"لا أتلقّى تعليمات من أحد"، قالها رئيس مجلس النواب المصري، علي عبد العال، مرّتَين، خلال الجلسات الأولى للبرلمان، الذي أكمل شهره الثالث من دون أن تُقر لائحته الداخلية نهائياً، أو يُشكّل لجانه النوعية، أو حتى يبدأ في ممارسة أدواته الرقابية، ومناقشة قوانين نصّ عليها الدستور في دور الانعقاد الأول مثل العدالة الانتقالية، وبناء دور العبادة الموحّد. يحاول عبد العال، من خلال كلامه، أن يظهر كمستقل، إلا أنّ أفعاله مكشوفة، وتظهر انحيازاً واضحاً لمواقف الائتلاف الذي جاء للبرلمان من خلاله: "دعم مصر"، وحكومة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الداعم لها، حتى فاض بنواب الكيل واتهموه صراحة بتبني موقف الحكومة، وانحيازه بامتياز لوزرائها على حساب أعضاء المجلس النيابي.
مواقف عدة بدأت من التجاهل المتعمّد لتشكيل لجنة تقصي حقائق تصريحات رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، هشام جنينة، عن الفساد الضخم في أجهزة الدولة، حتى أصدر السيسي قراراً بعزله عقاباً على كشفه هذا الفساد، مروراً بتمرير كل القوانين الصادرة من الأخير قبل انعقاد البرلمان في أيام معدودة، وانتهاءً بمحاولاته الحثيثة حالياً لتمرير برنامج الحكومة، ومنح الثقة لها. لم يسلم عبد العال من القانون الوحيد الذي رفضه النواب (الخدمة المدنية)، إذ دافع عنه جهراً، فطلب من النواب تمريره، مخالفاً الأعراف البرلمانية المتعلقة بعدم تأثير رئيس المجلس على قرار أعضائه. كما يسعى لإقناع النواب بمنح الثقة لحكومة السيسي مستخدماً التخويف بـ"حلّ المجلس" في حال رُفض برنامج الحكومة، وتشكيل الرئيس لحكومة جديدة بناء على اقتراح الائتلاف الحائز على الأكثرية النيابية.
خلال مناقشة مواد اللائحة الجديدة المنظّمة لعمل المجلس، شهدت القاعة إصرار عبد العال على إعادة التصويت على نصوص ومواد بعينها، مرات عدة، حتى يصل إلى النتائج التي يرجوها، بمعاونة كتلة "دعم مصر"، التي تتبنى موقفاً مسبقاً بالأخذ من صلاحيات البرلمان الدستورية لصالح السلطة التنفيذية، "قرباناً" للرئيس، الذي شكّلت أجهزته الأمنية قوائم الائتلاف الانتخابية، وأشرفت على فوزها.
في هذا السياق، يقول مصدر برلماني مطلع لـ"العربي الجديد"، إن رئيس المجلس لجأ مرات عدة إلى رفع الجلسة لمدة نصف ساعة عند استشعاره وقوف القاعة ضد مقترحاته، ليجري اتصالات هاتفية، يعلم النواب مضمونها، كان أبرزها عند إصرار النواب على رفض الخدمة المدنية، استجابة للضغوط الشعبية، وعند اشتباك النواب بشأن مواد تشكيل الائتلاف، والهيئات البرلمانية للأحزاب في مشروع اللائحة. ويضيف المصدر أنّ عبد العال دائم الدفاع عن الحكومة تحت القبة، بشكل أثار حفيظة النواب، وكان آخرها عند رفضه انتقاد أحدهم لوزير الصحة أحمد عماد الدين، نظراً للخدمات الصحية المتردية في قرى ومراكز المحافظات. وقال عبد العال إنه "من غير المقبول مهاجمة الوزراء"، مدعياً أن "الوزير يعمل ليلاً ونهاراً، ويعدّ من أفضل المتخصصين في العالم في جراحة العظام"، وفقاً للمصدر.
من جانبه، يتهم رئيس حزب "الإصلاح والتنمية"، محمد أنور السادات، عبد العال بالانحياز الفج للوزراء، ومواقف الحكومة، قائلاً إنه (عبد العال) يتهم كل نائب معارض لأداء أحد وزرائها بأنه "يدفع الوطن إلى عدم الاستقرار". ويشير السادات إلى أنّ هذا الكلام غير صحيح أو مقبول من رئيس برلمان، فضلاً عن انحيازه لمقترحات تُضيّق الأدوات الرقابية للأعضاء بشأن محاسبة الحكومة بنصوص اللائحة، بمباركة نواب "دعم مصر"، الذين يبدو أنهم جاءوا للمجلس للأخذ من صلاحياتهم لصالح الحكومة، على حدّ قوله.
ويضيف السادات، لـ"العربي الجديد"، أنّ انحياز عبد العال ظهر في البداية مع تمرير القوانين الرئاسية الصادرة في غياب البرلمان في أسرع وقت، وهو ما حدث مع إقرار 340 مشروعاً في أيام قليلة. وكان من بينها المشروع الذي يمنح رئيس البلاد حق عزل رؤساء الأجهزة الرقابية، ورفضه إعادة المداولة بشأنه على الرغم من معارضة قطاع واسع من النواب للقانون، الذي تسبب في الإطاحة بالمستشار جنينة، أخيراً، على حدّ تعبير السادات.
وكان النواب رفضوا طلب عبد العال المتكرر بتأجيل تشكيل "لجنة جنينة"، وصوّت المجلس على تشكيلها مرة، وعدم تأجيلها مرة أخرى، إلّا أنه (عبد العال) ضرب بقرار النواب عرض الحائط، وتجاهل تشكيلها بأوامر رئاسية، خوفاً من كشف أرقام المخالفات الضخمة المتعلقة بالأجهزة السيادية داخل البرلمان، وفقاً لما كشفه مصدر مطلع لـ"العربي الجديد" في وقت سابق.
من جهته، يقول النائب عبد المنعم العليمي لـ"العربي الجديد"، إنّ "عبد العال يتجاهل آراء النواب القدامى على الرغم من حداثة عهده في الحياة النيابية. كما أنّه يخالف التقاليد المتّبعة في المجالس السابقة، خصوصاً في ما يخص تفسير نصوص إعادة المداولة بشأن أي من المواد، فضلاً عن تفضيله لنواب "دعم مصر" في منحهم أولوية أخذ الكلمة، وطرده النواب المعترضين، إذ طرد أربعة نواب دفعة واحدة في جلسة مناقشة الخدمة المدنية". وبحسب العليمي، فإن على رئيس المجلس أن ينأى بنفسه عن القيام بدور محامي الحكومة تحت القبة، لأنّ هذ الدور منوط به وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، مجدي العجاتي، فهو يحضر الجلسات للرد على انتقادات النواب بشأن أداء الوزراء، وعلى عبد العال ألا يكون طرفاً في هذا السجال"، على حدّ تعبيره.
بدوره، يلفت النائب المستقل أحمد الطنطاوي إلى أنّ غالبية نواب المجلس يرون أن أداء الحكومة الحالية باهت وضعيف في أغلب الملفات الموكلة إليها، إلّا أن قطاعاً منهم يرى عدم سحب الثقة منها بدعوى استقرار المؤسسات الدستورية، وعدم الصدام مع رئيس البلاد. ويعتبر الطنطاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ انتقاد أداء وزراء الحكومة هو "أضعف الإيمان بالنسبة للنواب، وهو ما يصادر عليه أيضاً رئيس المجلس تحت القبة".
ويوضح أنّ رئيس مجلس الشعب السابق في عهد الرئيس المخلوع مبارك، فتحي سرور، كان أذكى من أن يظهر هذا الانحياز الواضح للحكومة، والنظام كما يفعل عبد العال، علماً أنه كان أحد قيادات الحزب الوطني الحاكم آنذاك، إلا أنه كان يعلم جيداً نصوص الدستور واللائحة، ويسعى لتطبيقها، ولو شكلياً"، بحسب قوله. ويؤكد الطنطاوي أنّ رئيس المجلس أعاد التصويت مرات عدة على بعض نصوص اللائحة حين جاء التصويت مخالفاً لهواه، فيما يرفض إعادة المداولة إذا جاء التصويت كما أراد، فضلاً عن إبدائه لرأيه من خلف المنصّة، بشكل مخالف للقواعد البرلمانية، بخلاف ما كان يتجنبه سابقوه.
شغل عبد العال عضوية لجنة العشرة التي وضعت مشروع الدستور الحالي، ولجنة إعداد قانون مباشرة الحقوق السياسية، وانتخابات مجلس النواب، والذي حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية بعض موادهما مطلع العام الماضي، ما تسبب في تأجيل الانتخابات لمدة ستة أشهر حتى إجرائها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على الرغم من افتخاره الدائم بخلفياته الدستورية، ولهجته المتعالية على النواب.
ويسبب التشكيك فى خبرات عبد العال القانونية، انزعاجاً داخلياً لديه، وهو ما يدفعه للانفعال على الأعضاء عند معارضة مقترحاته، أو حول تفسير بعض مواد الدستور، قائلاً في إحدى الجلسات "أنا من كتب الدستور بيديه، وأنا أكثر علماً بنصوصه". وفي مرة ثانية عندما اشتبك مع المخرج، النائب خالد يوسف، فقال له، "لا أنت ولا غيرك يمكنه الدخول معي في جدال دستوري، ولن أسمح بالتشكيك فى كلامي بخصوص الدستور".