تواجه العاصمة الفرنسية حاليا أزمة مهاجرين جديدة تسببت فيها عصابات من القاصرين، معظمهم من المغرب والجزائر، باتت تصرفاتهم تؤرّق سكان وتجار المقاطعة الباريسية الثامنة عشرة، خاصة منطقة باربيس، حيث يعيش أغلبهم على التسول والنشل، ويتعاطى بعضهم المخدرات.
وتعتبر المنطقة مصدر إزعاج مستدام، نظراً للكثافة الأجنبية فيها، وتعتبرها رئيسة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، مارين لوبان، باستمرار، خارجة عن نطاق الجمهورية، بسبب ممارسات مئات من سكانها، وبينها الصلاة في الشارع أيام الجمعة.
وبعد أن كانت فرنسا تحاول حل مشكلة غابة "كاليه" مع بريطانيا، وجدت نفسها أمام أزمة جديدة، فإذا كان مهاجرو كاليه في معظمهم من ضحايا الحروب والنزاعات في الشرق الأوسط وأفريقيا، ويرغب غالبيتهم في اللحاق ببعض أهاليهم في بريطانيا، فإن الوافدين الجدد الذين لا يتحدث أغلبهم سوى الدارجة المغربية، هم ضحايا تفكك عائلاتهم والأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المغرب.
وأوعزت السلطات المغربية إلى سفارتها أن تنسق مع السلطات الفرنسية في التحرك لمواجهة هؤلاء الشباب، وعبّرت لمحافَظَة باريس عن استعدادها لتسهيل الوساطة مع هؤلاء المهاجرين، كما أنها ستقوم بالبحث عن عائلات هؤلاء المغاربة في بلدهم، من أجل استعادة ارتباطهم الاجتماعي.
وشاهد مراسل "العربي الجديد" أربعة من هؤلاء بينما كانوا يستعطفون صاحب مطعم مغربي، غير بعيد عن مترو باربيس، لمنحهم بعض الطعام، وقال صاحب المطعم إنه "لاحظ تواجد هؤلاء قبل شهرين تقريباً، ولم تفعل السلطات أي شيء. ورغم حداثة سنهم إلا أنهم أحياناً يصبحون خطرين وعنيفين".
ويقول الكثير من سكان الحي إنهم لا يرتادون الحديقة العامة منذ أن استوطنها بعض هؤلاء الذين يقوم بعضهم بمهاجمة المارة أو الاشتباك فيما بينهم.
وقال أحد هؤلاء الشباب، لـ"العربي الجديد"، إن سفره استغرق أكثر من شهرين، وأنه ينحدر من مدينة الدار البيضاء، حيث يعيش الآلاف من أقرانه في الشارع، مضيفا أن بيته الحقيقي هو الشارع، حيث الحرية.
واستهجن تعاون السلطات المغربية مع نظيرتها الفرنسية لإعادتهم إلى المغرب، وقال: "لم أهرب من المغرب كي أعود إليه، وليست لديّ أوراق هوية، ولن أعترف بجنسيتي لأحد".
وقال زميله، الذي زعم أنه في الخامسة عشرة، رغم أن وجهه يدل على عُمر أقل: "يريد المسؤولون المغاربة أن يفعلوا بنا ما فعلوه بمغاربة آخرين في ألمانيا"، مشيراً إلى قبول المغرب استقبال مهاجرين غير شرعيين في ألمانيا، بعد حادثة كولونيا، التي اتهم فيها مهاجرون ولاجئون.
واعترف الفتى بأن كثيرا من الجمعيات الفرنسية تعرض إيواءهم، لكنهم يرفضون، ثم أضاف: "لقد اعتدنا حياة الشارع، لماذا نغيّر الأمر؟".
ويمكن تلخيص حياة هؤلاء اليومية في أنهم غائبون عن الوعي، يدخنون ويحتسون الخمر ويتعاطون المخدرات. والمخيف، بحسب سكان الحي، أن بعضهم يلجأ إلى استخدام العنف والنشل من أجل شراء ما يلزمه من الخمور والمخدرات الرخيصة. وغالباً ما ينتهي بهم الأمر إلى الاشتباك فيما بينهم.
واعترفت بلدية باريس بأنها إزاء ظاهرة غير مسبوقة، حيث يعبر هؤلاء، الذين لا يملك أحد إحصاءات دقيقة عن عددهم، عن "تعطشهم للحرية" و"رفض أي ترويض"، حتى وإن اقتضى الحال كسر زجاج السيارات لقضاء الليل داخلها، خصوصا سيارات البلدية، التي يستأجرها المواطنون والسياح للتحرك السهل في باريس.
ونجحت جمعية "خارج الشارع" التي تتخصص في تقديم المساعدة للقاصرين الأجانب، في فتح حوار معهم، فاكتشفت أن معظمهم متعوّدون على العيش في الشارع، حتى إن بعض الذين استضافتهم في ملاجئ ليلية سرعان ما غادروها إلى الشارع مجدداً. علما أنه لا يمكن للسلطات أن تحاكمهم وفق قوانين البالغين.
وتخشى بعض الجمعيات الخيرية في باريس أن تتم إعادة هؤلاء بالقوة إلى بلادهم، من دون تنسيق مع المعنيين، وبدون "استعادة حقيقية لارتباطهم الاجتماعي".