تقوم السلطة الفلسطينية بتحرك جديد للحصول على قبول أميركي لمسعاها بالتوجّه الى مجلس الأمن للاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذ يلتقي كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ورئيس جهاز الاستخبارات الفلسطينية ماجد فرج، غداً الاثنين، بوزير الخارجية الأميركي جون كيري، في واشنطن.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الخارجية الأميركية أن الهدف من اللقاء هو إجراء محادثات لإيجاد "طريقة للمضي قدماً" في عملية السلام المعطّلة، يبحث الفلسطينيون عن صيغة سياسية مُرضية، لتفادي الغضب الأميركي والضغوط العربية، الرامية لمنع تقديم المشروع الفلسطيني العربي إلى مجلس الأمن.
وحول الهدف من اللقاء مع الإدارة الأميركية التي تصرّ على رفض التوجّه الفلسطيني إلى مجلس الأمن على اعتبار أنه موقف أحادي الجانب، فيما لا تزال القيادة الفلسطينية على موقفها بالذهاب إلى المجلس، يوضح كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، لـ"العربي الجديد"، أن "هذه المشاورات لم تنقطع ولا بد منها، وقرارنا بالذهاب إلى مجلس الأمن لن يتغير".
كما يؤكد مصدر مسؤول لـ"العربي الجديد" أن "القيادة الفلسطينية لا تستطيع تجاهل طلب واشنطن بإعطائها فرصة حتى نهاية العام الحالي، بهدف إعداد ورقة تحمل صيغة يوافق عليها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي للعودة لطاولة المفاوضات، تقوم على مرجعيات "مقاربات" مرضية للقيادة الفلسطينية".
وحول الأجندة التي يحملها عريقات وفرج للإدارة الأميركية، يقول المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، إن هناك نقاطاً أساسية تتضمن: اعتراف إسرائيل الرسمي بقيام دولة فلسطينية على حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، التفاوض على قيام هذه االدولة وفق تبادل طفيف للأراضي بين الطرفين، وقف الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وقف النشاط الإستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية تحديداً، وأخيراً الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى قبل عام 1993، واستكمال الإفراج عن دفعات جديدة من الأسرى الجدد كبادرة حسن نية من حكومة الاحتلال.
ويأتي اللقاء في واشنطن، في الوقت الذي ترى فيه القيادة الفلسطينية أن الإدارة الأميركية تدخّلت بشكل حاسم لتهدئة التصعيد الإسرائيلي في القدس المحتلة في الأيام الثلاثة الماضية، الأمر الذي عجز عنه أي طرف دولي آخر.
ويؤكد مسؤول فلسطيني لـ"العربي الجديد" أن "الإدارة الأميركية أرسلت رسالة حاسمة للإسرائيليين لكبح جماحهم عن أي تصعيد، وهذا ما انعكس بفتح المسجد الأقصى في اليوم التالي لإغلاقه أمام المصلين، ثم بسحب مشروع التقسيم الزماني والمكاني من أجندة الكنيست، بعد أن كان مطروحاً للبحث والنقاش".
ويرى المسؤول نفسه أن "هناك مصلحة أميركية أيضاً في تفادي أي تصعيد حالي في القدس التي تعيش حالة غليان بسبب الممارسات الإسرائيلية، لأنه قد يفضي إلى أن تفلت الأمور من عقالها من دون رجعة عبر انتفاضة في القدس، وهذا ما لا يريده الأميركيون".
ويشير الى أن الصيغة الأميركية التي عبّر عنها كيري خلال لقائه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في القاهرة، ومن ثم عبر الحديث الهاتفي، والتواصل غير المنقطع مع الإدارة الأميركية، تركّزت على نقطتين أساسيتين "وقف الاستيطان الإسرائيلي مقابل عدم ذهاب الفلسطينيين إلى مجلس الأمن، واستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها في أبريل/نيسان 2014 الحالي".
ويؤكد المسؤول الفلسطيني أن "هناك قناعة لدى عباس بعدم جدوى صيغة المفاوضات السابقة والتي استمرت تسعة أشهر بضمانات أميركية وانهارت في أبريل/نيسان، فضلاً عن اقتناعه بأن الولايات المتحدة لا تستطيع منع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، من استكمال مشاريع الاستيطان، فقد سبق وجربت ذلك وفشلت"، لكنه يشير الى أن "عباس يواجه ضغوطاً أميركية وعربية لمنع تقديم المشروع لمجلس الأمن، وليس من مصلحته إغلاق الأبواب مع الإدارة الأميركية".
وبحسب المصدر نفسه، "فقد بات مؤكداً أن الفلسطينيين لن يستطيعوا التقدّم بمشروع القرار الرامي لإنهاء الاحتلال قبل بداية عام 2015"، مؤكداً أن "هناك تأجيلاً، لكنه ليس مفتوحا".
ويعود هذا التأجيل الذي لم تعلن عنه القيادة الفلسطينية بشكل صريح بعد، لعدم قدرة الفلسطينيين على الحصول على تسعة أصوات لازمة لتقديم مشروع القرار إلى مجلس الأمن، بغية التصويت عليه.
ورغم الجهود الدبلوماسية المضنية التي بذلتها الخارجية الفلسطينية لإقناع دولتين أساسيتين للتصويت لصالح مشروع القرار، وهما فرنسا ولوكسمبورغ، فإن هذه الجهود باءت بالفشل، بسبب اشتراط فرنسا إحداث تغيير جوهري في مشروع القرار.
ويكشف مصدر دبلوماسي أوروبي موثوق لـ"العربي الجديد"، أن "التعديلين الجوهريين اللذين اشترطتهما فرنسا هما: عدم وضع سقف زمني لإنهاء الاحتلال، إضافة الى اشتراطات على موضوع الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967"، الأمر الذي رفضته القيادة الفلسطينية، لأنه يدمّر جوهر مشروع القرار.
يُذكر أن مشروع القرار الفلسطيني العربي الذي قدمه عباس للأمم المتحدة بتاريخ 26 سبتمبر/أيلول الماضي، بهدف تقديمه لمجلس الأمن، ينصّ على النقاط التالية: الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، إنهاء الاحتلال بجدول زمني وسقف لا يتعدى الثلاث سنوات، وبدء المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي على أساس ترسيم الحدود، يلي ذلك المفاوضات على قضايا الحل النهائي.
الإخفاق الفلسطيني في الحصول على تسعة أصوات من أعضاء مجلس الأمن، يعود للضغوط الهائلة التي وضعتها الإدارة الأميركية للحيلولة دون وصول مشروع القرار إلى مجلس الأمن للتصويت، لأن ذلك يعني أن الولايات المتحدة ستتدخل لإفشاله عبر حق النقض "الفيتو"، ما سيسبّب لها إحراجاً أمام حلفائها من الدول العربية في الحرب على تنظيم "داعش"، فضلاً عن الصعوبة والإحراج أمام القيادة الفلسطينية، إذا ما عادت هذه الإدارة لاحقاً لتكون الراعي الحصري لمفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وبحسب مصادر دبلوماسية فلسطينية، فإن الدول التي ستصوّت لصالح مشروع القرار الفلسطيني العربي هي: روسيا، الصين، الأردن، الأرجنتين، تشيلي، فيما لم تنجح الدبلوماسية الفلسطينية في إقناع دول أخرى للتصويت لصالح المشروع بسبب ارتباطاتها الوثيقة إما بالولايات المتحدة أو بإسرائيل.
وتراهن القيادة الفلسطينية على تغير تركيبة مجلس الأمن في بداية عام 2015، ما سيضمن لها الأصوات الداعمة الكافية، وبالتالي لن تكون بحاجة إلى صوت فرنسا ولوكسمبروغ.
وتؤكد مصادر متطابقة قريبة من صنع القرار الفلسطيني لـ"العربي الجديد"، أن ذهاب الوفد الفلسطيني للبحث عن صيغة مقنعة من الإدارة الأميركية، تم دعمه عربياً، وإعطاء وعود للقيادة الفلسطينية بأنه في حال توصلت مع الإدارة الأميركية إلى صيغة مقنعة يتم عبرها تجنّب الذهاب إلى مجلس الأمن، فإن جامعة الدول العربية ستوفّر لعباس مظلّة تقبل فيها هذه الصيغة، وبذلك لن يكون قراره فردياً بل مدعوماً عربياً.
وتكشف هذه المصادر "أن الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي و"القيادة المصرية"، على رأس الضغوط العربية التي تُمارس على القيادة الفلسطينية لتأجيل الذهاب إلى مجلس الأمن، والقبول بصيغة أميركية لحل الصراع مع الاحتلال، فضلاً عن ضغوط أخرى تمارسها السعودية، الإمارات، الأردن، والمغرب".
وترى المصادر نفسها "أن مصر تحتاج إلى إسرائيل في هذه المرحلة تحت ذريعة محاربة الإرهاب في سيناء، بهدف إحكام الحصار على حركة "حماس" وضربها، والأمر كذلك بالنسبة لبقية الدول العربية التي ضغطت على القيادة الفلسطينية، والتي تعتبر أن محاربة إرهاب "داعش" في المنطقة بات أولوية أكثر من القضية الفلسطينية".