عضوية جنوب السودان بالجامعة العربية تُجدّد توتر القاهرة والخرطوم

12 مارس 2018
جولة شكري الأفريقية ستكون خاطفة (فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من عودة السفير السوداني عبد المحمود عبد الحليم إلى العاصمة المصرية القاهرة منتصف الأسبوع الماضي، إلا أن العلاقات بين البلدين ما زالت ملتبسة بشأن المشاكل الرئيسية العالقة، وعلى رأسها مطلب السودان باستعادة مثلث حلايب وشلاتين عبر اللجوء إلى التحكيم الدولي أو الأمم المتحدة، واختلاف سياسته في التعاطي مع سد النهضة في إثيوبيا ودخوله في اتفاقات مع الأخيرة لاستغلال السد تنموياً لصالح البلدين، فضلاً عن اتهامه للنظام المصري بمحاولة زعزعة الاستقرار في السودان ودعم شخصيات ومجموعات معارضة لنظام الرئيس عمر البشير.

في غضون ذلك يستهل وزير الخارجية المصري سامح شكري، جولة أفريقية قصيرة، اليوم الاثنين، تشمل كلاً من جنوب السودان وكينيا. وسيلتقي في جوبا اليوم الإثنين الرئيس سلفا كير ميارديت، ثم يوقع بمقر رئاسة الجمهورية على مذكرة لإنشاء آلية للتشاور السياسي بين البلدين، وتأتي الزيارة كرسالة في سياق طلب جنوب السودان العضوية بالجامعة العربية. فمنذ تقدّمت جوبا بطلب الانضمام حاولت كل من القاهرة والخرطوم عدم إبداء آراء حادة تجاه هذا الطلب، مع ترويج كل منهما إعلامياً لإدعاء بأن "القرار سيكون عربياً وسيتخذ بالإجماع على ضوء المعايير التي حددها ميثاق الجامعة العربية لضم الأعضاء الجدد"، إلا أن الواقع مختلف عن ذلك تماماً. ففي الوقت الذي سعت فيه مصر لشحذ الموافقة العربية على ضم جنوب السودان بعضوية كاملة، أو على الأقل بصفة مراقب، أجرى السودان اتصالات مكثفة بدول عربية عديدة للوقوف ضد المقترح الذي تبناه بصورة واضحة أمين عام الجامعة أحمد أبوالغيط، المعروف بصلاته الوطيدة بالنظام المصري.

وقال مصدر دبلوماسي في ديوان الخارجية المصرية، إن "هذا الملف من شأنه إضافة المزيد من الحساسيات للعلاقات المصرية السودانية، لأن الحكومة المصرية تعتقد أن ضم جنوب السودان سيمثل انتصاراً استراتيجياً للقاهرة وتقويضاً لنظام البشير، فضلاً عن وجود مصالح اقتصادية يريد السيسي تطويرها في جنوب السودان من خلال استغلال الأراضي القابلة للاستصلاح واستغلال الموارد المائية لإنتاج الطاقة".

وأضاف المصدر أن "هناك اتصالات بين القاهرة وجوبا لتنسيق هذا الملف منذ عام 2015، قبل أشهر عدة من إعلان أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط للمرة الأولى تلقيه طلباً من جنوب السودان لمنحها صفة مراقب خاص في يوليو/تموز 2016، الأمر الذي كان أبو الغيط قد طرحه في حينه على الخرطوم وقوبل المقترح باستياء سوداني في القاعات المغلقة، وبتصريحات رسمية تلقي الكرة في ملعب الجامعة لتفعيل معايير الانضمام".

وأوضح أن "السودان يروج في اتصالاته حالياً لضرورة التمسك بالمعيار الخاص باللغة الرسمية للدولة، وهو ما سيتخلف حتماً في دولة الجنوب، إلا في حالة تعديلها الدستور وإيداعه لدى الجامعة العربية. كما يروّج لعدم صلاحية الجنوب للانضمام لعضوية المراقب بسبب هويتها غير العربية واعتبار عدم عروبتها أحد أسباب انفصالها عن السودان وعلاقاتها الوطيدة بإسرائيل، العدو التاريخي المفترض للعرب، واعتراف النظام الحاكم لها باستيراد الأسلحة من إسرائيل، فضلاً عن كون الأخيرة إحدى أبرز الدول الداعمة لجوبا اقتصادياً".


وبحسب المصدر فإن "معظم الدول العربية غير متحمّسة لضم جنوب السودان للعضوية، لكن مسألة "صفة المراقب" ليست محسومة لأن لها اعتبارات أخرى ستكون محل دراسة، خصوصاً أن أبوالغيط يحاول استمالة أصوات دول الشمال الأفريقي، بدعوى أن ضم جنوب السودان سيخلق عمقاً أفريقياً للدور العربي في وقت تتسع فيه الهوة بين توجهات دول شمال وجنوب الصحراء، وتعاني فيه مصر والسودان مع جنوب حوض النيل. وهو طرح ووجه بأسئلة وتحليلات من وزراء الخارجية تثير شكوكاً في إمكانية أن يضيف انضمام جنوب السودان أي شيء للمنظومة العربية التي هي في الأساس واهنة التأثير".

وأشار المصدر إلى أنه "على الرغم من تطور العلاقات الثنائية بين القاهرة وجوبا، ورعاية السيسي لإطار مصالحة بين النظام ومجموعات معارضة في جنوب السودان الخريف الماضي، إلا أن التواجد الفعلي المصري مازال ضئيلاً ومتراجعاً بالنسبة لدول أخرى على رأسها إسرائيل، لا سيما على مستوى الاستثمارات والمساعدات الإنسانية. الأمر الذي كان موضوعاً لمناقشات جرت في فبراير/شباط الماضي بين النائب الأول لرئيس جنوب السودان تعبان دنج والمسؤولين المصريين بالقاهرة".

وكان التراشق الإعلامي والدبلوماسي الأخير بين القاهرة والخرطوم قد بدأ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد أيام معدودة من توقيع إطار المصالحة الجنوب سوداني في القاهرة، عندما صرح وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور بأن "بلاده تمنح جزءاً من حصتها المائية لمصر، وأنها تؤيد إنشاء سد النهضة بالصورة المقترحة من إثيوبيا لأنها ستحصل على حصتها الكاملة من المياه وفقاً لاتفاقية 1959".

وبعد هذا التصريح حاولت مصر الابتعاد عن المسار السوداني وعدم المراهنة على موقف الخرطوم ومضت للتحرك التفاوضي المباشر مع إثيوبيا. الأمر الذي عرقلته التطورات الداخلية الإثيوبية واستقالة رئيس الوزراء هايلي ميريام ديسالين، ومنذ ذلك الحين حاولت القاهرة إرجاء البت في جميع الملفات العالقة بين مصر والسودان لعدم منح البشير فرصاً أخرى لممارسة الضغوط على مصر. وهو ما أسفر عن تفاهم بين البلدين أخيراً أدى لعودة كل من السفيرين للعاصمتين وتشكيل لجنة دبلوماسية - استخباراتية لبحث حلول للقضايا المشتركة.