لا يعيش أبناء الجالية العربية في فرنسا، جميعهم، العطلة الصيفية بالطريقة نفسها. ثمّة من يسافر إلى خارج البلاد، وثمّة عائلات تقصد الشواطئ والمناطق الجبلية الفرنسية. وكثيرون يتوجّهون خلال عطلة الصيف إلى بلدانهم الأصلية، فيزورون العائلة الكبيرة ويقضون وقتاً ممتعاً من الراحة والاستجمام، خصوصاً في المغرب وتونس حيث السياحة تؤدّي دوراً كبيراً في اقتصاد هذَين البلدَين.
وتبدو أحياء شعبية كثيرة في فرنسا، سكّانها من أصول مختلفة، أقلّ ازدحاماً خلال شهرَي يوليو/ تموز وأغسطس/ آب على خلفية سفر كثيرين. لكنّ عائلات عدّة فضّلت البقاء في فرنسا بسبب كلفة السفر الباهظة، لا سيّما إذا كان عدد أفرادها كبيراً. عائلة دحمان الجزائرية على سبيل المثال، اتخذت قرارها بعدم السفر إلى الوطن الأم هذا العام. يقول محمد دحمان: "اشترينا شقة في فرنسا ونحتاج إلى توفير كل يورو نحصل عليه. لذا، فقد انعكس الأمر على كل شيء في حياتي وحياة أبنائي". ويشير دحمان إلى اثنَين من أبنائه، لا يتجاوزان الأعوام العشرة، قائلاً إنّهما "يشعران بالسأم من جرّاء البقاء في البيت. يتعبان من القراءة، وأنا لا أريدهما أن يستخدما الإنترنت طويلاً". يضيف أنّه "لحسن الحظّ، تصطحبهما جمعية الإغاثة المسيحية مرّتَين في الأسبوع، مع عدد كبير من الأطفال، لزيارة باريس وضواحيها. وهذه الرحلات تشعرهما بأنّهما أنجزا شيئاً في عطلتهما قبل العام الدراسي الجديد".
من جهتها، لم تستطع عائلة المرابطي التوجّه إلى المغرب لقضاء عطلة الصيف، فهي اضطرت إلى الذهاب إلى الوطن قبل أشهر بسبب وفاة أحد أفراد العائلة. وتشير ربّة الأسرة إلى أنّهم لجأوا إلى خدمات بلدية باريس وضواحيها في الصيف، واشتركوا في برنامج ترفيهي يؤمّن رحلات للأطفال تشمل نزهات في مراكب في نهر السين وأنشطة أخرى كثيرة من قبيل الرقص وغيره. ويُقبل كثيرون على الرياضة بمختلف أنواعها، فيستفيد بالتالي من لم يتيسر لهم السفر في العطلة، من الخدمات التي تقدّمها المراكز الرياضية، خصوصاً المسابح وسط القيظ الاستثنائي الذي يضرب فرنسا هذا العام. وهذه هي حال عائلة عمر بنّيس التي يرتاد أفرادها ثلاث مرّات أو أربعاً أسبوعياً، أحد المسابح المجاورة لمحلّ سكنهم والذي يفتح أبوابه من منتصف النهار إلى الساعة الثامنة ليلاً.
أمّا عائلة كريم السبتي، فحسمت أمرها هذا العام وقرّرت الانتقال مرّة واحدة في الأسبوع إلى مدينة في منطقة باريس الكبرى، للتعرّف عليها وكذلك تعزيز "روح المغامرة والفضول لدى أبنائنا". ويخبر ربّ الأسرة: "نحضر خريطة باريس الكبرى، ونترك لأبنائنا حرية تحديد الوجهة التي يريدونها. وقبل أن نتحرّك بسيارتنا، يكونون قد جمعوا معلومات كافية عنها وعن المواقع التي تستحقّ الزيارة، من خلال المراجع المختلفة أو الإنترنت. هي دروس في التاريخ والجغرافيا والطهو والمواطنة".
من جهة أخرى، اتخذت عائلة محمد بن علي قرارها هذا العام لتحسين مستوى اللغة العربية عند أبنائها. يقول بن علي: "نلاحظ منذ فترة أنّ لغة أبنائنا العربية تتحسن بصورة كبيرة حين يعودون من المغرب. لكنّ ظروفاً خارجة عن إرادتنا حالت دون سفرنا هذا العام إلى الوطن. ولأنّنا لا نريد أن يفقد أبناؤنا رصيدهم اللغوي، قررت تسجيلهم في دروس للغة العربية في مركز إسلامي تابع للمسجد مرّتَين في الأسبوع، أمّا الباقي فأنجزه معهم في البيت. مستواي هو بكالوريا فقط".
إلى ذلك، ثمّة عائلات عربية كثيرة تقيم في ضواحي باريس البعيدة عن الوسط وفي مدن أخرى، علمت بوجود معهد العالم العربي في باريس، إمّا عن طريق صديق أو من خلال وسائل الإعلام. وقرّرت بالتالي في فصل الصيف هذا الحجّ إلى هذا المعلم الواقع في قلب العاصمة الفرنسية. هذه هي حال أسرة الشامي التي قدمت من مدينة أورليان (وسط) بالقطار، في رحلة استغرقت ساعة من الوقت. يقول فؤاد الشامي: "سوف نبقى يومَين في باريس ونزور معهد العالم العربي ونتعرف على العاصمة. كذلك ننوي الاستمتاع بفعاليات باري بلاج لهذا الموسم".
من جهته، يفتح عبد المومن عبد المومني، وهو لاعب دولي سابق في الملاكمة التايلاندية وحاصل على جوائز عالمية، النادي الرياضي الذي يديره في مدينة نانتير في الضاحية الغربية لباريس، للفتيان والشباب من كلّ الأعمار، حتى "يتعلموا هذه الرياضة ويحرروا أجسادهم وعقولهم. فالعقل السليم في الجسم السليم". يُذكر أنّ المتدربين لديه من مختلف الأصول والديانات، وبعضهم حقق بطولات.