هذا العام، حلّ رمضان من دون أن يتهيّأ له كثيرون من أولئك القابعين في مناطق تخنقها الحروب ويلفّها الفقر والجوع. أولئك قد يتمنّون أن تطأ أقدامهم أرضاً أوروبية، حيث الأمان والسلام وكرامة الإنسان مصانة. في المقابل، يتمتّع عدد كبير من العرب الذين لجأوا إلى أوروبا بنوع من الاستقرار يضمن لهم كحدّ أدنى سقف منزل وأساسيات الحياة الكريمة. كذلك يقيم عدد من أثرياء العرب في العاصمة البريطانية لندن، وقد اختاروها وطناً لهم بعد انهيار الأنظمة الحاكمة في بلادهم أو قبل حدوث ذلك بكثير هرباً من الطغيان والفساد وغيرها من الأسباب.
ويسعى المقيمون في لندن إلى عيش أجواء رمضان قدر المستطاع، في حين يسكن في أعماق كثيرين منهم حنين إلى احتفاليات هذا الشهر في بلادهم. وقد حاولت "العربي الجديد" استطلاع آراء عدد من أبناء الجالية العربية والمسلمة في لندن، الذين تباينت آراؤهم حول الاختلاف ما بين رمضان في لندن ورمضان في الوطن. لكنهم بمعظمهم عبّروا عن شوقهم إلى رمضان الوطن، فهم يفتقدون أشياء قد تبدو بسيطة في نظر البعض غير أنها تحمل معاني ترسّخت في النفوس منذ الصغر.
أميمة كبّة، عراقية الأصل تقيم في لندن، تقول: "أفتقد خيمة رمضان. تلك الخيم اعتدنا عليها في الإمارات العربية المتحدة، مع موسيقاها الهادئة وألحان العود". وتشير إلى أن ساعات الصيام الطويلة تمنعهم من لقاء الأهل والأصحاب، خصوصاً في خلال أيام الأسبوع، بسبب تأخّر وقت الإفطار. كذلك تفتقد تبادل الأطباق في ما بين الجيران والأصحاب والأقارب كما العادة في البلدان العربية. وتمنّت كبّة أن "تنظم ساعات الصيام لتتلاءم مع توقيت مكّة، فتتوفّر فرصة أكبر للقاء الأهل".
أما أسماء بحري، تونسية الأصل، فتعبّر عن اشتياقها إلى صوت المدفع والمسحّراتي، وإلى الشوارع الفارغة وقت الإفطار حين تغلق جميع المحلات التجارية أبوابها ويتحلّق الجميع حول موائد الإفطار. بالنسبة إليها، "الهدوء الذي يخيّم على مناطقهم في تونس يترجم وحدة الدين والعادات والتقاليد، كأنّ الجميع يعيش أجواء رمضانية واحدة". وتلفت إلى أنّ مواعيد فتح المحلات تتبدّل في شهر رمضان في تونس ومعظم البلاد العربية لتتناسب ومواقيت الإفطار، في وقت تبقى الأمور على حالها في لندن.
اقرأ أيضاً: رمضان أثرياء العرب في لندن.. باهت
من جهته، لا يجد إحسان أحمدي، من نيجيريا، أي فرق ما بين رمضان الوطن ورمضان لندن. ويخبر أنّه يجتمع مع الأهل ويذهب إلى المسجد ويشعر بأنّه يعيش في بلد مسلم ويتمتّع بحريّات أكبر من تلك المقموعة في بلاده. ويصف أحمدي الإسلام بأنه "أسلوب حياة. وكمسلم أستطيع التأقلم والعيش في أي بقعة من بقاع العالم، طالما أعبد الله ولا أغش ولا أنافق".
لكن محمد عرموش، من سورية، يرى أنّ "الاختلاف كبير جداً. أنا لا أصادف أي صائم هنا، بينما لا نصادف مفطرين في سورية إلاّ في ما ندر". ويؤكد أن ساعات الصيام الطويلة في لندن والتي تصل إلى 19 ساعة، تبقى أسهل من الصيام في سورية اليوم، بالنسبة إليه. ويبرّر قائلاً إنّ "الجوّ المعتدل هنا يساعد على تحمّل العطش، بخلاف سورية حيث ترتفع الحرارة في فصل الصيف، بالإضافة إلى الحرب المشتعلة حالياً والتي بدورها تجعل الصيام مهمّة صعبة". ويعبّر عرموش عن اشتياقه إلى إفطار والدته وأنواع الأطعمة المختلفة، فهو يقيم مع أخيه في لندن وهما يلجآن إلى الأطعمة سهلة التحضير.
ولا يختلف حنين إبراهيم الصعبي، من لبنان، عن سواه، فهو يفتقد الأهل واللمّة والعادات والسهرات. أمّا عاطف خليل، فيقول إنّ الحياة الاجتماعية في لبنان نشطة أكثر من لندن، سواء في وقت الإفطار أو السّحور. ويلفت إلى أنه "حتى في خلال الاجتماع في المسجد، يلتقي الأصحاب والجيران معاً. أما هنا، فنطاق الزيارات محصور بسبب دوام العمل وساعات الصيام".
أعياد الوطن في القلب
لا يَخفى على أحد تأقلم معظم العرب المقيمين في لندن مع أجواء البريطانيّين وعاداتهم وتقاليدهم وتعايشهم معهم، حتى تجاهل الجيل الجديد لغته العربيّة ومال في اتجاه كلّ ما هو غربيّ، من أفلام وموسيقى وكتب وثقافة عامة. لكن ذلك لم يمحُ الأجواء المميّزة والمشاعر النادرة المرتبطة بالأعياد والمناسبات الدينية والتي عهدوها في قراهم وحاراتهم ومناطقهم أو نقلها لهم أهلهم.
اقرأ أيضاً: أطفال بريطانيا يصومون والمدارس تمنعهم