لحظات عصيبة توقف عندها الزمن، ليستعيد الفتية ذكرياتهم وسط أسرهم وبين أصدقائهم، وهم لا يعلمون ماذا ينتظرهم في القادم من الأيام، وهل سيكتب لهم اللقاء مجدداً، أم ستكون هذه المرة الأخيرة.
تبدو عقوبة السجن الفعلي في سجون الاحتلال الإسرائيلي بالنسبة لمحمد تايه (17 عاماً) ويزن أيوب (16 عاماً) ومراد علقم (15 عاماً) وزيد الطويل (17 عاماً)، أهون بكثير من عقوبة الحبس المنزلي مدة تسعة شهور، كانوا فيها رهائن بمنازلهم، وتحت رقابة وحراسة عوائلهم.
الفتية مُنعوا، خلال هذه الفترة، من الحركة والالتحاق بمدارسهم، وحتى الذهاب إلى الطبيب للعلاج، فيما لم يكفّ جنود وضباط مخابرات الاحتلال عن اقتحام منازلهم للتأكد من التزامهم بعقوبة الحبس المنزلي.
وينحدر الفتية الأربعة من حي بيت حنينا شمال القدس المحتلة، وكانوا قد اعتقلوا قبيل منتصف العام الماضي ضمن مجموعة من الأطفال والفتية المقدسيين، بتهم تنفيذ هجمات بالحجارة والزجاجات الحارقة أوقعت إصابات في صفوف الجنود والمستوطنين.
كان قاضي المحكمة المركزية الإسرائيلية حكم على مراد علقم بالسجن الفعلي لمدة 36 شهراً، فيما حكم على محمد تايه وزيد الطويل بالسجن الفعلي لمدة 28 شهراً، بينما كان نصيب يزن أيوب من قرار القاضي السجن الفعلي لمدة 14 شهرا.
في أحاديث قصيرة ومقتضبة، لم يجد هؤلاء الفتية إلا عبارات من قبيل "ما في خيار، السجن أفضل من حبس البيت"، فيما يقول علقم، وهو يقبّل يد والدته: "ليس مهماً، فترة وتنتهي، ربنا يعين".
أما زيد الطويل، فلا يعلم ماذا ينتظره داخل السجن وهو يقول "لا أظن أن السجن سيكون أصعب من التعذيب والضرب الذي مررنا منه قبل أن يصدر القاضي حكمه".
والدا الفتى مراد علقم، تحدثا لـ"العربي الجديد" عن الفترة الصعبة التي عاشتها الأسرة خلال حبسه في البيت ومنعه من الخروج، ويقول والده: "أن تتحول إلى سجان يراقب ويتابع تحركات نجله فهذا أصعب ما يمكن أن يمر به إنسان على وجه الأرض"، في حين اكتفت الوالدة بالدعاء لابنها ورفاقه بالتحرر من السجن، وقالت "عمر السجن ما سكرت أبوابه، مصيرهم يطلعوا منه".
أما والد الفتى محمد أبو تايه، فتطرق هو الآخر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى معاناة الأسرة بأكملها خلال فترة الحبس المنزلي التي أمضاها محمد قبل أن يسلم نفسه أمس لسلطات الاحتلال، يقول "لا يوجد يوم يمر من دون مداهمات وإرسال استدعاءات للتحقيق وتوجيه التحذيرات، لقد جعل الاحتلال حياتنا جحيما".
أمجد أبو عصب، رئيس لجنة أهالي الأسرى والمعتقلين المقدسيين، كان من بين من انضموا إلى عائلات الفتية الأربعة، ليشارك في توديعهم ورفع معنوياتهم، ولم يخف تأثره لحظة العناق الطويل بين الأمهات وفلذات أكبادهم.
وقال أبو عصب، لـ"العربي الجديد": "هذا قدرنا في القدس، وقدر أطفالنا وأمهاتنا، منهن من تودع أسيراً أو شهيداً، وعشرات منهن ينتظرن ملامسة جثامين أبنائهن المحتجزة منذ أكثر من نصف عام لدى الاحتلال".
ولفت إلى حالات مماثلة، مستحضراً حالة أم من سلوان سبق أن ودعت أطفالها قبل أكثر من عام في ساحة سجن المسكوبية، بعد أن وُجهت لهم تهمة محاولة طعن أحد الجنود على الحاجز العسكري المقام على مدخل مخيم شعفاط، شمالي القدس المحتلة.
ويشير إلى أن عدد الأسرى من الأطفال المقدسيين في سجون الاحتلال خلال الهبّة الشعبية ما يقرب من 130 أسيراً من أصل 400 أسير، لا تتعدى أعمارهم الثامنة عشرة، وهو عدد كبير، حسب تعبير أبو عصب.
يذكر أن أكثر من 1600 مقدسي تعرضوا للاعتقال على مدى نصف عام، ذاقوا خلالها عقوبات مزدوجة تراوحت بين فرض الغرامات المالية العالية، والاعتقال الإداري، والحبس المنزلي المفتوح، والإبعاد عن منازلهم.