موضوع "الخيال السياسي" والذي يمكن إدراجه في علم اجتماع السياسة هو من المواضيع التي قلّما يكتب عنها باللغة العربية، وتأتي مساهمة الباحث المصري عمار علي حسن بكتاب يحمل العنوان نفسه مؤخراً، (عدد تشرين الأول/ أكتوبر من سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية) ليذكر بهذا الحقل الخصب شبه المهجور عربياً، إذ يظل الاستشراف في أدناه.
فمجلة مثل "استشراف- للدراسات المستقبلية"، التي أطلقها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدرت في 2016، في حين كانت منطقتنا دائماً موضوعاً لـ"استشراف" الآخرين و"أخيلتهم".
يرى حسن في كتابه أن الخيال السياسي جزء لا يتجزأ مما وصلت إليه البشرية اليوم، فما نعيشه اليوم ليس نتاج الثورة الرقمية والتكنولوجيا فقط، بل إن الخيال السياسي شريك فيه ومحرّك أساسي للتاريخ.
يقول المؤلف إن الخيال السياسي لكي يتحقق فإنه يستند إلى عدة ممارسات وأساليب وطرق تفكير، من بينها: استقراء التاريخ، وامتلاك العقل المنطقي الخلّاق، وتوظيف نظريتي المحاكاة والمباريات، والاستفادة من الدراسات النوعية ومتعددة التخصصات، والاستعانة بالمثقف وبالأدب، والبقاء على تماس مع آراء الناس وتوجهاتهم من خلال الاستطلاعات، واستعراض التجارب الناجحة ودراستها.
يرى صاحب "عشت ما جرى: شهادة على ثورة يناير" أن ثمة حاجة من الحاكم والمحكوم لهذا الخيال، ويشرح الكيفية التي تعمل من خلالها السياسة على الإيهام والإبهام والإلهام، مبيّناً أن الخيال السياسي عامل أساسي في تكوين الجماعات المتخيلة أو اختراع الهويات القومية، كما أنه يساعد على عبور الأزمات، وبناء الخطط والاستراتيجيات، ومكافحة الفساد.
في مقدمة الكتاب يقول حسن إن "فقر الخيال السياسي في الحياة العربية العامة من العناصر الخفية التي ساهمت في تردي الأحوال على هذا النحو، والفجوة التي تتسع بيننا وبين الغرب لا تقتصر على التقنية والحداثة فقط إنما الخيال السياسي أيضاً".
يلفت الكاتب إلى أن أهم ما يقف في طريق الخيال السياسي في المجتمعات العربية هي تحديات مرتبطة بـ "الاستسلام للواقع"، وبلادة صناع القرار، والتحكم البيروقراطي، ونقص المعلومات، والجهل بالتاريخ، وتقديس الموروث، والتفكير بالتمني، وسطوة الأيديولوجيا.
يعود حسن إلى تجارب وتطبيقات واقعية حول الخيال السياسي، فيلفت إلى تجربة المعارضة "السياسية في بولندا حين تخيلت خلال حكم نظام شيوعي مستبد أنها تعيش في مجتمع حر، ولهذا وسّعت من هامش الحريات الضيق أو خلقته أصلاً" أي أنها أوجدت حياة عامة بديلة قبل التخلّص من النظام الشمولي.
يلفت حسن أيضاً إلى محاولات من نوع المبادرة التي أخذها أحد الناشرين في بريطانيا خلال عشرينيات القرن الماضي، حين تبنى مشروعاً لاستكشاف المستقبل، فطلب من 100 عالم وخبير وباحث وأديب، أن يكتبوا كل في مجاله تصوراً للحياة بعد نصف قرن.
يريد حسن أن يقول إن الخيال السياسي عملية مشتركة بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وقد يكون محاولة فردية أيضاً، ويسوق أمثلة مختلفة أخرى من بينها كتب وتجارب سياسية وعلمية وغيرها.