تواجه المخرجة الكندية عطية خان، في فيلمها الوثائقي "رجل أفضل"، مسألة العنف الأسري دون مواربة أو تجميل، إذْ تكشف أدق التفاصيل التي تعرضت لها شخصياً منذ عشرين عاماً عندما كانت تبلغ الثامنة عشرة، والتقت بأول حبيب لها، فعاشا معاً وبدأت تتعرض هناك لأقسى درجات العنف المنزلي المُمارس من قِبَله، وهو كان يكبرها بعام واحد، وكانت أيضاً تجربته العاطفية الأولى. مارس ستيف شتى أنواع الضرب والتعنيف الجسدي اليومي تجاه عطية خلال فترة بقائها معه التي استمرت سنتين، حيث كانت تخشى من الهرب، ورغم أنهما كانا يرتادان المدرسة الثانوية نفسها، إلا أن أحداً لم يبادر لمساعدتها رغم ظهور الآثار الوحشية على جسدها.
ترحل عطية هاربة من الموت، ويشفى جسدها، لكنها لا تشفى من الداخل، وتحتاج باستمرار لفهم ما جرى ولماذا جرى، وتقرر بعد مرور عشرين عاماً، أن تتواصل معه لتسأله "هل أصبحتَ رجلاً أفضل؟".
يتمحور الفيلم حول عطية وستيف الذي يوافق على الحضور والمثول أمام الكاميرات للحديث عما جرى منذ عشرين عاماً في مواجهة غير اعتيادية من قِبَله تجاه كل ما ارتكبه بحقها، حيث كان يضربها لدرجة الإغماء، وكان يحاول خنقها، ولطالما تسبب لها بجروح دامية. ويقف ستيف أمام الكاميرا عاجزاً، ولا يسعه اليوم أن يقدم اعتذاراً، ولكنه يتحلى بالشجاعة الكاملة ليتحمل مسؤولية ما ارتكب، ويَمثل أمامها ليقر بكل ما ارتكبه ويواجه معها آثار الجروح النفسية التي لم تندمل.
"العربي الجديد" حاورت عطيّة خان في لقاءٍ خاص.
ترحل عطية هاربة من الموت، ويشفى جسدها، لكنها لا تشفى من الداخل، وتحتاج باستمرار لفهم ما جرى ولماذا جرى، وتقرر بعد مرور عشرين عاماً، أن تتواصل معه لتسأله "هل أصبحتَ رجلاً أفضل؟".
يتمحور الفيلم حول عطية وستيف الذي يوافق على الحضور والمثول أمام الكاميرات للحديث عما جرى منذ عشرين عاماً في مواجهة غير اعتيادية من قِبَله تجاه كل ما ارتكبه بحقها، حيث كان يضربها لدرجة الإغماء، وكان يحاول خنقها، ولطالما تسبب لها بجروح دامية. ويقف ستيف أمام الكاميرا عاجزاً، ولا يسعه اليوم أن يقدم اعتذاراً، ولكنه يتحلى بالشجاعة الكاملة ليتحمل مسؤولية ما ارتكب، ويَمثل أمامها ليقر بكل ما ارتكبه ويواجه معها آثار الجروح النفسية التي لم تندمل.
"العربي الجديد" حاورت عطيّة خان في لقاءٍ خاص.
كان لافتاً للنظر أنك قد أعطيتِ ستيف مكاناً في الفيلم ليبدو كإنسان طيب رغم كل ما ارتكبه؟
بالضبط هذا ما أردته، فهناك من يعتقد أن هؤلاء الأشخاص الذين يمارسون العنف ضد شريكاتهم في الحياة، هم شر مطلق وشياطين. لكن الحقيقة أنهم في الغالب أشخاص طيبون، يقومون بتصرفات سيئة، ولا يملكون وسيلة لتغييرها. ستيف كان رجلاً ذكياً وحساساً مع أصدقائه، وكان الجميع يعتمد عليه للمساعدة، وكان علي أن أصور هذا الجانب من شخصيته أيضاً، لأنه إنسان في النهاية لديه جوانب شخصية وعاطفية مختلفة، كما صورت نفسي بالطريقة نفسها، فقد كنت غاضبة في بعض الأحيان، حزينة وضعيفة في أحيان أخرى، وحتى فضولية. أردت أن نبدو كما نحن في الحياة اليومية، الأشخاص العاديين الذي يملكون كماً هائلاً من التناقضات.
لقد تمكنت من إبداء التعاطف مع شخص مارس الأذى النفسي والجسدي معك بشكل متواصل، كيف ذلك؟
أردت أن أدع الحكم لجمهور المشاهدين الذين تمكنوا من تجاوز الصورة النمطية في التعاطف، فأنا لا أريد أن أُعامَل بطريقة استعطاف ودونية، بينما يُعامَل هو كمجرم فظيع، كان لا بد من خلق التوازن الإنساني. حتى أن بعض المشاهدين قالوا لي بعد مشاهدة الفيلم، نشعر بالأسى لأجل ستيف فهو لم يعرف كيف يتحكم بتصرفاته.
أعتقد أنه تمكن من ترك الأثر الإيجابي عندما وافق على الحضور لمواجهة الماضي معك، وليتكلم على العلن من خلال الفيلم عن كل ما فعله في السابق، هل كان يمكن لك إنجاز الفيلم دون حضوره؟
كلا لا يمكن ذلك، أنا أرى أننا نفتقد في مجتمعاتنا كافة لهذا الجزء من التواصل، حيث نعود إلى من أذانا وارتكب بحقنا أسوأ التصرفات لنسأله ونفسح له المجال ليتكلم، ليس لنبرر له أياً مما فعله، ولكن ليقف في مواجهة مع ماضيه لتحمل المسؤولية القصوى. النساء بحاجة لمواجهة هؤلاء الأشخاص، فالحل لا يكمن فقط في معالجتهن ومحو آثار الأذى الذي تعرّضن له، بل على المرتكبين أن يواجهوا أخطاءهم ويتحدثوا عنها بوعي كامل. وقد فوجئت بأن النساء في معظم الحالات لا يطالبن بدخول هؤلاء الرجال إلى السجون، ولكنهن يطلبن حواراً حقيقياً وتحملاً كاملاً للمسؤولية من قبلهم. يجب أيضاً أن نعترف بأن السجن لا يصنع من هؤلاء الأشخاص أناساً أفضل، بل على العكس هم يخرجون من السجن أكثر شراً، ويكررون ما ارتكبوه من قبل، لأن المساعدة الحقيقية لم تُقدم لهم ليصبحوا رجالاً أفضل. في النهاية على المرأة المُعنَفة أن تختار الطريقة التي يمكن أن تواجه بها هذا الأمر كي تصل إلى الشفاء النفسي التام، وهذا لا ينفي في النهاية أن السجن هو الحل في بعض هذه الحالات.
هل توصلتِ للشفاء الذي كنت تبحثين عنه خلال العشرين عاماً المنصرمة؟
قد يبدو مفاجئاً لكِ، ولكنني عند بداية المشروع أخبرت عائلتي بأنني ربما سأتعرض لنوبة اكتئاب حادة، ولا أعرف كيف يمكنني أن أواجه ذاك الشخص مرة أخرى، وأن أعود معه إلى الأماكن ذاتها حيث تعرضت لأسوأ الظروف في حياتي. ولكن العكس تماماً هو ما حصل. لقد شفيتُ تماماً، لم تعد الكوابيس الدائمة تزورني ولم أعد خائفة. لقد نلتُ حقي على العلن وأن أصنع من هذه القصة تجربة مفيدة لكلا الطرفين في هذا النوع من العلاقات السيئة.
تواجه النساء عادة في مثل هذه الحالات توصيف المجتمع لهن على أنهن ضحايا يجدر منحهن الشفقة والتعاطف، لكنك أبديت قوة غير اعتيادية، حيث كنت الطرف الأقوى، وبدا هو ضعيفاً بحاجة ماسة للمساعدة، ولكن في الحقيقة ألم يكن من المخيف جداً العودة إلى ذاك الشخص الذي كان في وقت من الأوقات مسيطراً وعنيفاً؟
لقد كان ذلك مخيفاً للغاية، خاصة أن المجتمع اليوم يتحاشى الحديث عن هذه المواضيع، وليس هناك العديد من الأشخاص الذين يمكنك الوثوق بهم للتحدث عن أمر خاص كهذا. فبناء المجتمع العصري يفرض حدوداً من الخصوصية تمنع مد يد العون. لطالما هربت من منزلي صارخة مليئة بالجروح دون أن يقترب أحد مني للمساعدة، لطالما لاحظ الأشخاص المحيطون بي في المدرسة والحي آثار التعنيف، دون أن يقتربوا لمد يد العون على اعتبار الأمر خاصاً بي. يعتقد الجميع بأن الأمر لم يكن سيئاً للغاية، وعند التحدث عنه يسألونني لماذا بقيتِ إذاً في العلاقة؟ هم لا يعرفون كم الخوف الذي يصيب الضحية في مثل هذه الحالات، ولا يقوم أحدهم بالتوجه للشخص المسيء ليسألوه: لماذا تمارس العنف؟ كيف يمكننا أن نساعدك لتتوقف! أرى أننا إذا لم نفتح هذا الطرف من النقاش مع مرتكبي العنف، فلن نتمكن أبداً من حل المشكلة.
بماذا تلخصين تجربتك؟
أستمر في عملية الشفاء الشخصي مدى الحياة، وأقوم بمساعدة الكثير من النساء، وعلى المجتمع الإقرار بحقهن بالحصول على حياة أفضل، ومواجهة الظلم بقوة مضاعفة، وترك كل العلاقات المسيئة، عليكِ أن تعلمي أنه بإمكانك أن تكوني في قمة السعادة وأنت وحدك، لستِ بحاجة إلى رجل بجانبك في جميع الأوقات، كوني قوية دائماً.