يبدو أن الأردن يتجه إلى التصعيد ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إذ علمت "العربي الجديد"،
أن "مصادر أميركية توقعت أن يصادق العاهل الأردني عبد الله الثاني في الأيام المقبلة، على تنفيذ خطط جاهزة لعمليات أردنية خاطفة ضد قيادات داعش، داخل الأراضي العراقية أو السورية، انتقاماً لمقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة. على أن تُنفّذ قوات أردنية خاصة العمليات".
ولم تتوفر أي تفاصيل للمصادر الأميركية عن تلك الخطط، لكنها كشفت أن "هذا مغزى ما فهمته من تلميحات العاهل الأردني، الذي تصادف وجوده في واشنطن، مع جريمة إحراق الطيار الأردني". غير أن النائب السابق لرئيس الوزراء، وسفير الأردن لدى واشنطن، مروان المعشر، جزم لوكالة "رويترز"، أنه لا يتوقع "أن يرسل الأردن قوات إلى سورية، غير من المحتمل أن يكثف الضربات الجوية ويعمد إلى تبادل معلومات الاستخبارات".
وتجمع كافة المصادر، على أنه أصبح في حكم المؤكد توسيع الأردن دوره في الحرب على تنظيم "داعش"، كنتيجة حتمية للطريقة التي تمّت بها الجريمة، وأدت دوراً حاسماً في قلب الموقف الأردني رأساً على عقب. كما أن الجريمة عززت موقف الجمهوريين في واشنطن ضد إدارة الرئيس باراك أوباما، وتصاعدت أصواتهم في التعبير عن انتقاداتهم القوية لاستراتيجيته في التعامل مع "داعش"، ومواجهة الإرهاب العالمي، الذي رأوا فيه "شيئاً من الضعف".
وما ساهم في تأجيج الانتقادات، هو تزامن جريمة إحراق الكساسبة مع جلسات استماع ولقاءات مهمة منفصلة، للجنتي القوات المسلحة في مجلسي النواب والشيوخ. إذ استضافت الأولى العاهل الأردني، قبل أن يقطع زيارته لواشنطن عائداً إلى عمان، فيما باشرت الثانية الاستماع لمرشح أوباما لتولّي منصب وزير الدفاع، آشتون كارتر، لمعرفة توجّهاته في مختلف القضايا الدفاعية، وعلى رأسها الحرب الدائرة على "داعش".
وبدأت، أمس الأربعاء، جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ الأميركي إلى كارتر في أجواء ساخنة، لأن إجاباته ستكون حاسمة في إيضاح استراتيجية أوباما الموصوفة بـ "الغموض"، أو حتى إبداء نوع من التوافق مع الآراء الجمهورية، في مقابل الحصول على مصادقة سريعة وسهلة لتولّي المنصب. وهو الأمر الذي قد يمثل ضربة موجعة للبيت الأبيض وأوباما شخصياً، الذي اختار آشتون لهذا المنصب السيادي الحساس، في حال تفاهم الأخير مع الجمهوريين.
وكانت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب من جانبها، قد بدأت قبل ذلك جلسات استماع إلى متحدثين آخرين، سلطوا الأضواء على المخاطر التي تمثلها التنظيمات "الإرهابية"، ووجّهوا انتقادات لما وصفوه بـ "استراتيجية أوباما الغامضة وتكتيكاته الضعيفة". وقال معارضون جمهوريون لأوباما: "لا نريد مضاعفة التصميم، بل نريد عملاً ملموساً ضد داعش".
واستغل أعضاء لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس النواب وجود العاهل الأردني في واشنطن، فاستضافوه مع الوفد المرافق له في مبنى الكونغرس، يوم الثلاثاء، في حضور أعضاء بارزين من مجلسي الشيوخ والنواب، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، قبل أن يقرر العاهل الأردني إلغاء ما تبقى من زيارته عائداً إلى بلاده ومتوعداً "داعش" بـ "ردٍّ مزلزل على إحراق الكساسبة".
وذكرت مصادر في لجنة القوات المسلحة بالكونغرس حضرت اللقاء، مع الملك عبد الله الثاني، أنه "بعد تلقيه نبأ إعدام الكساسبة، كان يغلي غضباً مما حدث، وأشار لأعضاء الكونغرس قائلاً: إن ما قام به داعش عمل لا يُغتفر، وسلوك إرهابي جبان لجماعة لا علاقة لها بالإسلام".
وعلمت "العربي الجديد" أن "العاهل الأردني ألمح إلى احتمال تنفيذ بلاده عمليات خاصة، خاطفة وقوية ضد قيادات داعش داخل سورية والعراق". وأفاد أن "قيادات داعش لا يعرفون أن الأردن هو الوحيد القادر للوصول إلى مخابئهم وإحراقهم فيها"، مشيراً إلى أن "القوات الخاصة الأردنية لديها خطط جاهزة يمكن تنفيذها في أي لحظة".
وكشفت المصادر أن "العاهل الأردني ذكر في سياق كلامه أن الردّ الأردني على داعش، قد لا يكون له أي سابقة إلا في أفلام الممثل الأميركي كلينت إيستوود"، وسمّى الملك الأردني فيلم "غير المغفور" (الصادر في العام 1992)، تحديداً، والذي يروي قصة شخص اعتزل المبارزة بالمسدسات في الغرب الأميركي، قبل أن يعود إليها مدفوعاً بتفاقم أعمال العنف فيه.
وتوقّع مصدر آخر، كان متواجداً أثناء الاستماع لتعليقات العاهل الأردني في الجلسة المغلقة، أن يؤدي مقتل الكساسبة بتلك الطريقة إلى "توسيع دور الأردن في الحملة العسكرية الدولية على داعش بشكل كبير، لا تحييده". واعتبر أن "تنفيذ الأردن فجر، أمس الأربعاء، حكم الإعدام شنقاً بحق ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي، اللذين كان داعش يأمل بإطلاق سراحهما، ليس إلّا رداً أولياً بسيطاً، مقارنة مع ما فُهم من كلام العاهل الأردني، بأن داعش سوف يتحمل عواقب وخيمة لم تكن في حسبان قياداته".
وكانت الريشاوي قد حُكم عليها بالإعدام، لدورها في تفجير انتحاري في العاصمة الأردنية في العام 2005، أودى بحياة 60 شخصاً، في حين أُدين الكربولي في العام 2008 بقتل أردني. وكان الأردن يسعى لمبادلة الريشاوي بالكساسبة.
وكان وجود الطيار الأردني، المنتمي لعشيرة تدعم الأسرة الهاشمية بقوة، قد أثار احتجاجات نادرة ضد الملك عبد الله الثاني، في شأن تعامل الحكومة مع القضية، وطالب البعض بالتزام الحياد في الحرب الدائرة على التنظيم، لكن إعدام داعش للكساسبة حرقاً، قلب الطاولة على التنظيم، وجعل موقف العاهل الأردني أكثر قوة من ذي قبل في مواجهته، بعد تحوّل مطالب الاحتجاج على التدخل، إلى مطالب للثأر من "داعش". وتجمع التوقعات على توسيع مرتقب لدور الأردن، انتقاماً لما حدث للكساسبة، وقد يتمثل أقلّها في تكثيف الغارات الجوية على مراكز حساسة لـ "داعش".
وقال السناتور الجمهوري، ليندزي غراهام، الذي كان من بين المجموعة، التي التقت الملك عبد الله الثاني، إن "ردّ الأردن على قتل طياره، سيكون قوياً جداً، ونتوقع تعزيز المشاركة الأردنية، لا العكس". وتأكيداً لهذا التوجه، أفاد التلفزيون الأردني الرسمي، أن "ردّ الأردن سيكون حازماً ومزلزلاً وقوياً". وبثّ التلفزيون بياناً للمتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة الأردنية، العقيد ممدوح العامري، قال فيه إن "القوات المسلحة إذ تنعي الشهيد البطل، تؤكد أن دم الشهيد الطاهر لن يذهب هدراً، وأن قصاصها من طواغيت الأرض الذين اغتالوا الشهيد معاذ، ومن يشدّ على أيديهم، سيكون انتقاماً بحجم مصيبة الأردنيين جميعاً".
وفي مقابل توسيع الدور الأردني في الحرب على "داعش"، فإن مصادر أميركية أخرى ترى أن "عمليات التنظيم ضد الرهائن، لا تصبّ في مصلحة أوباما، طبقاً لما يعتقده البعض، بل تقوّض استراتيجيته القائمة على تجنب إرسال قوات برية أميركية إلى أرض المعركة، وتدعم خصومه الجمهوريين، الذين يطالبون بإجراءات ميدانية أكثر قوة وأسرع تأثيراً ضد تنظيم الدولة". ويتهم الجمهوريون إدارة أوباما بـ "الضعف والسلبية".
وذكر الرئيس السابق لمكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية، دانيال بنجامين، أن "استخدام تنظيم الدولة الإسلامية للوحشية المفرطة، يهدف إلى بث الرعب واجتذاب المزيد من الشباب المتعطش لقتال التحالف. لكن أسلوب الحرق داخل قفص حديدي، اعتُبر ممارسة وحشية جديدة، في موجة الرعب التي يحاول داعش بثها في قلوب خصومه، وتحدث أثراً عكسياً وتصميماً على مواجهة التنظيم".