كان نتاج الصراع السياسي الدائر في القاهرة، بعد تفشي أذرع الثورة المضادة ضد ثورة 25 يناير 2011، وعدم استتباب الأوضاع في تونس وبروز الكثير من التحديات التي كانت خافية أمام ثورتها، أن توجهت أنظار السياحة العربية إلى الجارة تركيا، كبديل مناسب ومقارب للثقافة العربية، ولحجم الإنفاق المالي الذي ينفقه السائح العربي خلال فترات الصيف من كل عام، إضافة إلى استطاعة إسطنبول توفير كافة التسهيلات التي يحتاجها السائح العربي، بجانب المناخ المعتدل والقرب في العادات الحياتية.
ففي إسطنبول بشقيها الأوروبي والآسيوي، يتوافر المناخ الجيد، والأماكن السياحية الجذابة، كمضيق البسفور، والسلطان أحمد، والمشاهد السياحية الجذابة في مدن "طرابزون"، و"أرتفين"، و"ريزه"، و"أردو"، و"غيرسون"، و"كوموش خانة". و"انطاليا"، و"بورصة" وغيرها، بالإضافة إلى المطبخ التركي الصحي والقريب من الأكلات العربية، المصنوع طبقا للطريقة الإسلامية، كل ذلك جعلها قبلة للسائح العربي.
معدلات السياحة العربية في تركيا
وطبقا للتقارير الرسمية الصادرة عن الدوائر المختصة في الحكومة التركية، فإن عدد السياح العرب في تزايد مستمر، ففي العام الماضي بلغ عدد السياح العرب ما يقارب الـ4 ملايين سائح من كل من الجزائر والمغرب وليبيا ومصر وتونس والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر والكويت والعراق ولبنان والأردن والمملكة العربية السعودية واليمن، إضافة إلى إيران، ليصل إلى قيمة مالية كدخل للاقتصاد التركي تقارب تسعة مليارات دولار.
هدى إمام، عراقية تحمل الجنسية الأميركية، وهي مديرة أحد نوادي كمال الأجسام في إسطنبول، تقول لـ"جيل العربي الجديد": "قضيت معظم عمري في أميركا ودبي، وحينما قررت الاستقرار اخترت إسطنبول، خاصة أني زرتها كثيرا كسائحة، وهي مدينة جميلة يلاقي السائح فيها كل الحفاوة والتعاون. بجانب ذلك، فأنا كنت أقضي وقتي سائحة بين التنزه والاطلاع على سوق العقارات، لتملك شقة لي أو لأقاربي أو لأصدقائي". وأشارت هدى إلى أن أسرتها مقيمة في واشنطن، وتأتي لزيارتها في إسطنبول كل صيف، لقضاء الصيف في بيئة قريبة إلى بيئة موطنهم الأصلي.
الدراما التركية وتسهيلات الدخول
بيد أن الدراما التركية كانت إحدى مقومات الجذب الكبرى للسائح العربي، خاصة أن قطاعا لا بأس به من السياحة العربية يأتي إلى إسطنبول لزيارة الأماكن التي ظهرت في المسلسلات التركية والإعلام. إلا أن التسهيلات التي تمنحها تركيا لمواطني العديد من الدول كانت الدافع الكبير لقدوم السياحة العربية إلى داخل البلاد، إذ تسمح القوانين لما يقارب الـ60 جنسية بدخول البلاد دون تأشيرة، وتمنح أنقرة التأشيرات داخل المطارات التركية، بجانب تفعيل نظام التأشيرات الإلكترونية لرجال الأعمال والسياح.
خريطة تحرك السائح العربي
عمار سيد درويش، مستشار عقاري ومترجم سوري يعيش في إسطنبول منذ ثلاث سنوات، ويعمل في شركة عقارات royal view، قال لـ"جيل العربي الجديد": "إن خريطة تحركات السائح العربي تبدأ من دولته، حيث تقوم شركات العقارات والسياحة التركية بالدعاية لنفسها لجذب السائح، إما عن طريق الإنترنت من خلال إنشاء مواقع دعائية لها تخاطب الخليج في المقام الأول ثم باقي الدول العربية، أو من خلال فروعها التي تقوم بإنشائها داخل المطارات التركية، للتنسيق مع شركات السياحة الخليجية والعربية لاستقطاب السياح". ويضيف درويش: "فنادق البسفور ذات الطلة الجميلة على المياه، هي مقصد السائح العربي الأول، خاصة أنه يأتي إلى تركيا للفسحة في المقام الأول، ثم فنادق تقسيم ثم فنادق اكسراي في المرتبة الثالثة في إسطنبول، وفي خارج إسطنبول يقصد أنطاليا وأنقرة".
ويتركز برنامج السائح العربي في إسطنبول على 3 مقاصد أساسية، أولها الفسحة في كافة الأماكن السياحية في البلاد، خاصة تلك التي رآها في الدراما التركية، بخلاف تلك التي تروج لها شركات السياحة، بجانب زيارة الأماكن الإسلامية التاريخية بطبيعة الحال. أما الأمر الثاني، فهو ممارسة نهمه المعروف بالشراء، حيث يقبل السائح العربي على شراء المنتجات التركية، خاصة الملابس بشكل كبير. وتزداد عمليات البيع للسياح بشكل كبير في شهور الصيف في تركيا، وهي يونيو/حزيران ويوليو/تموز وأغسطس/آب. أما الامر الثالث فهو الاستثمار العقاري.
مآرب أخرى
تقول الإحصائيات إنه خلال عام 2014، تم إبرام عقود شراء عقارات تصل إلى نحو 5000 عقار من جانب السياح ورجال الأعمال العرب. ومن المشهورين في هذا الحقل، شركة برو أكت pro act، وهي إحدى الشركات العقارية، في منطقة بيلك دوزو في تركيا والنشطة في الاستثمار العقاري، وخاصة لرجال أعمال وسياح عرب. يقول محمد ميسر، مستشار عقاري ومترجم في الشركة: "يأتي السائح العربي إلى تركيا للفسحة وشراء شقق سكنية، أو عقارات سكنية، من أجل ضمان تكرار زياراته إلى تركيا لسنوات عدة".
وشرح ميسر ذلك بالقول: "هنا في إسطنبول هناك عشرات التجمعات السكنية التي يقصدها السياح العرب لتأجير شقق لقضاء الصيف، خاصة أن تلك التجمعات تتمتع بكل مظاهر الترفيه من حمامات سباحة ونوادي ألعاب وكمال أجسام، بالإضافة إلى المقاهي وألوان الترفيه المختلفة. ومع تكرار زيارات السائح العربي لتركيا يجد أن أسعار الشقق ليست غالية، فيدفعه ذلك إلى شراء شقق في هذه التجمعات يقضي فيها فترة الصيف، ثم يغلقها مرة أخرى حتى حلول العام المقبل، أو يجعلها لأحد أبنائه باقي العام.
(مصر)