السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ولدي الغالي زين.. سأحاول أن أكتب لك بالفصحى عوضا عن لهجتي الصعيدية المعتادة التي كنت تكرهها منذ طفولتك، على الرغم من أنها لهجة جميلة ومميزة.
زين.. أنا أحبك.. وأحب أمك.. أنت كل ما تبقى لي من بعدها الله يرحمها.. ولأجل هذا السبب أقول لك.. سافر!!
لا تتعجب يا ولدي.. لقد أخطأت في حق نفسي وحق أمك وحقك قبل أن تأتي إلى الحياة بعدم سفري، لكن دعني أذكرك بأمر تعرفه ويعرفه كل المصريين، أمك هي السبب في عدم سفري..
سأحكي لك الحكاية مرة أخرى..
كنت قد نويت السفر إلى الاسكندرية للعمل مع أحد التجار الإيطاليين في الميناء، وكانوا قليلين في هذا الوقت، تحديدا عام 1998 وكانت الخطة أن أعمل معه في بضاعاته المختلفة، وبعد عام أو أقل سأسافر إلى أوروبا.. وأتزوج فتاة شقراء لا تشبه أمك..
الآن وصلنا للجزء المشهور من القصة.. واسمح لي أن أقوله كما غنّيته نفس العام..
على أول الطريق الزراعي..(تحديدا في طوخ، وقفنا لنملأ السيارة البيجو بالوقود)
وأنا مسافر.. (نحو الاسكندرية)
قابلتني.. (كانت في مواجهتي تماماً)
صبية..(أصبحت أمك)
حلوة قوي..(جداً جداً)
وجميلة قوي..(الله يرحمها)
قلت والله.. (لا أحلف بغير الله)
ما أنا مسافر.. (وتلك كانت الغلطة الكبرى)
لا تظن يا زين أني نادم على زواجي من أمك أو رؤيتها لا سمح الله أو الموافقة على شروط جدك عبد العظيم التعسفية التي قصمت ظهري وظهر جدك عبد العليم، لست نادماً أبداً على رفقتها طوال تلك السنين، لست نادماً على الحياة معها ومعك، لم أرد يوما أن اتغرّب إلا للقمة العيش، لكن غلبني قلبي، ذلك الأحمق، يشبه حارس مرمى إيطاليا في كأس العالم 1998، يفوت فرص الدفاع عن حلمه، ويغفل حين يشعر بقرب اهتزاز شباكه.. تعلم يا زين أننا قررنا أن نسميك زين مثل زين الدين زيدان نجم 98.. عام زواجي من أمك الله يرحمها..
تأمل يا زين.. خسرت أنا إيطاليا وإيطاليا خسرت كأس العالم.. أسميناك زين، وسخرنا من الخسارة.. وسخر منا الزمن..
سافر..
كما ترى نحن لسنا أحرارا في طوخ، ولا في مصر.. الكهرباء تزورنا أقل من زيارات جدك عبد العليم الله يرحمه، الماء كما تعلم، وطابور العيش أطول من طابور الجمعية، وطابور الجمعية أطول من طابور السولار، وطابور السولار أطول من مسافة القاهرة إلى طوخ على أول الطريق الزراعي..
اجعل السفر هدفك، حتى لا تتحطم بقية أهدافك..
امشي في طريق السفر حتى لو قابلت صبية حلوة قوي.. وجميلة قوي..(لن تكون مثل أمك الله يرحمها).
لا أقول لك أن تتخلى عن الجمال، لكن ببساطة.. خذها معك..
أرأيت؟
كان من الممكن أن أجادل جدك عبد العظيم وأقنعه بالسفر إلى الاسكندرية، ومن هناك الانطلاق إلى إيطاليا على غفلة منه سيكون أسهل، عمي عبد الكريم الله يرحمه، أخو جدك عبد العليم الله يرحمه، اقترح هذا، لكن لم أهتم!
سافر يا ولدي..
سافر حتى إن لم تجد الصبية الحلوة قوي..
العالم مليان صبايا.. وكل الصبايا حلوة قوي، غير أن العالم، بخلاف طوخ ومصر، فيه أشياء حلوة غير الصبايا، أعرف أنك لا تصدق، لكن تلك هي الحقيقة..
لا تظن أني سعيد بإنجازي الغنائي الضئيل، شعرت حين غنيت "على أول الطريق الزراعي" أني سأصبح نجم، وقال لي عمك طارق عبد الله أني سأصبح نجم، أين أنا؟ أين طارق عبدالله؟
آخر مرة دعاني لأغني للثورة لأقول أن شهداء 25 يناير ماتوا في أحداث يناير، ضَحِكت. هاااااااه.. تلك تنهيدة على الثورة الله يرحمها رحمة أمك وجدك عبدالعظيم وجدك عبد العليم..
سافر يا زين كي لا تموت مثلهم..
أبوك الذي يحبك
(مصر)