10 يناير 2017
على موعد مع القمر
مع ظهور القمر، أكبر حجما، وأكثر إشعاعا، هذا الشهر، لاحظ البعض ربما أمرا آخر، يعد ظاهرة لا تتعلق بالقمر الذي بدا أكبر وأجمل ما يمكن منذ عقود، ولكن تتعلق بالبشر الذين زادت حياتهم تعقيدا، حتى أنهم لم يتمكنوا من رفع رؤسهم إلى السماء تلك الليلة.
الكثير من البشر لم ينظروا إلى القمر لحظة تجليه الأجمل، آخرون وضعوا تاريخ ذلك اليوم في مذكرة هواتفهم، فحددوا ساعات المساء وأفرغوه من المواعيد والارتباطات، ليشاهدوا السماء، ليرفعوا رؤسهم إلى السماء! الأمر احتاج (حرفيا) إلى موعد.
قرر بعض البشر متابعة الحدث على طريقتهم، تلك التي تليق بالحدث ورتم حياتنا اليوم، فتسمروا أمام شاشاته حاسباتهم وهواتفهم الذكية ليشاهدوا صور القمر الفوتوغرافية، ومقاطع الفيديو المتداولة له، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هل كانت تلك الصور (بتدخل الفوتشوب والفلاتر) أجمل من الواقع؟ ربما. لم يعد بعضنا (كبشر) جزء من الطبيعة، منذ قرون. الأمر يخضع حتما إلى التفاوت "الطبقي" بين شعوب الأرض؛ فهناك قارات، ودول، وأجزاء من مدن، وبشر يقطنون صحاري وغابات، كانوا أقرب إلى الطبيعة، من آخرين، كانت العمارات الشاهقة، والجدران السميكة للبيوت، تحجب عنهم نسيم البحر، وضوء الشمس، وشعاع القمر، هؤلاء لم يعودوا كما أسلافهم، ينتمون إلى الأرض، التي باتت أكثر ضجرا بنا، وتعاني نزلة برد هنا، وارتفاع في درجات الحرارة هناك.
الحديث عن القطيعة بيننا وبين الطبيعة بدأ منذ قرنين أو أكثر بقليل، عندما أصبح الإنسان أكثر جبروتا، وقوة، وتحكما، حتى رفع راية قهر تلك الغابات والجبال والوديان والصحاري التي تحيط به، وتجيير كل ما بها، لتطوره.
الإنسان الذي قهر بني جنسه، واستعمرهم، وكان قادرا على صياغة جرائمه على هيئة "قيم أخلاقية" و"نظريات سياسية واقتصادية" هل سيعجز عن تبرير قطع شجرة أو تحوير مجرى نهر لبناء برج عال؟ وهل الشجرة أولى بالبقاء من البرج؟! الأمر مربك.
هناك آلاف الأمثلة التي تدل على انفصالنا عن الطبيعة، غير الاضطرار لتحديد موعد لرفع رؤسنا إلى السماء. فبدل أن يكون المشي، جزء من حياتنا، أصبح الرفاهية التي يمارسها بعض البشر، حتى اضطر كثيرون منا إلى دفع الأموال لشراء أجهزة، أو الذهاب إلى أندية لممارسة المشي. في سياق كهذا الذي نعيش، لا يختلف المشي كثيرا عن النظر إلى السماء، وإن كان يحرق سعرات حرارية أكبر.
انتبه الإنسان باكرا إلى اضطراب علاقته مع الطبيعة، مع الثورة الصناعية في أوروبا، وهجره الحقل الذي حل محله المصنع، والألة. لم يكن أحدا قبل قرنين من الزمن، يفكر بتأثير تلك اللحظة على الطبيعة، والبشر، فقد بدت المكاسب الاقتصادية أعظم، رغم بؤس العمّال، والتاريخ يعد بالمزيد من التقدم، لكل البشر، يجادل الرأسماليون أن هذا ما حدث فعلا اليوم.
ولا يبدو أن التغاضي عن تلك المكاسب أمر صعب، ما لم تكن ماركسيا متطرفا جدا، قد يضجر ماركس منك لو كان حيا. جدلا أخر ظهر على السطح، لا على غرار تحذيرات عالم الفيزياء الشهير، ستيفن هوكينغ، من البقاء على الكوكب، ملوحا بانقراض البشر إن لم يهربوا بعيدا عن هذه الأرض الموبوؤة خلال ألف سنة، لكنه جدل يتعلق بإعادة صياغة علاقة البشر بالطبيعة الجريحة، والتي لم تستسلم أمام جبروت الإنسان، وما زالت (رغم الحمى) تصفع البشر بتسونامي هنا، أو زلزال هناك.
يطرح بعض المفكرين أن علينا التعاقد مع الطبيعة، على غرار العقد الاجتماعي بين البشر، لنستطيع حماية أنفسنا والكوكب. نحن ضيوف على هذه الأرض، تسببنا بأضرار بالغة لها، وحان وقت صياغة العلاقة بين الجانبين بطريقة أكثر نضجا وعقلانية (العقلانية التي دمرت الكوكب أول الأمر). لكن الإنسان لم ينجح في تعميم العقد الاجتماعي، الذي نُظر له منذ القرن السابع عشر لينظم علاقة الإنسان بالإنسان، فهل يستطيع ترسيخ عقد مع الطبيعة، تلك التي تتنتقم بصمت، ولم يبدأ الحديث (نيابة عنها) جديا إلا قبل عقد أو اثنين؟
على الجانب الأخر، ترفع اليوم راية حماية الطبيعة، الدول التي تسببت بأكبر ضرر لها، وأكثر من حصد نتائج تدميرها، على هيئة بلدان شاسعة، ومدن شاهقة، قائمة على اقتصاديات قوية، وهنا نعود إلى المجادلة التقليدية: تتحدثون عن حماية الطبيعة، لتضعوا القيود على من لازالت الطبيعة (الأمراض والجفاف) أكبر مشاغل يومه؟
الكثير من البشر لم ينظروا إلى القمر لحظة تجليه الأجمل، آخرون وضعوا تاريخ ذلك اليوم في مذكرة هواتفهم، فحددوا ساعات المساء وأفرغوه من المواعيد والارتباطات، ليشاهدوا السماء، ليرفعوا رؤسهم إلى السماء! الأمر احتاج (حرفيا) إلى موعد.
قرر بعض البشر متابعة الحدث على طريقتهم، تلك التي تليق بالحدث ورتم حياتنا اليوم، فتسمروا أمام شاشاته حاسباتهم وهواتفهم الذكية ليشاهدوا صور القمر الفوتوغرافية، ومقاطع الفيديو المتداولة له، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هل كانت تلك الصور (بتدخل الفوتشوب والفلاتر) أجمل من الواقع؟ ربما. لم يعد بعضنا (كبشر) جزء من الطبيعة، منذ قرون. الأمر يخضع حتما إلى التفاوت "الطبقي" بين شعوب الأرض؛ فهناك قارات، ودول، وأجزاء من مدن، وبشر يقطنون صحاري وغابات، كانوا أقرب إلى الطبيعة، من آخرين، كانت العمارات الشاهقة، والجدران السميكة للبيوت، تحجب عنهم نسيم البحر، وضوء الشمس، وشعاع القمر، هؤلاء لم يعودوا كما أسلافهم، ينتمون إلى الأرض، التي باتت أكثر ضجرا بنا، وتعاني نزلة برد هنا، وارتفاع في درجات الحرارة هناك.
الحديث عن القطيعة بيننا وبين الطبيعة بدأ منذ قرنين أو أكثر بقليل، عندما أصبح الإنسان أكثر جبروتا، وقوة، وتحكما، حتى رفع راية قهر تلك الغابات والجبال والوديان والصحاري التي تحيط به، وتجيير كل ما بها، لتطوره.
الإنسان الذي قهر بني جنسه، واستعمرهم، وكان قادرا على صياغة جرائمه على هيئة "قيم أخلاقية" و"نظريات سياسية واقتصادية" هل سيعجز عن تبرير قطع شجرة أو تحوير مجرى نهر لبناء برج عال؟ وهل الشجرة أولى بالبقاء من البرج؟! الأمر مربك.
هناك آلاف الأمثلة التي تدل على انفصالنا عن الطبيعة، غير الاضطرار لتحديد موعد لرفع رؤسنا إلى السماء. فبدل أن يكون المشي، جزء من حياتنا، أصبح الرفاهية التي يمارسها بعض البشر، حتى اضطر كثيرون منا إلى دفع الأموال لشراء أجهزة، أو الذهاب إلى أندية لممارسة المشي. في سياق كهذا الذي نعيش، لا يختلف المشي كثيرا عن النظر إلى السماء، وإن كان يحرق سعرات حرارية أكبر.
انتبه الإنسان باكرا إلى اضطراب علاقته مع الطبيعة، مع الثورة الصناعية في أوروبا، وهجره الحقل الذي حل محله المصنع، والألة. لم يكن أحدا قبل قرنين من الزمن، يفكر بتأثير تلك اللحظة على الطبيعة، والبشر، فقد بدت المكاسب الاقتصادية أعظم، رغم بؤس العمّال، والتاريخ يعد بالمزيد من التقدم، لكل البشر، يجادل الرأسماليون أن هذا ما حدث فعلا اليوم.
نحن ضيوف على هذه الأرض، تسببنا بأضرار بالغة لها، وحان وقت صياغة العلاقة بين الجانبين بطريقة أكثر نضجا وعقلانية |
ولا يبدو أن التغاضي عن تلك المكاسب أمر صعب، ما لم تكن ماركسيا متطرفا جدا، قد يضجر ماركس منك لو كان حيا. جدلا أخر ظهر على السطح، لا على غرار تحذيرات عالم الفيزياء الشهير، ستيفن هوكينغ، من البقاء على الكوكب، ملوحا بانقراض البشر إن لم يهربوا بعيدا عن هذه الأرض الموبوؤة خلال ألف سنة، لكنه جدل يتعلق بإعادة صياغة علاقة البشر بالطبيعة الجريحة، والتي لم تستسلم أمام جبروت الإنسان، وما زالت (رغم الحمى) تصفع البشر بتسونامي هنا، أو زلزال هناك.
يطرح بعض المفكرين أن علينا التعاقد مع الطبيعة، على غرار العقد الاجتماعي بين البشر، لنستطيع حماية أنفسنا والكوكب. نحن ضيوف على هذه الأرض، تسببنا بأضرار بالغة لها، وحان وقت صياغة العلاقة بين الجانبين بطريقة أكثر نضجا وعقلانية (العقلانية التي دمرت الكوكب أول الأمر). لكن الإنسان لم ينجح في تعميم العقد الاجتماعي، الذي نُظر له منذ القرن السابع عشر لينظم علاقة الإنسان بالإنسان، فهل يستطيع ترسيخ عقد مع الطبيعة، تلك التي تتنتقم بصمت، ولم يبدأ الحديث (نيابة عنها) جديا إلا قبل عقد أو اثنين؟
على الجانب الأخر، ترفع اليوم راية حماية الطبيعة، الدول التي تسببت بأكبر ضرر لها، وأكثر من حصد نتائج تدميرها، على هيئة بلدان شاسعة، ومدن شاهقة، قائمة على اقتصاديات قوية، وهنا نعود إلى المجادلة التقليدية: تتحدثون عن حماية الطبيعة، لتضعوا القيود على من لازالت الطبيعة (الأمراض والجفاف) أكبر مشاغل يومه؟