بشيء من التفاخر كان الشباب العربي يتابع تفاصيل ما يجري في شارع الحبيب بورقيبة، تقول "أمل" (تونسية في ألمانيا): "كنت حين أدخل مكان العمل يأتي زملاء يسألون كيف أتصور أن تنتهي الثورة في بلدي، كان زملائي العرب والأتراك يخالجهم ذات الشعور بالفخر أننا نصنع مستقبلنا بأيدينا، وكنت أقول: لا عودة إلى الوراء".
المهاجرون لم يكونوا بعيدين عن آمال وأحلام مواطنيهم في الداخل، في كسر "دورة تاريخ الديكتاتورية في البلاد منذ الاستقلال"، بحسب الشاب كريم عبد المعطي ابن الإسكندرية المهاجر إلى السويد، يقول: "كنا نجلس مجموعة من الشباب العرب نتابع عبر الجزيرة ما يحدث، والمذهل في الأمر، ورغم اختلاف جنسياتنا، أننا كنا متحمسين للشعب التونسي وكل منا يحلم أن تنفجر في بلده ذات الثورة".
العرب في المهاجر الأوروبية، وبعد 4 سنوات على انطلاق شرارة الربيع العربي، ما يزالون متخوفين من أن تحاول الأنظمة الإبقاء على بنيتها عبر ثورات مضادة.
في هذا الاتجاه يقول لطفي الشفرة، تونسي مقيم في الدنمارك منذ 25 سنة: "في أسوأ الحالات، وبعد ٤ سنوات على انطلاق الربيع، فإن العربي لن يعود إلى عصر الديكتاتورية. صحيح أن الثورات تواجه ثورات مضادة، وكثيراً من الدول تدفع مليارات للإبقاء على هياكل الفساد وبنية الأنظمة القديمة، إلا أن جيلنا يعرف أن الثورات تأخذ وقتها ولن يستطيع أحد في العالم وقف عجلتها. في بلدي تونس هناك محاولات دؤوبة لإعادة البوليس إلى عصر الديكتاتورية، وبقايا النظام السابق يجتهدون بتخويف الناس، لكننا لسنا أصحاب ذاكرة قصيرة كما يظن هؤلاء".
لطفي، سوري عانى، مثل الآلاف من المهاجرين، من الأنظمة وأدواتها القمعية، يراهن على أن ثورات الربيع العربي هي "موجات لا يمكن أن تتوقف، كنا نجلس لنتابع التطورات، في تونس وليبيا ومصر وسورية واليمن ووأد الحراك العراقي. لا زلنا نؤمن بأن شعوبنا لن تتوقف إلا حين تحقق مطالبها في الحرية والديمقراطية والعدالة، وكل محاولات وصف الثورات بأنها مؤامرة سقطت في مشهد قتل الشعب السوري الذي يدمر لتتوقف الثورات، لكنهم مثلما فوجئوا بالثورات سوف يفاجأون بالآتي".
كثير من التونسيين الذين التقاهم "العربي الجديد" يتفقون مع عرب آخرين باعتبار "مسارات الثورة التونسية ستحدد الكثير لتجارب بلدان الربيع العربي". حسبما يقول كريم الذي لا يزال متحمساً لثورة يناير في مصر قائلا: "يخطئ النظام الانقلابي إن ظن أنه وعبر أدوات النظام المخلوع سيردع الشعب المصري عن الوصول لما أنجزته وستنجزه ثورة الشعب التونسي".
ورغم وجود من يعتبر أن ما جرى ليس سوى "مؤامرة"، وتراجع البعض عن تحمسه للثورتين المصرية والتونسية حين اندلعت الثورة في سورية، إلا أن التدفق السوري إلى المهاجر والتقاء المتشككين بهؤلاء اللاجئين والاستماع إليهم ولقصصهم غيّر نظرة كثير من هؤلاء، يقول ياسر السعيد في هولندا: "حين تقابل هؤلاء وهم يحملون صورة مشوهة عن الحدث السوري ويستمعون لحقيقة ما جرى ويجري، تشعر أن الأغلبية مخدوعون بشعارات، تكتشف أن تلك الشعارات حسمها واقع وجودنا بينهم الآن".
ويشكك شباب عربي مهاجر بموقف الغرب من ثورات الربيع العربي، معتبرين الموقف الفرنسي الذي كان يريد إرسال أدوات قمع لبن علي في بداية الثورة التونسية "تعبير حقيقي عن جوهر موقف هؤلاء، فهم لا يريدون للعربي أن يقرر مصيره لتبقى العلاقة مختلة لمصلحة نهب تاريخي" بحسب ما يقول لطفي شفرة، الذي يؤكد: "في تونس تهيمن عقلية مصالح الشركات الفرنسية والغربية عبر عقود قائمة منذ عهد الاستعمار. وهم لا يريدون أن تفتح تلك الملفات ولا أن يصبح للعرب عدالة اجتماعية كأساس لإلغاء الفساد والقمع والوصول إلى الحريات الحقيقية".
حتى المولودون في الغرب لهم رؤيتهم في ما يجري بعد 4 أعوام على الربيع العربي، هؤلاء منهم طلاب جامعيون يقولون لـ"العربي الجديد": "الغرب والأنظمة المدمرة لشعوبها يظنان بإمكانية استمرار الواقع الذي كان ولو بعمليات تجميل إصلاحية. وهذا ما جعل المواقف الرسمية مبهمة تجاه الربيع العربي، بحجة الاستقرار والسلام، يحبذ هؤلاء بنية وتركيبة الأنظمة المتساقطة"، بحسب ما قالت ندى الناصر الطالبة في الدراسات الإسلامية بالدنمارك.
تقول ندى: "حين ترى مشاهد تطرف الشباب، حتى المولود في الغرب، فعليك أن تسأل كيف كان هذا الشباب قبل 4 أعوام؟ وكيف كان موقفه من الحرية والديمقراطية؟ ولماذا يتشدد ويتجه إلى اعتبار التطرف الديني حلاً لأوضاع العرب. المسألة تحتاج إلى من يعيد قراءة التناقض بين شعارات غربية عن الحرية والعدالة والممارسات السياسية والقانونية الدولية التي لا تبالي بقمع الأنظمة لشعوبها".
ويقول "سام طعمة" (طالب جامعي عراقي) مولود في السويد: "من العجيب أننا كنا نعتبر روسيا صديقة للعرب، لكن روسيا موقفها في ليبيا ثم في سورية، ومن الربيع العربي، كشف الكثير من التناقض. ومثله كشفت هيستيريا الحديث عن التطرف، الشعوب لم تقم في البداية سوى لتحقيق الحرية والعدالة وممارسة ما تمارسه هذه الشعوب. والذي يحاول اختطاف الثورات وجعل الربيع العربي يبدو في ثوب ديني، هو نفسه الذي يندفع باتجاه نظام ديني متطرف في المنطقة".
ورغم أن الربيع العربي جعل كثيرين منشغلين بشؤون بلادهم في المهاجر، إلا أن القضية الفلسطينية لم تغب عن هؤلاء إطلاقاً. ترد لبنى سعيد المحمود من إيطاليا على مزاعم البعض بأن الثورات العربية هي "لحرف الشعب العربي عن قضية فلسطين" قائلة: "حرب غزة الأخيرة أثبتت مرة أخرى كذب هؤلاء عن أن العرب انفضّوا عن قضيتهم الأساسية في فلسطين باعتبار الربيع ملهاة لهم. فالمظاهرات وفعاليات العرب في أوروبا وفي دولنا أثبتت أن الحرية كل لا يتجزأ، رغم وضوح مواقف أصحاب الثورات المضادة التي ترى اليوم في إسرائيل صديقاً وفي الفلسطينيين أعداء".