد تسوية للأزمة في عدن، على صعيد الوضع الأمني والانتشار العسكري في عدن. إذ تضغط أبوظبي، لتسليم حراسة بعض المنشآت لقوات الحزام الأمني، وإجراء تغييرات في قيادة قوات الحماية الرئاسية التابعة لهادي".
وفي السياق، نفى مصدر حكومي يمني، أمس الأربعاء، ما تم تداوله من تسريبات عن اتفاق رعاه "التحالف العربي"، بين الحكومة اليمنية و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، يقضي بإقالة الحكومة، والسماح للقوات المدعومة إماراتياً بالانتشار في أرجاء عدن. وأوضح المصدر الذي يتواجد إلى جانب بن دغر، في مقر إقامته في المعاشيق، وطلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن ما تم تداوله من تسريبات عن مضامين اتفاق يقضي بإقالة الحكومة ونقاط أخرى "غير صحيح"، مشيراً إلى أن التفاهمات الجارية برعاية التحالف، تتم حول الوضع الأمني وإعادة معسكرات الحماية الرئاسة والمباني الحكومية، وغيرها مما يتعلق بإعادة تطبيع الأوضاع في عدن. وكانت وسائل إعلامية، تداولت أنباء عن اتفاق أُبرم برعاية التحالف في عدن، يقضي بوقف كافة المظاهر المسلحة، وانتشار ما يُعرف بـ"قوات الحزام الأمني"، المدعومة إماراتياً، في كافة أرجاء عدن، وجوارها. ووفقاً للاتفاق المزعوم، تعترف الحكومة الشرعية، بما يُسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، كياناً سياسياً يمثل المحافظات الجنوبية في اليمن، بالإضافة إلى إقالة حكومة بن دغر، وتعيين وزراء ومحافظين، باقتراح من المجلس الانفصالي.
كما تشمل أيضاً، أن تتولى "قوات التحالف العربي ــ طرف الإمارات"، على إعادة تقسيم وتحديد المعسكرات ودمجها في عدن، لتشكيل نواة "نواة جيش وطني جنوبي"، وعلى أن تشرف الإمارات، على إعادة الحياة لعدن. ووصف مراقبون هذه البنود، بأنها "مبالغة"، إذ أن من شأنها أن تمثل استسلاماً كاملاً من الشرعية، ومن خلفها السعودية، للإمارات ولحلفائها.
وبات تواجد الحكومة في القصر الرئاسي بعدن، مسألة وقت، على الأرجح، بعد الأحداث التي شهدتها المدينة، وحقق خلالها حلفاء أبوظبي، أهداف انقلابهم، بفرض سلطة الأمر الواقع، ومحاصرة القصر الرئاسي. الأمر الذي مكّنهم من فرض شروطهم على الشرعية في كل الأحوال.
وعلى الرغم من أن أغلب التوقعات ذهبت إلى أن حكومة أحمد عبيد بن دغر، باتت "كبش فداء"، لأي تسوية في عدن، إلا أن الرئيس هادي، هو الآخر من أبرز المتضررين من أحداث عدن. فصعود "الانتقالي" يعني، بالضرورة، إضعاف قوات الشرعية (أهمها الحماية الرئاسية)، والمسؤولين المحسوبين على الشرعية وعلى هادي، بشكل خاص.
إلى ذلك، فإن هناك جانباً، ربما هو الأكثر حساسية بالصراع في عدن، المتمثل بمراكز القوى المناطقية المؤثرة في المدينة، إذ أن هادي والموالين له، معبّرون، بنسبة أو بأخرى، عن نفوذ محافظة أبين بدرجة أساسية في عدن، في مقابل "الانتقالي"، وقادته المتحدرين من محافظة الضالع. والمركزان (الضالع وأبين) في تنافس دائم على النفوذ داخل عدن.
وعلى الرغم من التهدئة وأنباء المفاوضات، إلا أن ما جرى بالنسبة للحكومة الشرعية، هو انقلاب "مكتمل الأركان"، في انتظار صيغة للتطبيق على أرض الواقع. وأغلب مناطق عدن وأهمها باتت تحت سيطرة القوات الموالية لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً. والأخير هو من يفرض الشروط على طاولة المفاوضات، سواء لتغيير الحكومة، أو لإشراكهم بحقائب وزارية وتعيين محافظين موالين له، على نحو يضيف لتحركاته بعض "الشرعية"، ولا يوقف تحركاته لفرض الأمر الواقع المهيئ للانفصال في جنوب اليمن.
ميدانياً، أكد سكان في عدن لـ"العربي الجديد" أن "الحياة عادت، أمس الأربعاء، إلى أغلب شوارع المدينة، من ناحية حركة السيارات وإعادة فتح العديد مع المحال التجارية، بعد أن تسببت المواجهات، الأيام الماضية، في شلل شبه تام، في العديد من الأحياء، أغلقت على إثره مختلف المكاتب والمصالح الحكومية والمدارس أبوابها، بالإضافة إلى الشركات والمحال التجارية. غير أنه ومع توقف أصوات الرصاص والقذائف، سرعان ما بدأت المدينة باستعادة حيويتها، على الرغم من استمرار الخطر الأمني، وبقاء الوضع مفتوحاً على كافة الاحتمالات". وقال أحد الموظفين الحكوميين في عدن لـ"العربي الجديد"، إن "المواجهات هذه المرة وعلى الرغم من شدتها، إلا أن الضحايا كانوا أقل، مقارنة بدورات الصراع السابقة التي شهدتها عدن".