يمثل اليمن استثناءً مهماً بالنسبة إلى التحولات الجارية في عُمان، بوصفه بلداً حدودياً، حتى أن إخماد الحركة المسلحة الاشتراكية في ظفار، القريبة من الحدود، كان أحد أبرز الملفات التي واجهها قابوس بن سعيد في أوائل سنوات حكمه، ومعروفٌ أن الحركة كانت مدعومةً من الشطر الجنوبي لليمن، قبل إعادة توحيد البلاد في العام 1990.
في ما تلا ذلك، وتحديداً منذ العام 1992، تاريخ توقيع اتفاقية الحدود بين البلدين، امتازت سياسة مسقط تجاه اليمن بالحفاظ على أقصى قدرٍ من التفاهمات ومراعاة الروابط الاجتماعية والتاريخية بين البلدين، مع درجة مما يمكن وصفه بـ"النأي بالنفس" عن أي دورٍ سياسي يثير حفيظة جارها الغربي. ذات الموقف تقريباً اتبعته مسقط مع مختلف دول الجوار والمنطقة.
اعتباراً من العام 2014، حضرت عُمان، للمرة الأولى، كوسيطٍ يمتلك ما يشبه العصا السحرية، لحلّ العديد من الإشكالات الثانوية بين الحكومة اليمنية وبين الحوثيين، حتى قبل اجتياح الجماعة للعاصمة صنعاء، في سبتبمر/أيلول 2014.
وفي الفترة التي تلت تدخل "التحالف" السعودي، تحولت عُمان إلى بوابة للجهود الدبلوماسية الدولية الرامية إلى الدفع بالعملية السياسية إلى الأمام، وتدخل الراحل قابوس أكثر من مرة، بطلبٍ من الأمم المتحدة، لإقناع الحوثيين بحضور المفاوضات. كما تستضيف مسقط الوفد المفاوض باسم جماعة الحوثيين، منذ ما يقرب من عامين، في إطار الدور الذي تلعبه كوسيط، وبالتنسيق مع الأطراف الدولية ذات الصلة.
هذا الدور العُماني، حضر باستضافة مسقط قيادات محسوبة على ما يُعرف بـ"المقاومة الشعبية" التي تقف على الضد من الحوثيين، وزيارة على الأقل لقيادات "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وصولاً إلى الدور الإنساني، بالتكفل بعلاج جرحى من مختلف الأطراف، مع حضور استثنائي بالنسبة لمحافظة المهرة اليمنية، الواقعة على الحدود بين البلدين.
كل ذلك، جعل عُمان حلقةً محورية في جهود الحل والتحولات اليمنية في السنوات الأخيرة، وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي على رأس الوفد الذي حضر للتعزية بالسلطان الراحل، والتهنئة للسلطان الجديد هيثم بن طارق، وقد أظهرت مجمل التعازي والمواقف اليمنية خلال الأيام الأخيرة، كيف أن لمسقط قبولاً لدى مختلف الأطراف، وما يرجوه اليمنيون هو أن يمضي الانتقال لدى الجار المستقر بدون منغصات، وأن تنعكس التحولات في مسقط على مزيد من الدور الإيجابي الذي تلعبه تجاه اليمن.