حالة من الفلتان على مستوى مواقف سيارات الميكروباص المخصصة لنقل الركاب في مصر، فعدا عن كون معظمها غير قانوني، فإنّ السيارات فيها متهالكة وغير حاصلة على التراخيص اللازمة. ربما تحلّ مشكلة النقل، لكنّها تسبب أزمات أكبر بكثير في البلاد.
مواقف سيارات الميكروباص العشوائية، باتت أزمة كبيرة تهدد شوارع كثيرة في محافظات مصر، فقد حولتها إلى فوضى وعشوائية من دون تحرك حاسم من الجهات المسؤولة، وهناك اتهامات بحصول أمناء شرطة تابعين لإدارة المرور المنوط بها تنظيم المرور، على إتاوة يومية من السائقين، مقابل السماح لهم بالوقوف كيفما يشاؤون، وفي أيّ مكان لتحميل سياراتهم بالركاب. وتجوب هذه السيارات الشوارع المصرية ليل نهار، منتهكة الآداب المرورية.
تعتبر شوارع محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة - الجيزة - القليوبية) من أكثر المحافظات استقطاباً لمواقف الميكروباص العشوائية، وهناك ازدحام لا ينتهي فيها. في القاهرة تنتشر عشرات المواقف، خصوصاً في الأحياء الشعبية: رمسيس، والإسعاف، والعباسية، والزيتون، وعزبة النخل، والمرج، وشبرا، والزاوية الحمرا، والشرابية، ومنشية ناصر، والسلام، وباب الشعرية، والعتبة. وتمتد المواقف إلى الأحياء الراقية حتى، مثل: مدينة نصر، والقاهرة الجديدة، وروكسي. خارج القاهرة المدينة، تنتشر المواقف في محافظة الجيزة في أحياء: فيصل، والهرم، وبولاق، وميدان الجيزة، و6 أكتوبر، والعمرانية. والأمر نفسه في أحياء محافظة القليوبية مثل شبرا الخيمة. وقد فشلت الأجهزة التنفيذية بتلك المحافظات، وعلى رأسها المحافظون، على مدار السنوات الماضية، في إيجاد حلّ للمشكلة.
يشكو المصريون من أنّ عدداً كبيراً من الشوارع تحول إلى "كراجات مفتوحة" يحكمها البلطجية، كما أنّ آلاف سيارات الميكروباص التي تسير في القاهرة الكبرى متهالكة في معظمها، من دون رقيب، علماً أنّ بعضها من دون لوحات معدنية، ويقودها سائقون متهورون وأطفال وبلطجية لا يعرفون عن أصول القيادة شيئاً.
يرصد الباحث في علم الاجتماع، محمد حسن، ما يعتبره دليلاً على تفشي سلوكيات تتسم بالعنف، ومجافاة الذوق العام من قبل هؤلاء السائقين، إذ يخطّون على سياراتهم عبارات تؤشر إلى العنف من بينها: "تعمل حسابي (تقيم لي وزناً) أقدّرك، تهزّر معايا أعوّرك (تمزح معي أؤذيك)" و"الحلوة لما تتدلع، تخلي الإسفلت يولّع" و"سوقوا بالراحة يا بهايم، أصل سوّاق العربية (السيارة) نايم". كذلك، هناك عبارات "خادشة للمشاعر" خصوصاً للنساء مثل "وراء كلّ مديون امرأة". يشير حسن إلى أنّه لم يعد هناك أيّ حرج في كتابة أيّ عبارة مهما كان نوعها، فبالرغم من أنّها مخالفة للقانون، وهناك غرامات مالية تفرض على من يقوم بذلك، بالإضافة إلى حجز السيارة، فالكتابات مستمرة في ظل عدم تحرك رجال تنفيذ القانون لمواجهتها.
تعتبر منطقة وسط القاهرة من أكثر المناطق اكتظاظاً بسيارات الميكروباص على مدار اليوم، لا سيما في أوقات الذروة سواء في الصباح حين يتوجه المواطنون إلى أعمالهم، أو في المساء عندما يعودون إلى منازلهم. وتؤدي المركبات إلى تعطل المرور، مع غياب تام لرجال المرور. منطقة الإسعاف، في وسط القاهرة، تضم عدداً من المباني المهمة مثل: نقابة الصحافيين، ونقابة المحامين، ودار القضاء العالي، ومستشفى الجلاء للولادة، بالإضافة إلى محطة مترو جمال عبد الناصر، وشارع 26 يوليو التجاري، وسوق وكالة البلح الذي يتردد عليه كثير من الأهالي لشراء الملابس الشعبية رخيصة الثمن. تحولت منطقة الإسعاف إلى الفوضى الكاملة بسبب تلك المواقف، مع تخلي المسؤولين عن مهامهم هناك. ومن ضمن كوارث تلك المواقف العشوائية لسيارات الميكروباص، تحويل زوايا تلك الأماكن إلى مراحيض للسائقين، من دون أيّ حرج من المارة، ما نشر الروائح الكريهة والتلوث الذي يمكن أن يؤدي إلى أمراض.
يعاني الأهالي من فوضى سيارات الميكروباص العشوائية، سواء بسبب الحوادث التي يمكن أن تصل إلى حدّ الوفاة، أو الضوضاء والإزعاج والتلوث. وفي هذا الإطار، يؤكد غريب أحمد، وهو موظف، أنّ المواقف الشعبية تحولت إلى حالة من الفوضى والضوضاء، مشيراً إلى أنّ في تلك المواقف عددا من أمناء الشرطة، لكنّها لا تطرد السائقين وتمنع وقوف سيارات الميكروباص وتسجل مخالفات بحقها، بل ترعى السائقين وتحافظ عليهم بمقابل مادي، وهو ما يدل على حالة الفساد المالي والإداري في البلاد. بدوره، يقول علاء حامد، وهو معلم، إنّ السيارات حوّلت أسوار المدارس إلى مواقف عشوائية، موضحاً أنّ تلك الوسيلة باتت أداة لارتكاب العديد من الجرائم، التي لا تقتصر على حوادث الطرقات، بل تخطت ذلك إلى جرائم القتل والخطف والاغتصاب. من جهتها، تحمّل وفاء محمد، وهي محامية، الحكومة مسؤولية تلك المواقف الشعبية، مؤكدة أنّ معظم سيارات الميكروباص الخاصة يمتلكها أمناء شرطة وضباط شرطة، وهي غير صالحة للاستخدام في نقل المواطنين، كونها متهالكة ولا تحمل أيّ لوحات معدنية، ما يعني أنّها غير قانونية، ولا تصلح لنقل الركاب. تؤكد أنّ دوراً كبيراً يقع على عاتق المحافظة، فالمطلوب إنشاء مواقف قانونية، وتكفل آداب المرور، وتعمل على إبراز مشهد حضاري. أما محمود علي، وهو سائق في إحدى المصالح الحكومية، فيقول إنّ مواقف الميكروباص الشعبية سبب رئيس للازدحام المروري في عدد من الشوارع، مضيفاً أنّ سلوكيات السائقين في تلك المواقف لا رقيب عليها، فهم يستغلون المواطن البسيط، ويزيدون قيمة الأجرة عليه.
في المقابل، ينفي السائقون الاتهامات الموجهة إليهم، ويؤكد كمال الجهلان، أحدهم، أنّ هناك عصابات من المبتزين، وكذلك أمناء الشرطة الذين يفرضون سطوتهم على جميع السائقين بالترويع والتخويف لدفع "المعلوم الإجباري" وإلاّ تسحب الرخص، كاشفاً أنّ أمين الشرطة يُرغم كلّ سائق على دفع 50 جنيها (3 دولارات أميركية) له يومياً، منذ بداية تحميل الركاب في الصباح. ويشدد على أنّ المواطن هو الذي يدفع الثمن، فالسائق هدفه جمع الأموال بأيّ طريقة: "لدينا مسؤولية الإنفاق على أسرنا، بخلاف أقساط السيارات". ويلفت عمر عطية، وهو سائق أيضاً، أنّ المواطن يرفض التوجه إلى المواقف الثابتة، بسبب بعدها خصوصاً، والسائق ليس أمامه سوى النزول عند رغبة المواطن وانتظاره في مناطق يطلق عليها اسم "مواقف عشوائية".