ليس معنى أن يكون العراقيون في وضح النهار أنّهم في أمان. بل هو وقت كغيره، تجري فيه عمليات خطف، تؤدي إلى إخفاء قسري لأشخاص كانوا في طريقهم إلى أعمالهم.
أبو بكر... سبعيني خُطف ابنه الأكبر، عام 2006. كان يعمل سائقاً على الخط الدولي بين بغداد والأراضي السورية. تلقى بكر مكالمة هاتفية اعتقد أنّها من زبائن يريدون السفر إلى سورية. لكنّه اختفى من وسط العاصمة، ولم يعثر عليه حتى بعدما دفعت أسرته فديّة مالية طلبها الخاطفون آنذاك، وقدرها 10 آلاف دولار أميركي. بكر واحد من عشرات آلاف العراقيين المختفين.
بدورها، ترفض أسرة الشاب سمير (24 عاماً) الذي اختفى عام 2012 من سوق بلدة بعقوبة عاصمة محافظة ديالى، التسليم بوفاة ابنها بالرغم من عدم العثور عليه بعد بحث متواصل طوال عام كامل في المستشفيات والسجون والمقابر. الأثاث في غرفة سمير وخزانة ملابسه كما هما. تحرص والدته على تنظيف الغرفة وتعطيرها بيدها بالعطر الذي كان يحبه. تقول أم سمير لـ"العربي الجديد": "لا يمكنني تصديق أنّ ولدي توفيّ. لقد وعدني أن يأخذني إلى بيت الله الحرام، لكنّه اختفى عصر 15 سبتمبر/ أيلول 2012 في السوق. لم نتلقَ أيّ اتصال ولم نعثر على أيّ خيط يدلنا على سمير، كأنّ الأرض انشقت وابتلعته. لكن، ما زلت أرقب عودته".
تشير إحصائيات غير رسمية إلى أنّ عدد المختفين قسرياً في العراق بلغ خلال السنوات الـ13 الماضية التي أعقبت احتلال البلاد نحو 150 ألف شخص، معظمهم فقد خلال حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وبلغ عدد المختفين خلال العامين الماضيين فقط بعد اجتياح "داعش" العراق 41 ألف شخص يتقاسم التنظيم مسؤولية اختفائهم مع "الحشد الشعبي".
يقول المحامي مهند العيساوي مدير مركز بغداد لحقوق الإنسان: "تنص المادة الأولى للاتفاقية الدولية لحماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري التي وقع عليها العراق عام 2010، على أنّه لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري، ولا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأيّ حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري".
يتابع العيساوي لـ"العربي الجديد": "لكن، بالرغم من انضمام العراق الى الاتفاقية الدولية إلاّ أنّ السلطات لم تفِ بالتزاماتها فيها، ولم تنفذ أيّ خطوات جدية لذلك، فجرائم الاختفاء القسري مستمرة وتتزايد بكثرة على يد أفراد الأجهزة الأمنية والمليشيات الموالية لها. نحن كمنظمات حقوقية وثقنا عدة حالات وقدمناها إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان. كذلك، قدمناها في تقارير إلى السلطات العراقية، لكن، لم نلمس من السلطات أي تعاون معنا في البحث عن الضحايا أو اتخاذ السبل اللازمة لإيقاف جرائم الاختفاء القسري".
من جهته، يؤكد الخبير والباحث السياسي مصطفى كامل عدم وجود أرقام دقيقة عن عدد الذين جرى إخفاؤهم قسرياً في العراق في أعقاب الاحتلال الأميركي عام 2003. يقول إنّ كلّ الجهات الحكومية تمتنع عن تقديم أيّ أرقام في هذا الصدد "ربما لأنها لا تمتلكها أصلاً، فهي غير معنية بحماية العراقيين والدفاع عن حقوقهم. لكن يمكنني الإشارة إلى عدد من الحالات البارزة من مشاهد الإخفاء القسري التي تعرض لها العراقيون في السنوات الـ13 الماضية، منها ما حدث على يد قوات الاحتلال الأميركي، فالمعلومات تشير إلى اختفاء آلاف العراقيين خلال فترة وجود الجيش الأميركي في العراق، فقد كانت تنفذ حملات اعتقال، خصوصاً في أعقاب المعارك الكبرى مثل معركتي الفلوجة وغيرها، وتتعمد اعتقالهم فترات طويلة، ثم تطلق سراحهم، بينما تختفي آثار عدد من المعتقلين".
يتابع في حديثه إلى "العربي الجديد": "ومنها أيضاً اختطاف المليشيات مئات الأشخاص من منطقة الدور في محافظة صلاح الدين بعد استردادها من تنظيم داعش. وما زالوا مغيبين، رغم مرور نحو عام ونصف على الحادث. كذلك، اختفاء نحو 700 شخص من أبناء عشيرة المحامدة، وعشائر أخرى، في منطقة الصقلاوية، القريبة من مدينة الفلوجة، كبرى مدن محافظة الأنبار غرب العراق، في يونيو/ حزيران الماضي، وهو رقم اعترف به محافظ الأنبار الحالي صهيب الراوي وتوصلت إليه لجنة تحقيق وتقصٍّ في إدارة المحافظة، ولم يجرِ التوصل إلى أي نتيجة حاسمة عنهم".
كذلك، يشير كامل إلى مقابر جماعية اكتشفت وهي تحوي جثث مغدورين في عمليات قتل جماعية، أو فردية في حوادث مختلفة، وأوقات متباينة.