البلقان ليس تفصيلاً في أوروبا، بل مقياساً لجنوحها إلى السلم أو الحرب. في مقدونيا، لم يعد تغيير اسم هذا البلد أمراً ثانوياً يخصّ أهلها، كما في سريلانكا التي تحولت من سيلان، وميانمار التي كانت بورما. في مقدونيا الأمور أكثر تعقيداً، كشأن كل بلدان البلقان. اسم البلاد مرتبط بالذاكرة التاريخية والجماعية لليونان، المتفاخرة بتراثها الإغريقي ـ المقدوني، وبإسكندرها المقدوني، ومحافظة مقدونيا الخاصة بها، مع ما ترتّب على ذلك من خلافات بين البلدين، كما أن اسم مقدونيا نفسه عرقل انضمام سكوبيي إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
يوم الأحد الماضي، كانت مقدونيا أمام استفتاء شعبي، بعنوان "هل تؤيد الاتفاق المقدوني ـ اليوناني للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي؟". كان من الطبيعي أن يكون الاستفتاء خلاصة نقاش طويل بين حكومتي اليسار في البلدين، بين أليكسيس تسيبراس في أثينا وزوران زايف في سكوبيي. حاول الطرفان إبعاد المؤثرات اليمينية عن القرار، خصوصاً مع بروز جماعات صغيرة في مقدونيا، مؤيدة للخيارات الصربية والروسية، وهو ما شكّل خطراً أساسياً على البلاد الطامحة إلى الخروج من عزلتها. ووقوعها بين اليونان وبلغاريا وصربيا وكوسوفو وألبانيا، ضيّق الخيارات الاقتصادية والسياسية عليها. ومنذ الاستقلال عام 1991 عن يوغوسلافيا السابقة، شكّل النزاع مع اليونان حول اسم البلاد، عقبة أمام انطلاق مقدونيا نحو العالم الغربي.
استجاب 36.62 في المائة من الناخبين لطلب زايف، في ظلّ مقاطعة الحزب اليميني ("التنظيم الثوري الداخلي المقدوني - الحزب الديمقراطي للوحدة الوطنية المقدونية"). صوّت من هؤلاء 94.19 في المائة لصالح تغيير الاسم، ورفض 5.81 في المائة. عملياً يجب أن يمرّ الاستفتاء، لكن المادة 30 من الدستور المقدوني تنصّ على أنه "لا يمكن تمرير أي استفتاء ما لم يتجاوز عدد المشاركين فيه نسبة 50 في المائة من الناخبين". وللتحايل على هذه المادة، يسمح الدستور بتمرير الاستفتاء إذا نال تأييد ثلثي أعضاء البرلمان، أي 80 نائباً من أصل 120، وهنا المعضلة، إذ إن الحكومة تملك 71 نائباً في مقابل 49 نائباً لـ""التنظيم الثوري الداخلي المقدوني - الحزب الديمقراطي للوحدة الوطنية المقدونية"، وهو ما قد يعرقل الأمر دستورياً. مع العلم أن التغيير إن حصل، سيطاول أيضاً إزالة الرموز والشعارات المرتبطة بمقدونيا اليونانية، كـ"شمس فيرجينا" التي ترمز إلى اليونان، وكل ما يمت بصلة إلى الإسكندر المقدوني.