هكذا أبدا نهاري؛ لا أنسى ولا أتذكّر أني أعيش في مستودع، الآلة على يساري لم أتخلّص منها، ليس لأنها ثقيلة بل لأني أعتبرها تحفة، عطالة جميلة، مأثّرة.
من حين إلى آخر أبصق عليها بحب، ثم أقطع قطعة من قماش معلّقة على الحائط كستارة لنافذة غير موجودة أبصق فيها البلغم الذي جمّعته بين حنجرتي ورئتي من الليلة الفائتة، ثم أمشي راقصاً إلى ساعة الحائط المتوقفة وأعبث بالعقربين مغمض العينين، وأقرر بعدها حسب التوقيت الخاطئ طقس يومي.
أقرّر أن أنهي حياتي، أضحك، ثم أرجئ ذلك لأن الوقت الذي أهدتني إياه الساعة فائت، أو بحجة أني لم أنته من قراءة كتاب مملّ لن أنهيه بحال من الأحوال.. أصيغ جملتين ولا أكتبهما، لأني كائن لا أستحق أن أوثّق رعبي من الوجود..
أشغّل الراديو على محطة تبث أغاني لا أفهمها، أحرّك جسدي لدقيقتين. أتأّكد من أن كل الإيقاعات نشاز وأعود لأستلقي على شيء، مجازاً اسمه سرير، أموت نصف ساعة، بعدها ألفّ شيئاً في رغيف. يا لتفاهتي، آكل لأعيش كأنه أمامي أشياء لأفعلها، ألتهم قطعة منه.
الجمل الآنفة السخيفة هي ما تبقى من رواية قصيرة كتبتها وأنا في سن العشرين، أو هي الصفحة الوحيدة التي لسبب ما لم تحترق. الصفحة الوحيدة الناجية، والتي أعدت تحريرها. احتفظت بها عشرين عاماً وها أنا أعيد إحياءها، ليس لأنها ورقة محظوظة، بل لأنها ورقة نبوءة مربكة.
أنا الآن حقيقة أعيش في مستودع لا تنقصه تلك الآلة، تلك العطالة الجميلة... هذا البيانو العتيق الثقيل الخرب الذي غالباً ما أرخي جسدي عليه وأبكي من غير أن يسمع موسيقاي أحد.
* شاعر سوري مقيم في أميركا