بعد أربعة أيام من توقيفه غابت فيها رسومه، أفرجت الأجهزة الأمنية الأردنية عن رئيس صفحة الكاريكاتير في "العربي الجديد"، الزميل عماد حجاج بكفالة، الأحد، بعد توقيفه يوم الأربعاء الماضي. وكان مدعي عام محكمة أمن الدولة الأردني قرر توقيف حجاج، الخميس الماضي، لمدة 14 يوما بتهمة تعكير صفو العلاقات مع دولة شقيقة، وذلك إثر رسم كاريكاتيري حول التطبيع الإماراتي ــ الإسرائيلي.
نداءات حقوقية
لكنّ اسم حجاج الذي يرسم الكاريكاتير منذ أكثر من عقدين من الزمن، لم يغِب عن بال عائلته وزملائه ومتابعيه في الأردن والعالم العربي، إثر الحملات الصحافية والحقوقية والإلكترونية المستمرة في المطالبة بالإفراج عنه وسلوك مسارٍ قضائي عادل بحقّه. وتداعت مؤسسات حقوقية للمطالبة بالإفراج عنه، فيما يدرس الصحافيون الأردنيون خياراتهم في دعمه. ووجّهت مؤسسات حقوقية عربية نداءات للمطالبة بإطلاق سراحه، ودانت التهم الموجّهة إليه، وأن يكون صحافي يواجه تهماً ترتبط بالإرهاب فيما كلّ ما قام به هو عمل فنيّ سياسي ساخر.
وأكد المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن على أنّ الحق في حرية التعبير بكافة الطرق والأشكال حق كفله الدستور وخاصة المادة الخامسة عشرة منه، التي نصت على أن تكفل الدولة حرية الصحافة والنشر والطباعة وسائر وسائل الإعلام. وأضاف في بيان الخميس "ليس الحق في التعبير عامة وحق الصحافة فيه خاصة أمراً ينحصر بالحريات فقط، بل لقد أكدت التجارب وتضافرت الآراء على اعتباره عماد الدولة الديمقراطية، وله الدور المحوري في بناء دولة القانون، إضافة إلى دوره في بناء الشخصية الإنسانية والإحساس بكينونتها وكرامتها المتأصلة. وعطفاً على حرية التعبير يأتي حق الصحافي والإعلامي في عدم المس بحقه في الحرية بسبب ما أجراه من أعمال بحكم مهنته. وعليه يؤكد المركز الوطني موقفه من عدم جواز التوسع في التوقيف القضائي بصريح نص المادة 114 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي أكدت على أن التوقيف تدبير استثنائي وينبغي أن يتم في إطار ضوابط ومعايير حددتها المادة ذاتها. ويدعو المركز بناء عليه إلى إطلاق سراح الصحافي عماد حجاج. ويؤكد في هذا الصدد أيضا على عدم جواز محاكمة الصحافيين عما اجروه من أعمال تتعلق بمهنتهم إلا وفق أحكام قانون المطبوعات والنشر لا وفق سواه".
في السياق نفسه، طالبت هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني "همم" بالإفراج الفوري عن حجاح. وقالت همم في بيان صادر عنها اليوم "نرفض إحالة الفنان حجاج إلى محكمة أمن الدولة ومساءلته بموجب قانون منع الإرهاب"، مؤكدة أن ما تعرض له "انتهاك لحقوقه الدستورية، وعصف بالمعاهدات الدولية التي صادق عليها الأردن وتصون حرية التعبير" .
وأعربت همم عن قلقها البالغ من الإجراءات التي اتبعت مع حجاج، وأهمها احتجازه، وإبقاؤه رهن التحفظ، في وحدة الجرائم الإلكترونية، ليلة كاملة قبيل عرضه على مدعي عام عمّان الذي قرر عدم الاختصاص من دون الاستماع لإفادته، وأحيل فوراً لمدعي عام محكمة أمن الدولة من دون إتاحة الفرصة لمحاميه لحضور التحقيق معه.
وقال المرصد الأورومتوسطي إنّه ينظر بقلق للانتهاكات المتواصلة لحرية التعبير في الأردن، والتي كان آخرها اعتقال رسام الكاريكاتير عماد حجاج، معتبرًا هذا السلوك صفعة أخرى لحريات التعبير وانتكاسة جديدة للمساحة الضيقة من الحريات المدنية في المملكة. وطالب المرصد الحكومة الأردنية بسرعة إطلاق سراح المعتقل عماد حجاج وكافة الناشطين، داعياً إياها لمراجعة السياسات القمعية تجاه المواطنين الذين يمارسون حقوقهم المكفولة في القوانين والمعاهدات الدولية ذات الصلة.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في بيانٍ لها يوم الجمعة إنّ "اعتقال حجاج يعكس قمعا أوسع لحرية التعبير وحرية الإعلام في الأردن خلال السنوات الأخيرة". وقال نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، جو ستورك: "وصف الرسوم الكاريكاتورية الساخرة بالجريمة الإرهابية يؤكد فقط أن الأردن مصمم على كمّ أفواه المواطنين الذين يتكلمون بحرية. هذا الاعتقال رسالة مفادها أن السلطات الأردنية تفضل انتهاك حقوق مواطنيها على المجازفة بجَرح مشاعر زعيم خليجي".
واعتبرت "هيومن رايتس ووتش" أنه فضلاً عن الإفراج عن حجاج وإسقاط التهم الجائرة ضده، ينبغي للسلطات الأردنية الكف عن تطبيق المواد الفضفاضة للغاية في قانون العقوبات وقانون الجرائم الإلكترونية وقانون منع الإرهاب التي تُستخدم باستمرار بدون حق لتقييد حق الأردنيين في حرية التعبير، مشيرةً إلى أنّه ينبغي أن يشمل ذلك الإلغاء الكلي للمادة 3 (ب) من قانون منع الإرهاب.
وقال ممثل "لجنة حماية الصحافيين" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إيناسيو ميغيل ديلغادو، إنه "من حق صحافيين ورسامي كاريكاتير مثل عماد حجاج التعبير عن آرائهم بحرية في الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي، الذي يؤثر على حياة الملايين من المواطنين في المنطقة". مضيفاً: "ينبغي على السلطات الأردنية إطلاق سراح حجاج وإسقاط كل الاتهامات الموجهة له، والسماح له بتقديم تعليقه السياسي من دون خوف من التعرض للسجن".
من جانبها، دانت مؤسسة "سكاي لاين" الدولية توقيف حجاج، قائلةً إنها تلقت إفادات بتوقيف حجاج، رئيس جمعية رابطة رسامي الكاريكاتير الأردنيين، على خلفية رسوم كاريكاتيرية احتج فيها على اتفاق تطبيع العلاقات الذي أعلن في 13 آب/أغسطس الجاري بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.
وشددت على أن "استمرار السلطات الأردنية في سياسة تكميم الأفواه يخالف التزاماتها تجاه المواثيق والاتفاقيات الدولية، ويعد امتدادا لتطبيقها قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015 ويقوم على تقييد حرية التعبير بشكل كبير من خلال فرض عقوبات جنائية على نشر ما تُسميه "الأخبار الكاذبة أو مشاركة خطاب الكراهية على الإنترنت". وأكدت أن استمرار الاستدعاءات والاعتقالات على خلفية العمل الإعلامي والتعبير العلني عن الآراء في الأردن يتنافى مع تصريحات مسؤولي الحكومة حول احترام حرية التعبير عن الرأي ويجب أن تتوقف فورا.
وفي مقال رأي في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، قال الإعلامي داود كُتاب إنّ "الملك عبد الله بن الحسين في الأردن يرفض معاقبة الصحافيين للتعبير عن رأيهم، وكان قد قال إنه يريد لحرية الصحافة أن يكون سقفها السماء. ولكن توقيف حجاج يعكس وجود قوانين تتعارض مع هذا الهدف النبيل". وأضاف "في أنحاء العالم العربي، تحاول الحكومات أن تطبّق تطبيقًا خاطئًا لفكرة "القذف"، حيث تعتبر أي إساءة لمشاعر قادة أصدقاء سببًا لإسكات الصحافيين. رسامو الكاريكاتير يتم استهدافهم بصورة مستمرة. قد يكون ذلك لأنهم يتحدّون الحدود المسموح بها بقوة. ففي أحد الحالات المشهورة، تم اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي في لندن عام 1987. لا تزال دوافع الاغتيال غامضة لغاية الآن. آخرون تعرضوا للضرب والاعتقال والغرامات بسبب كتاباتهم ورسوماتهم".
وأشار كُتاب إلى الانتهاكات لحرية التعبير والإعلام، أكد في مقاله الصادر يوم السبت أنّه "يجب أن يمنح القادة العرب والمجتمع الدولي أولوية لحرية التعبير كعنصر أساسي في محاولات الإصلاح والديمقراطية المطلوبة لكي يتقدم العالم العربي إلى الأمام. يجب ألّا يُسمح للقادة العرب قول أشياء بشأن الديمقراطية في نيويورك وبروكسل، ولكن في نفس الوقت يتم كمّ افواه الصحافيين وتوقيف رسامي الكاريكاتير في عواصمهم العربية".
عواصف إلكترونية
منذ الأربعاء الماضي، يحلّ اسم الزميل عماد حجاج على رأس قائمة الأكثر تداولاً في الأردن وغيرها من الدول العربية، في عواصف إلكترونية تهدف إلى المطالبة بالإفراج عنه والدفاع عن حرية التعبير له ولجميع الأردنيين والعرب. ودشّن مستخدمون وسوماً عدة في هذا الصدد، بينها "#عماد_حجاج"و"#طَلعوا_عماد_حجاج" و"#الحرية_لعماد_حجاج"و"#الحرية_لرسام_الكاريكاتير_عماد_حجاج" و"#releaseHajjaj" و"#Freedom4EmadHajjaj" و"#FreeEmadHajjaj".
وفي حملة إلكترونية يوم السبت، قال الإعلامي ياسر أبوهلالة "#طلعوا_عماد_حجاج كما أدخل أبو محجوب الابتسامة لكل بيت أردني، لن نخذل عماد وسندخل الابتسامة إلى بيته #releaseHajjaj". وقالت الصحافية التونسية وجد بوعبدالله "#طلعوا_عماد_حجاج من عجائب الدهر أن نطالب اليوم بتحرير رسام كاريكاتير انتقد التطبيع مع إسرائيل، واليوم ذكرى اغتيال رسام كاريكاتير آخر (ناجي العلي) عُرف بانتقاده الصهيونية والأنظمة العربية كذلك. حنظلة في كل مكان وزمان".
#طلعوا_عماد_حجاج من عجائب الدهر أن نطالب اليوم بتحرير رسام كاريكاتير انتقد التطبيع مع إسرائيل، واليوم ذكرى اغتيال رسام كاريكاتير آخر (ناجي العلي) عُرف بانتقاده الصهيونية والأنظمة العربية كذلك.
— Wejdene Bouabdallah (@tounsiahourra) August 29, 2020
حنظلة في كل مكان وزمان
وكتب الحقوقي فادي القاضي "لماذا نكتب عن #عماد_حجاج ونُطالبُ بإطلاق سراحه؟ لـ سببين: 1. رسامو الكاريكاتير الذين يحظون بُحب الجمهور يرسمونَ ما يدور على ألسنة الناس وعماد ليس وحدهُ من انتقد تطبيع الامارات-إسرائيل. 2. حبس الرسام هو إهانةٌ لـ #حرية_تعبير مُصانة حتى في ديمقراطية أردنية منقوصة". مضيفاً "رسامو الكاريكاتير هم رأس حربة الرأي العام، إن بطشتَ بهم، وحبستهم، فأنت لا تقصدهم (حصراً) بل تقصدُ إخراس المجتمع وحرية التداول والنقاش العام".
وأكدت هالة عاهد "مقاومة التطبيع وانتقاده ليس جريمة ! #طَلعوا_عماد_حجاج". وكتب وسيم الحباشنة "أبو محجوب فكرة والفكرة "لا تموت" #طَلعوا_عماد_حجاج #الحرية_لرسام_الكاريكاتير_عماد_حجاج". وقال صهيب عياسرة "عماد صاحب ريشة حرة تجسد الواقع #عماد_بطل #طلعوا_عماد_حجاج".
مقاومة التطبيع وانتقاده ليس جريمة ! #طَلعوا_عماد_حجاج
— هالة عاهد #مع_المعلم (@Hala_Deeb) August 29, 2020
وسأل محمد مصبح "أبومحجوب وصاحبها علامة أردنية بامتياز لماذا يسجن؟ ننتظر خروجه #الحرية_لرسام_الكاريكاتير_عماد_حجاج". وكتب معتصم "المادة ١٥ من الدستور: "تكفل الدولة حرية الرأي ولكل أردني أن يعبر بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وجميع وسائل التعبير بشرط أن لا تتجاوز حدود القانون" #طَلعوا_عماد_حجاج #الحرية_لرسام_الكاريكاتير_عماد_حجاج". أما حنان العبدالله فقالت "العلاقات بين الدول "العربية فقط" باتت حساسة جدا وتجرح مشاعرها رسمة أو كلمة. #الحرية_لعماد_حجاج #طَلعوا_عماد_حجاج #الحرية_لرسام_الكاريكاتير_عماد_حجاج". وكتب محمد الردايدة "#عماد_حجاج ماشاء الله صرنا نحاسب صحفيين لأنه جاب سيرة واحد طبع مع إسرائيل مهما يكن لازم يكون وقفة النا بالموضوع".
أما الصحافي المصري أسامة جاويش فقال "#طلعوا_عماد_حجاج ليس مجرد هاشتاج تضامن أو حملة إلكترونية داعمة لرسام الكاريكاتير، ولكن هذه خطوة أخرى في رحلة طويلة للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في العالم العربي. هذه صرخة غضب مستمرة في وجه القمع والظلم ومحاولات تكميم الأفواه. هذا انتصار للإنسانية ورفض للظلم ودفاع عن المظلوم".
وكتبت رنا ملحس "قبل مئة عام كان العرب يعتبرون من يقف بوجه المحتل بطلا.. ما أوصلنا اليوم لهذا الذل الذي يجعل كل من يدين الاحتلال و من يدعمهم أسيرا.. وا أسفاه على حال العرب.. #طَلعوا_عماد_حجاج". وأكدت سوزان خصاونة "نهج الاعتقالات والتوقيف واستخدامها كعقوبة و"رادع" مخز ومخجل ويجب أن يتوقف.. للمصلحة العامة قبل الخاصة وللفائدة المحلية قبل الدولية.. #الاردن #طَلعوا_عماد_حجاج".
#الأردن #طَلعوا_عماد_حجاج #الحرية_لرسام_الكاريكاتير_عماد_حجاج
— الصحفي ماجد حمد القرعان (@journalistmajed) August 29, 2020
لا والف لا للتوقيف قبل المحاكمة والمرجعية بالنسبة للصحفيين قانون المطبوعات pic.twitter.com/RDyuOu0P7Y