في التاسعة من عمره، لجأ علي فوزي إلى لبنان مع أفراد عائلته، هاربين من الصهاينة في فلسطين. في سيارة، تمكّنوا من حمل بعض أغراضهم الضرورية معهم، بالإضافة إلى المال الذي كان بحوزتهم. في بلد اللجوء، توفي والداه، غير أنّ أمله بالعودة إلى الوطن لم ينعدم. بالنسبة إليه "لو قالوا لي عد، فإنّني سأرجع إليها سيراً على الأقدام". في بلدة الزيب الفلسطينية صديقة البحر في قضاء عكا، ولد فوزي، وما زال يذكر "بحرها وافر الرزق" الذي كانوا يعتاشون منه. أمّا اليوم فهو يعيش في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا، جنوبي لبنان.
يخبر فوزي: "عندما تهجّرنا كنّا سبعة أولاد في العائلة، ثلاث فتيات وأربعة فتيان. وقبل اللجوء، كنّا نعيش حياة هانئة، وكنّا نرتزق من خيرات البحر وممّا نحصده من البساتين التي كنّا نملكها. لكنّ الصهاينة هجموا على بلدتنا، فهربنا إلى جنوب لبنان وتحديداً إلى بلدة عدلون حيث مكثنا عند أهل والدتي. فهي لبنانية وكان أهلها يعيشون في عدلون". لكن، بعدما تأكّدنا أنّ العودة ربّما تطول، انتقلنا إلى مخيّم عين الحلوة حيث عشنا في خيام كما فلسطينيين لاجئين آخرين. ولتأمين رزقنا، استأجر والدي قطعة أرض في عدلون، فهو مزارع وقد سهّل أهل والدتي الأمر له. وفي وقت لاحق، سكنّا في منطقة الشارع التحتاني بالمخيّم وتحديداً في منطقة الزيب (تيمّناً بالبلدة الفلسطينية)، في بيوت أسقفها من ألواح الزينكو. وفي وقت لاحق، راح الناس جميعاً يسقفون بيوتهم بالباطون".
ويشير فوزي إلى أنّ "اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي أوّل من أنشأ مراكز لتعليم الأطفال في المخيّم، ثمّ استلمت الأمر وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وأنا لم أكن أحبّ المدرسة، وبصراحة كنت كسولاً. كلّما أرسلني والدي إليها، كنت أهرب منها. ورغم ذلك، أُجبرت على إنهاء دراستي الابتدائية".
يضيف فوزي: "بدأت العمل في البساتين مع والدي وأنا في الرابعة عشرة من عمري، وبقيت أعمل في الزراعة حتى بلغت 64 عاماً ولم أعد قادراً على ذلك. وقد تزوّجت في السابعة والعشرين من عمري، وأنجبت ثلاث بنات وأربعة أبناء، أحدهم توفي في الغربة. والثلاثة الباقون يعيشون في ألمانيا. الأوّل سافر بشكل قانوني، أمّا الثاني والثالث فتباعاً عن طريق التهريب، وكلّ ذلك بسبب عدم توفّر فرص عمل وضيق الحال الذي نعيشه. واليوم، أولادي هم الذين يعيلونني". ويتابع: "أمّا بناتي فهنّ متزوجات، وإحداهنّ تعيش في ألمانيا. قدرنا هو أن نكون لاجئين. وطني في مكان، وأنا أعيش في مكان آخر، وأولادي هاجروا مرغمين بهدف البحث عن بعض من حياة كريمة"، مشيراً إلى أنّ "اثنَين منهم يعملان في النجارة والثالث فتح محلاً للحلويات". ويؤكد فوزي: "لو أتيح لي مجال العودة إلى فلسطين، لعدت إليها سيراً على الأقدام".